قام الرئيس التركي رجب طيب أرودغان بزيارة رسمية إلى الصين يومي الأربعاء والخميس 29 و30 يوليو الجاري، وبعد المظاهرات التي شهدتها تركيا احتجاجا على القضايا ذات صلة بشينجيانغ، ورفض أنقرة تسليم الحكومة التايلندية لموقوفين ويغور للحكومة الصينية، حظيت هذه الزيارة باهتمام أكبر، لكن المحللين يرون أن هذه العوامل لن تؤثر على زيارة أردوغان إلى الصين.
ويعود ذلك إلى الأسس الجيدة للعلاقات الصينية التركية، و"علاقات التعاون الاستراتيجي" التي تمثل القاسم المشترك الثابت بين البلدين، وفي ظل التعاون النشط بين الجانبين، تجمع الصين وتركيا آراء متشابهة ومتقاربة في عدد من القضايا الهامة. فقد حصلت الشركات الصينية على عقد إنشاء المرحلة الثانية من سكك حديد فائق السرعة أنقرا- اسطنبول بطول 158 كلم، وإلى الآن يعد هذا المشروع واحدا من المشاريع القليلة التي فازت بها الصين وبدأت تنفيدها في الخارج، في ظل مساعيها لتصدير صناعة القطارات فائقة السرعة الصينية إلى العالم.
من جهة أخرى قامت الصين ببناء أكبر مجمع لتوليد الكهرباء في تركيا، كما تستحوذ كل من "زي تي إي" و"هواوي" على أكثر من نصف حصة سوق الاتصالات التركية. وزاد عدد السائحين الصينيين إلى تركيا من 50 ألف سائح في 2008 إلى أكثر من 200 ألف العام الماضي.
كما كانت تركيا دولة وحيدة في حلف شمال الأطلسي تتفاوض علنا مع الصين لشراء منظومة الدفاع الصاروخي "هونغ تشي -9"، وتسبب ذلك في تعرضها إلى ضغوط أمريكية كبيرة، وليس من الواضح إلى الآن إن كانت تركيا ستمضي العقد أم لا، لكن هذه الخطوة عكست مستوى الثقة التركية في الصين، والتردد التركي في الموازنة بين العلاقات مع الصين والعلاقات الاستراتيجية الأخرى.
تعد الصين وتركيا ضحيتين للإرهاب على حد سواء، حيث تواجه الصين التهديدات الإرهابية الآتية من حركة تركستان الشرقية، كما يعود مصدر العمليات الإرهابية التي تتعرض لها تركيا إلى القضية الكردية، من جهة أخرى، تقع تركيا على مقربة من مركز عمليات تنظيم داعش الإرهابي. لذا تستطيع الصين وتركيا إيجاد قواسم مشتركة على مستوى قضايا مكافحة الإرهاب.
وتكمن المشكلة الحالية في الايديولوجية القومية التركية المتصاعدة داخل تركيا، حيث هناك بعض الأتراك لديهم مشاعر ود تاريخي تجاه الأعراق التركية في منطقة آسيا الوسطى، وهذه المشاعر تم توظيفها خلال الانتخابات الرئاسية التركية. كما يعيش في تركيا في الوقت الحالي عدد كبير من المهاجرين الويغور، يمتلك جزء منهم حق التصويت، ومن ثم لديهم القدرة على التأثير في مواقف بعض الأحزاب تجاه قضية شينجيانغ.
والحكومة التركية نفسها لا تمتلك القدرة الكافية للتحكم في هذه المسألة. وفي الوقت الذي نسمع فيه تصريحات غير مسؤولة من بعض الساسة والإعلاميين حول قضية شينجيانغ، نرى تأكيدا مستمرا من الحكومة التركية على الالتزام بمبدأ "صين واحدة".
وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أروغان لدى لقائه الرئيس الصيني في 29 يوليو بوضوح على معارضته لحركة تركستان الشرقية وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى التي تستهدف الصين، وعبر عن رغبته في تعزيز علاقات بلاده مع الصين. وهذا يعد الموقف الحكومي التركي الأكثر علنية ووضوحا فيما يخص حركة تركستان الشرقية، وله أهمية كبيرة في تحفيز التفاهم والثقة المتبادلة بين الصين وتركيا، كما يعد هذا الموقف أبرز نقطة في زيارة أردوغان إلى الصين.
يعي المجتمع التركي جيدا أن تركيا لا تمتلك القدرة على التدخل في الشؤون الداخلية الصينية، لكن رغم ذلك سنظل نسمع بين الحين والآخر تصريحات من الساسة الأتراك والرأي العام التركي حول قضية شينجيانغ، وهذا شيء طبيعي داخل النظام السياسي التركي. وعلى الصين أن تتعامل مع مثل هذه المواقف كما يلي، فمن جهة أولى، يجب مناقشة قضايا الخلاف كل على حده، والتمسك بالمبدأ وعدم السماح لأي من كان بالتدخل، وعدم الرضوخ للمطالب الفاقدة للمنطق الصادرة عن تركيا. ومن جهة ثانية، عدم المبادرة في رفع مستوى قضايا الخلاف هذه، لتجنب تضخيم معانيها داخل العلاقات التركية- الصينية.
تعتبر تركيا، دولة شرق أوسطية قوية، تتمتع بأسس اقتصادية جيدة، وقد طرحت استراتيجية نهوض تهدف إلى دخول قائمة أقوى 10 اقتصاديات عالمية بحلول عام 2023. كما أبدت تركيا موقفا إيجابيا تجاه مبادرة الحزام الطريق الصينية، آملة في ربط "استراتيجية 2023" بمبادرة الحزام والطريق. ما يضع أسسا متينة لتسوية الخلافات وتحقيق تعاون استراتيجي مستمر.
رحب بزيارة أردوغان إلى الصين، ونأمل منه كرجل سياسة حكم لسنوات ويتمتع بتجربة ثرية ويحسن التفاوض أن ينقل المعلومات الصحيحة والنوايا الحسنة للجانب الصيني إلى قيادات المجتمع التركي.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn