تعليق: التناحر والانقسام الداخلي العربي تسبب بمأساة انسانية في قطاع غزة

كثف الجيش الاسرائيلي عملياته العسكرية في غزة في الآونة الاخيرة، على اثر اختطاف ومقتل ثلاث شبان اسرائيلين. ولان القوة العسكرية الاسرائيلية وحركة حماس ليست بنفس الحجم وبالتالي فإن المواجهة العسكرية بين الجانبين مجزرة ترتكبها اسرائيل بحق الفلسطينيين. والمشاهد الدموية والكوارث الناتجة عن ذلك تثير قلق واهتمام العالم الخارجي .

تعتبر القضية الفلسطينية، رمز الكرامة العربية الوطنية، وحماس الممثل الحالي للقوات التحرر الوطني الفلسطيني. لكن مواجهة الوضع المأساوي الحالي، تقف الدول العربية تتفرج، وقليل من البلدان تهب لنجدة. ظاهريا، يعود تزايد عزلة حماس في الدولة العربية الي خطأ في تقدير حركة حماس الوضع في الشرق الاوسط في ظل الاضطرابات التي شهدتها المنطقة منذ عام 2011، ووضع جميع رهاناته السياسية على حكومة مرسي المطاحة. وباطنيا، فإن الانقسام العربي الداخلي وعدم التوحد عند مواجهة التحديات الكبيرة، هو السبب الجذري وراء استخدام القوات الاسرائيلية العشوائي للقوة واذلال حماس مرارا وتكرارا.بعد تقسيم الاستعمار الفرنسي والبريطاني العالم العربي إلي دول مجزاة، وهناك وقاعدة رئيسية واحدة للدول العربية هي: الوحدة تحقق الرخاء، الصراع الداخلي يضر بالوحدة وخسارة لكلا الجانبين. وفي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين،رفع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ممثل القومية العربية راية التضامن والوحدة، والتحدث بصوت واحد في الشؤون الدولية والاقليمية الرئيسية. وتعتبر تحرير فلسطين قضية عربية مشتركة.

   ومع ذلك، بعد غزو الكويت عام 1990، والاضطرابات التي بدأت عام 2011 في منطقة الشرق الاوسط، وتحريض المملكة العربية السعودية وقطر ودول اخرى على تغيير النظام في ليبيا وسوريا ودول اخرى ، كثف من الانقسام داخل العالم العربي ، حيث شهد العالم العربي انقساما متزايدا وخاصة الدول العربي التي تشهد الاضطرابات منذ عام 2011 ، وتحول الاخوة الى اعداء. وفي هذا الصدد، قال أحد الرائدين العرب: ان 10بالمائة فقط مما تقوم به جامعة الدول العربية حاليا لتحقيق الديمقراطية في سوريا،كان يمكن ان ينشأ دولة فلسطين منذ فترة طويلة.

إن تصاعد الحسابات الضيقة الأنانية في العالم العربي على نحو متزايد ، جعل تسارع من حدة الانقسام في العالم العربي، ويمكن الفض دولة تلو دولة بسهولة. وهناك بعض البلدان التي تريد الحفاظ على سلامتهم ومصالحهم، اخذت زمام المبادرة للاقتراب من الولايات المتحدة الامريكية وقوى غربية اخرى، وأصبحت تبعيتها تدريجيا. وفي نفس الوقت، تتعرض بعض الدول التي تسمى" دول متطرفة " العزلة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية وخطر المواجهة العسكرية المتواصل من القوى الغربية. فمنذ نهاية الحرب الباردة،قامت الولايات المتحدة الامريكية بشن خمس حروب اقليمية ، حرب الخليج، الحرب على كوسوفو وافغانستان والعراق وليبيا، منها اربع حروب في الشرق الاوسط ، وثلاث حروب ضد الدول العربية. وقد ادت هذه الحروب الى خلق فوضى في الحكم في الدول العربية ، وزيادة الاضطرابات في الشرق الاوسط. وفي ظل هذه البيئة المضطربة، يعجز العالم العربي القيام بالمواجهات العسكرية الجيدة مثل ما كانت في "حرب السويس"، لذا، لا يمكن ان يكسب احترام ودعم العالم.

اصبحت اسرائيل اكبر مستفيد من الانقسام الداخلي في العالم العربي. منذ ان انشأت اسرائيل هي محاطة بالكراهية والعداء في العالم العربي. لذا، الحلم الاسرائيلي الاستراتيجي هو تحقيق الانقسامات والاقتال الداخلي في العالم العربي، حتى لا تكون لها القدرة على تهديد امن اسرائيل. وفي العقود الاخيرة، يعرف بعض حكام العرب كيفية المبارزة الداخلية لكنهم يفتقدون خبرة المبارزة الخارجية، مما أدي الى انهيار العالم العربي، وتراجع بخطوة في مواجهة التحديات الاسرائيلية.

تشهد القضية الفلسطينية تهميش على النحو المتزايد، وتحول الصراع من " العربي الاسرائيلي" الى " الفلسطيني الاسرائيلي"، لتتحول في الاخير الى " الصراع بين حماس واسرائيل". بالاضافة الى ذلك، وبسبب ضعف الضوابط والتوازنات الاسرائيلية الخارجية، يجعل سلوكها المتهور نحو تزايد في الشؤون الاقليمية. وللاسف، فإن اداء الدول العربية لمواجهة ماساة غزة المتكررة اقل حتى من دول غير عربية مثل ايران وتركيا. ومن منظور طويل الاجل، فإن عدم تعزيز الوحدة العربية الداخلية، سوف تعاني من العمليات العسكرية الاسرائيلية و المتواصلة المذلة ومواصلة النضال مع المعاناة والاذلال.