تعليق: الاصابات العرضية المتكررة في صفوف المدنيين بـ " النيران الصديقة" .. من يتحمل التعويضات الواجبة لضحايا ؟

قتل 12 شخصا من جنسيات مكسيكية ومصرية بطريق الخطأ في عملية ملاحقة لإرهابيين قامت بها قوات مشتركة من الشرطة والقوات المسلحة المصرية بمنطقة الواحات بالصحراء الغربية قبل بضعة ايام. وكان ينبغي ان يكون الحفاظ على سلامة المدنيين مسؤولية الجيش،لكن الحقيقة، أن العديد من المدنيين فى المناطق غير المستقرة اصيبت بـ نيران "القوات الصديقة". وان تكرار الحدوث مثل هذه المآسي خلال السنوات الاخيرة يجعلنا نتساءل:هل بات من الصعب تجنب الحاق الضرر بالمدنيين ؟

تعرض الجنائز وحفلات الزفاف للهجوم عن طريق الخطأ

شنت طائرات عسكرية امريكية بدون طيار غارات جوية على موكب عرس مدنيين خلال قيامها بعملية ضد تنظيم "القاعدة " في ديسمبر 2013 في اليمن تسببت في مقتل 15 شخصا وجرح ما لا يقل عن 20 شخصاً آخرين، وبينهم العروس. مما حول لحظات فرح وأمل في الحياة الى جحيم وموت، ومن حفل زفاف الى جنازة .

وفي نوفمبر 2008، تسببت عمليات عسكرية امريكية في جنوب مقاطعة قندهار في افغانستان في مقتل 37 مدنيا وإصابة 35 اخرين. واتهم الجيش الامريكي المسلحين بأنهم من افتعلوا حادثة قتل المدنيين عمدا، حيث كان المسلحون يطلقون النار على القوات الامريكية من اعلى سقف المدنيين ، ومنعوا فرار القرويين من القرية خلال الصراع.

ومع ذلك، سواء تعرض الجيش الأمريكي ل"مكيدة" العناصر المسلحة أم لا،فإن الحاق القوات الامريكية الضرر بالمدنيين في الشرق الاوسط بات حقيقة . ووفقا لبيانات الدراسات الاستقصائية خلال الفترة ما بين 2002 الى 2012، اسفرت العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الامريكية وحلفائها في اليمن على مقتل 326 من بينهم 60 مدنيا، وعلى الاكثر 1055 قتيلا من بينهم 163 مدنيا.

ووفقا لهذا الحساب، فإن معدل الاصابات العرضية للمدنيين في العمليات العسكرية في اليمن اكثر من 10%. وأن هذا مخالف تماما لما التزم به الرئيس الامريكي باراك اوباما في خطاب القاه في مايو 2013 ، بأنه سوف لن يكون هناك اصابات بصفوف المدنيين.

الطائرات بدون طيار تتسبب في مقتل العديد من المدنيين

بدأت امريكا تنفيذ مشروع طائرات بدون طيار رسميا في نوفمبر عام 2001. و شهد هذا المشروع نموا سريعا خلال اكثر من 10 سنوات،وباتت انواع الطائرات بدون طيار على نطاق واسع.ووفقا للتقارير، تشغل القوات الجوية الامريكية اكثر من 1300 مشغل لطائرات بدون طيار، يراقبون الطائرات بالفيديو من القاعدة المحلية، وان عصا تحكم الطائرة بدون طيار لتنفيذ مهام الاستطلاع والقتل لا تختلف كثيرا عن عصا تحكم اللعبة .

ومع ذلك، من بيده جهاز تحكم الطائرة بدون طيار لا يملك المشاعر ولا القدرة على تمييز الهدف بين المدنيين او الارهابيين. وقد تسببت طائرات بدون طيار في قتل مدنيين مرارا وتكرارا، ووفقا للاحصاءات، في باكستان وحدها بلغ عدد ضحايا طائرات بدون طيار ما بين 400 الى 1000 مدني. وأظهرت بيانات احد منظمات الابحاث ، ان طائرات بدون طيار امريكية تسببت في مقتل 20 مدنيا بالخطأ في الوقت الذي قتلت فيه احد الارهابيين.

في أبريل من هذا العام، اقر البيت الابيض الامريكي في بيان له بان ضربات جوية قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية بطائرات بدون طيار على معسكر لتنظيم " القاعدة" في باكستان في يناير هذا العام ادت الى مقتل رهينتين احدهما امريكي والأخر ايطالي،وتعهد البيت الابيض بدفع تعويض لعائلة الرهينة الامريكي. وأشار الرأي العام الى أن البيت الابيض لم يعتذر إلا بعد تسبب طائرة بدون طيار في مقتل امريكي.

لكن بعد بضعة اشهر ، ذكر البيت الابيض ان امريكا سوف تزيد جذريا عدد طائرات بدون طيار خلال السنوات الاربع المقبلة بهدف الاستطلاع او عمليات عسكرية.

اخطاء استخباراتية وسوء السيطرة والتحكم وراء مقتل مدنيين

إن السبب الرئيسي وراء مقتل المدنيين لا يرجع إلى سوء السيطرة والتحكم في الطائرات بدون طيار فقط ،وإنما ايضا المعلومات الاستخباراتية الخاطئة من افراد جهاز الاستخبارات العسكرية.

في يوليه عام 2015، تسببت اجراءات انقاذ خاطئة للشرطة في العاصمة النيكاراغوية ماناغوا في مقتل 3 مدنين. وفي يونيو 2012، ادت عملية بحث عن قادة طالبان قامت بها قوات حلف شمال الاطلسي في افغانستان الى مقتل احد شيوخ القبائل و17 من افراد اسرته. وفي فبراير 2012، قتل اثنين من حراس امن البحار الايطالية اثنين من صيادين من الهند بالرصاص بالخطأ ظنا منهما ان السفينة بها قراصنة، وذهب كلا الجانبين الى المحكمة الدولية لقانون البحار.

لقد ادينت بشدة العمليات الامريكية وحلف الناتو في الشرق الاوسط وما تسببته من اصابات وسط المدنيين في العراق، اليمن ، افغانستان وبلدان اخرى.وقد حذر الرئيس الافغاني السابق حامد قرضاي مرارا من قتل قوات منظمة حلف شمال الاطلسي مدنيين في افغانستان،كما نظمت منظمات حقوق الانسان مسيرات في اليمن مطالبة بوقف الضربات الجوية بطائرات بدون طيار في اليمن، قائلين ان العمليات العسكرية الامريكية فيها انتهاك للقانون الدولي،وان قتل المدنيين في عمليات محاربة الارهابيين مشتبه فى ارتكابه جرائم الحرب.

ومع ذلك، فإنه وفقا لبعثة الامم المتحدة في افغانستان، فان مسؤولية منظمة حلف شمال الاطلسي عن مقتل المدنيين في الصراع لا يتعدى 1%. وإن عدم تحمل مسؤولية مقتل المدنيين ، وعدم تغيير عقلية ان حياة المدنيين مجرد " اضرار جانبية" ، فإننا ننتظر حدوث مآسي كثيرة مشابهة.