خبراء صينيون: مع إعلان النتائج الأولية للانتخابات... مصر تنجز الاستحقاق الثاني وتقف أمام تحديات عدة

بكين 29 مايو 2014 / مع ظهور النتائج الأولية غير الرسمية التي تشير إلى حصول المرشح الرئاسي المشير عبد الفتاح السيسي على أغلبية ساحقة من الأصوات في انتخابات الرئاسة المصرية والتي استمرت على مدار ثلاثة أيام واختتمت أمس الأربعاء، توشك مصر على الانتهاء من إنجاز ثاني استحقاقات خارطة الطريق بعد إقرار الدستور المصري الجديد في يناير 2014 والذي شكل خطوة هامة صوب بناء مؤسسات ديمقراطية.

وبدورهم يرى خبراء صينيون معينون بشؤون الشرق الأوسط أن هذه النتائج متوقعة وتعد خيارا حتميا في ظل تطلع الشعب المصري إلى الأمن والاستقرار، إذ إن الشعب عبر عن رغبته في انتخاب زعيم قوى يمتلك من القدرة والحكمة ما يؤهله لقيادة مركب مصر إلى بر الأمان بعد أكثر من ثلاث سنوات من التقلبات، لكنهم يشيرون في الوقت ذاته إلى أن إمكانية تحقيق دوام الاستقرار والأمن ستظل تحت المجهر في ظل الصعوبات التي لابد للرئيس الجديد من التعامل معها والتغلب عليها في أسرع وقت.

    -- نتائج متوقعة

وحول ارتفاع نسبة دعم السيسي وحصوله على نحو 93.3 بالمائة من الأصوات وفقا لأحدث ما صدر من نتائج أولية، قال لي وي جيان، مدير مركز دراسات السياسات الخارجية التابع لمعهد شانغهاي للدراسات الدولية، "أن أغلب الجماهير المصرية تعلق آمالها في الوقت الراهن على الرئيس القادم في استعادة النظام والنهوض بالاقتصاد ".

واستطرد الخبير لي قائلا إنه في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها مصر حاليا، يعتقد المصريون أنهم لا يمكن أن يعتمدوا على قوة سوى الجيش في استعادة الوضع الأمني وعلى الرئيس المنتخب الجديد في معالجة الوضع السياسي والاجتماعي ، ومن ثم يرحبون "بعودة الجيش".

وشاطره الرأي دونغ مان يوان، نائب مدير معهد الصين للدراسات الدولية، في هذا الترحيب وأرجعه إلى انحياز الجيش المصري لإرادة الشعب في عزل الرئيس السابق محمد مرسي، الذي دفع أداؤه خلال العام الذي قضاه في الحكم اليأس إلى قلوب المصريين الذين لم يرغبوا في أن تدلج بلادهم إلى عصر ديني متشدد.

وأضاف دونغ أنه بعد سنوات من حالة الشد والجذب بين التيارين الديني والعلماني، رجح الميزان للذين يدعمون أن تسلك مصر الطريق العلماني. وبالتالى، يتطلع أبناء الشعب المصري بعدما سئموا الاضطرابات إلى قوة تستطيع تحقيق الاستقرار. وفي ضوء الوضع السياسي الراهن، بات الجيش هو القوة الوحيدة المؤهلة للاضطلاع بهذا العمل، مشيرا إلى أن الشعب المصري يدعم السيسي بقدر ما يدعم قوة الجيش المتمثلة في السيسي.

-- دعم كبير وإقبال منخفض:

ورغم حصول السيسي على أغلبية ساحقة من الأصوات وفقا للنتائج الأولية، إلا أن اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة المصرية أعلنت في اليوم الثاني من الانتخابات أن نسبة التصويت بلغت 37 % فقط، فيما وصلت النسبة في الانتخابات الرئاسية 2012 إلى 50 % وفي الاستفتاء على الدستور الذي جرى أوائل العام الجاري إلى 38.6%. ومن ثم، فإن نسبة التصويت هذه تشكل أدنى مستوى خلال السنوات الأخيرة.

ورغم قرار لجنة الانتخابات مد التصويت في الانتخابات ليوم ثالث لإتاحة الفرصة لأكبر قدر ممكن من الناخبين للإدلاء بأصواتهم، إلا أن نسبة التصويت النهائية لم تكن مرتفعة. ويعتقد المحللون الصينيون أن انخفاض نسبة التصويت ترجع إلى ثلاثة أسباب أولها: فقدان حماسة بعض المصريين تجاه "سياسة التصويت المتكرر"، إذ أنه منذ 25 يناير 2011 نزل المصريون للإدلاء بأصواتهم في عدة استحقاقات لكنها لم تجلب لمصر الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي والأمن الاجتماعي ، وثانيها: شعور عدد كبير من الشباب بالحذر تجاه السيسي "الذي خلع الزي العسكري"قبيل الانتخابات والقلق من ظهور "مبارك ثان"، وثالثها: مقاطعة جماعة الإخوان المسلمين للانتخابات .

ومنذ عزل مرسي وإعلان الجيش المصري لخارطة طريق الفترة الانتقالية ، تأمل السلطات المصرية في أن يتحقق الانتقال السياسي عن طريق الاستفتاء على الدستور الجديد وإجراء الانتخابات الرئاسية ثم البرلمانية، وبالتالى إعادة النظام الاجتماعي واستعادة التنمية الاقتصادية. لكن بعض المحللين الصينيين ذهبوا إلى أن انخفاض نسبة التصويت يعكس انخفاض نسبة قبول الخريطة السياسية وانقسام المجتمع المصري، ما يجعل دفع عملية الانتقال السياسي وتحقيق التسامح الاجتماعي يشكلان تحديا أمام الرئيس الجديد المنتخب.

-- ملفات ساخنة

ويقول الخبير لي وي جيان إن قدرة السيسي على إخراج مصر من المأزق الحالي ستظل تحت المجهر نظرا للملفات الساخنة التي تواجهه فيما يتعلق بكيفية استعادة الوضع الأمني خلال فترة زمنية قصيرة وإعادة بناء ثقة المستثمر وإعادة النمو إلى كافة قطاعات الاقتصاد الوطني.

وشرح لي قائلا إنه رغم نجاح السلطات المصرية الحالية في تهدئة الاضطرابات ووقف العنف، إلا أن موقفها من جماعة الإخوان المسلمين قد يدفع الجماعة ومؤيديها إلى الطرف المضاد من العملية السياسية، ما يجعل المدنيين يشعرون بالقلق إزاء مسألة تأسيس إطار سياسي متسامح متعدد الأطراف، مضيفا أن تبديد المشاعر المضادة بين الجماهير وكذا حالة الانقسام الاجتماعي الناجمة عن الصراع مع جماعة الإخوان المسلمين سيستغرق وقتا طويلا وقد يؤثر على عملية التحول السياسي التي تشهدها مصر.

كما يرى الخبير دونغ مان يونغ أن السعي إلى رسم ملامح السياسة الاقتصادية الجديدة لمصر سيشكل تحديا كبيرا بالنسبة للسيسي في ضوء ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وبلوغ عجز الميزانية 12% من الناتج المحلي الإجمالي وكذا اعتماد مصر على مساعدات اقتصادية خارجية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وينظر إلى أن الارتكاز عليها في تحقيق تنمية اقتصادية شاملة أمر غير واقعي.

وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد الخبير لي أن توفير مناخ ملائم يسوده الأمن والاستقرار هو أكثر ما يهم المستثمر الأجنبي ويصب في صالح استعادة ثقته من جديد، وهو ما تحتاج مصر إلى بذل جهد لتحقيقه في الوقت الراهن.

ويجمع المحللون الصينيون على ضرورة أن تعمل الحكومة المصرية الجديدة تحت قيادة الرئيس المقبل على صياغة برامج جديدة لاستيعاب الشباب وتعزيز قدراته وعلى تبديد حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي عبر إقامة مشروعات قومية تجمع المصريين وتوحدهم تحت هدف واحد وهو النهوض بالوطن.