واشنطن 8 نوفمبر/ من المقرر ان يجرى الانتخاب العام فى العراق فى يناير القادم, وبدأ العراق بتسجيل المنتخبين رسميا فى اول نوفمبر. تشك المصادر السياسية هنا فى انه هل من الممكن ان تحيى وتتفتح الديمقراطية المنقولة بالبنادق والمدافع فى الاراضى العراقية القديمة ؟
ليس من الصعب ان يكتشف الناس ان الديمقراطية التى تروجها الولايات المتحدة فى العراق ليست الديمقراطية التى تناولها الزعماء الامريكيون الى حد كبير فى مطلع هذا العام. تبين تصريحات الرئيس بوش يوم 30 يونيو ان موقفه العنيد من الديمقراطية الامريكية شهد اكثر هدوء, واعرب لاول مرة عن انه ليس من الضرورى ان تنقل الدول الاسلامية الديمقراطية الامريكية الطراز مائة بالمائة. فقال ان // الديمقراطية لا تعنى نقل الشكل الديمقراطى الاخر اليا, وان مستقبل حرية الدول الاسلامية سيقرره المواطنون فى الدول الاسلامية, ولا يقرره الوافدون//.
فى الوقت الذى تخفض الولايات المتحدة فيه معيار الديمقراطية التى تروجها, تم الاعراب عن ان الديمقراطية ليست مسألة فى حاجة ماسة لحلها بالنسبة الى الحكومة المؤقتة داخل العراق حاليا, نشر رئيس الوزراء فى الحكومة العراقية المؤقتة فى صحيفة واشنطن بوست مقالا يشير فيه الى ان المسألة التى يجب حلها اولا هى الامن القومى العراقى, ثم يتم تنفيذ الهدف الاخير وهو // المشى فى طريق الديمقراطية // وذلك بعد استئناف الاقتصاد والقضاء المستقل.
عندما استولت القوات الامريكية على العراق لم تظهر حالة معانقة الجماهير للقوات الامريكية ومعانقتها للديمقراطية والتى توقعها بوش. دل الاستفتاء الذى تم اعلانه يوم 30 يونيو على ان 31 بالمائة من الناس ارادوا الديمقراطية و50 بالمائة منهم يرون ان العراق يحتاج بالحاح الى زعيم قوى وذلك عندما سئل العراقيون عن اى شىء يحتاجون اليه فى العام القادم.
فى منتصف العام الحالى, لم توافق الولايات المتحدة على اجراء الانتخاب العام فى العراق اثر تسليم السلطة والسبب فى ذلك يرجع الى انه من الممكن ان ينتخب شخص يعارض الولايات المتحدة بشدة فى يوليو. واخيرا وافقت الولايات المتحدة على اجراء الانتخاب بعد 7 اشهر من تسليم السلطة لتأخير الوقت,حيث يأمل فى ان ينتخب الشعب العراقى حاكما سياسيا تؤيده الولايات المتحدة بعد استئناف الاستقرار فى العراق.
نرى اليوم ان امنية الولايات المتحدة فى ذلك ليست كبييرة. السبب الاول هو ان العراق يشهد الان وضعا مضطربا, والسبب الثانى هو ان عدد مؤمنى الشيعة يمثل 60 بالمائة من اجمالى عدد سكان العراق, ويساعد اى انتخاب عادل على فوز الشيعة. وان تعليق الامال فى ان يغير العراقيون المؤمنون للدين فى السنوات المتعددة ايمانهم الدينى بالديمقراطية الامريكية الطراز فى غضون نصف السنة ليس واقعيا. ان الانتخاب العام فى العراق يشكل اكبر محنة كامنة بالنسبة للولايات المتحدة, يقصد بذلك انه اذا تم انتخاب حكومة شيعية توالى ايران, لا نعرف كيف تضع الولايات المتحدة حدا لهذه القضية.
اشار محللون سياسيون هنا الى ان اى نظام سياسى لدولة تحدده الشروط الملموسة لهذه الدولة وكذلك تكبحه ايضا عوامل بما فى ذلك البيئة الجغرافية ومستوى تنمية اقتصادها والتقاليد الثقافية, وتعكس عملية اكتمال النظام السياسى ايضا الحالة الواقعية لهذه الدولة حينذاك, وان // تبديل الشىء بالشىء// لا يؤتى فعاليات جيدة. علما بان اكثر من 40 دولة افريقية مستقلة جديدة خلال الفترة من عام 1957 الى 1964 اتخذت نظام الانتخاب الديمقراطى الغربى ولكنها شهدت انقلابا عسكريا واحدة تلو الاخرى واطاحت بالنظام الديمقراطى سريع التناول.
ان الشرق الاوسط هو هدف اخر تسعى الولايات المتحدة اليه بعد امريكا اللاتينية وافريقيا واوربا الشرقية. ولكن المراقبين اشاروا الى ان الشرق الاوسط يمتاز بخصائص فريدة وله عوامل دينية معقدة, وهو مقيد بجميع القوى السياسية, وله قانون خاص لتطويره. ان الديمقراطية تشكل عملية بطيئة منطلقة من الوضع الواقعى لكل دولة, ولا يمكن كما نعمله بنقل العصير مثل كوكوكولا الى جميع الدول فى الشرق الاوسط لتحويله مع الماء الى منتجات جاهزة. / صحيفة الشعب اليومية اونلاين/