وليد عبدالله، باحث تونسي في شؤون الصين وشرق آسيا- بكين
مع تراجع وزن أوروبا التي شكلت معالم العالم الحديث، تبرز منطقة آسيا الباسفيك شيئا فشيئا كمركز جديد للعالم يقود الحضارة الإنسانية لتحقيق التنمية الإقتصادية والإبتكارات العلمية وانتاج المعرفة، حيث تضم منطقة آسيا الباسفيك أكبر ثلاث إقتصاديات عالمية (أمريكا، الصين واليابان)، والدول الأكثر تقدما على مستوى البحث والإستثمار في إستكشاف الفضاء(أمريكا، روسيا والصين)، كما تضم ثلاثة أعضاء قارين في مجلس الأمن من أصل خمسة، تمثل العمود الفقري للنظام السياسي الدولي وموازين القوى العالمية. وتوجد في منطقة آسيا الباسفيك أهم 3 تجارب تنموية يشهدها العالم منذ أكثر من نصف قرن، تعد نماذج هامة لدول العالم الثالث، وهي: تجربة النمور الآسيوية، تجربة التنانين الآسيوية، والتجربة الصينية. برزت منطقة آسيا الباسفيك في شكل رقعة جغرافية مترابطة منذ تأسيس منظمة الآبيك (منظمة التعاون الإقتصادي لدول آسيا الباسفيك) في سنة 1989،تضم 21 عضوا من دول قارة آسيا وأمريكا واقيانوسيا مطلة على ضفتي الميحط الهادي، وتمثل أعضاء هذه المنظمة في الوقت الحالي 54% من حجم الإقتصاد العالمي و44% من عدد سكان العالم.
كان ظهور هذه المنظمة تعبيرا حقيقيا عن تجاوز العالم لمرحلة الحرب الباردة ودخوله مرحلة العولمة، وتحول العلاقة بين ضفتي المحيط الهادي من الصراع إلى التعاون، وتراجع دور الإيديولوجي في العلاقات الدولية لصالح الإقتصاد.
ومع تزايد أهمية دور شرق آسيا سيما الصين في الإقتصاد العالمي، قررت كل الولايات الأمريكية وروسيا اللتان طالما تنافستا على أوروبا، الإتجاه شرقا للتركيز على أسيا الباسفيك، حيث ترى أمريكا أن هذه المنطقة بإمكانها ان "تجعل القرن الـ21 أمريكيا"، وتسعى روسيا إلى "الإستعانة برياح الإقتصاد الصيني لدفع السفينة الروسية" (حسب تعبير بوتين)، لإعادة بناء القوة الروسية.
توجد بين أعضاء الآبيك فرصا كبيرة للتكامل الإقتصادي والتجاري، مثلا، تحتاج الصين للطاقة الروسية والتقنية الأمريكية واليابانية لتحقيق تحول النموذج الإقتصادي، وتحتاج روسيا الصين لتنشيط إقتصادها ودفع التنمية بإقليم سيبيريا، وتحتاج أمريكا واليابان السوق الاستهلاكية والإستثمارية الضخمة في الصين للخروج من أزمة الركود الإقتصادي، كما توجد بين مختلف دول المنظمة تبعية إقتصادية متبادلة على أكثر من صعيد، وهو مايمثل دافعا مهما للإندماج الإقتصادي بين دول المنطقة.
لكن في الوقت الذي يتوفر فيه الإجماع بين مختلف دول آسيا الباسفيك حول العديد من القضايا الإقتصادية المهمة، تسجل المنطقة صعوبة في تحقيق توافق حول العديد من القضايا السياسية والإستراتيجية، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أهمها خلافات السيادة بين العديد من الدول على بعض جزر بحر الصين الشرقي، والخلاف الصيني الياباني على جزيرة دياويوي والمشاكل التاريخية التي لاتزال عالقة بين البلدين، كما تصطدم رغبة أمريكا في الهيمنة على شؤون المنطقة ومواصلة نشر نموذجها السياسي بمعارضة صينية قوية، وتولد عن كل هذه العوامل إصطفاف من بعض دول المنطقة وراء أمريكا سعيا إما لإحتواء الصين أو لإحداث تغيير سياسي داخلها. من جهة، يطرح تراجع اليابان عن دستور السلام وعودتها للتسلح، مخاوف لدى الصين وروسيا والدول التي تضررت من الإستعمار الياباني من عودة النظام العسكرتاري الياباني، وهو مايتسبب في إصطفاف إقليمي من نوع آخر.
بالنظر إلى حجم المصالح الإقتصادية المشتركة والمخاوف الإستراتيجية المتبادلة بين دول آسيا المحيط الهادي، يمكننا القول أن هذه المنطقة التي تعد المركز العالمي الجديد تسير نحو المستقبل محملة بالكثير من التفاؤل والتشاؤم في نفس الوقت، ومن الصعب الجزم حاليا بالكفة التي سترجح، لكن لاشك في إن إستمرار إزدهار هذا المركز العالمي يكمن في دفع مستوى التكامل على المستوى الإقتصادي، وفي وضع حد لطموحات الهيمنة الأحادية على المنطقة، من خلال تغيير نمط العلاقات بين الدول الكبرى في المنطقة.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn