غزة 26 أبريل 2017 / صدم سكان قطاع غزة الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلو متر مربعا أخيرا بوقوع ثلاث جرائم قتل خلال أقل من 72 ساعة منها اثنتين بدافع السرقة ما دفع بتصاعد التحذيرات من الدخول بموجة فلتان في ظل تفاقم تدهور الأوضاع الاقتصادية ونقص الخدمات الأساسية.
وأعلنت الشرطة في غزة أخيرا القبض على شاب قتل سيدة وهي أم لأربعة أطفال طعنا بالسكين داخل شقتها السكنية بعد أن حاول سرقة مصاغها الذهبي، فيما قضى بعد يومين من الحادثة مسن سقط من عمارة سكنية لدى تصديه لسارق اقتحم منزله.
ورصدت إحصائيات حقوقية فلسطينية 14 حالة وفاة منذ بداية العام الجاري في قطاع غزة المكتظ سكانيا ب 2 مليون فلسطيني بفعل حوادث فلتان أمني بينها ثلاثة حالات بدافع السرقة.
وبحسب الإحصائيات نفسها فإن قطاع غزة سجل في العام 2016 نحو 77 حالة وفاة بفعل حوادث فلتان أمني بينهم 5 جرائم بدافع السرقة.
وأثارت هذه الحوادث المتتالية المخاوف في ظل تفاقم أزمة التدهور الاقتصادي في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع فيه.
ويتضمن الحصار الإسرائيلي قيودا على عمل المعابر سواء لحركة الأفراد أو البضائع.
ودفعت سنوات الحصار المتتالية إلى تفاقم أزمات نقص الخدمات الأساسية لسكان قطاع غزة وأن تصبح نسبة البطالة في أوساطهم من بين الأعلى في العالم بحيث وصلت إلى حوالي 42.7 في المائة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وسبق أن حذرت جماعات حقوقية من وصول آلاف العائلات في غزة إلى المستويات الأشد فقرا مع اعتمادهم على المساعدات الإغاثية والمعونات مع وصول معدل دخل الفرد اليومي إلى قرابة 2 دولار.
وما زاد من حدة المخاوف في غزة هو أن تصاعد حوادث السرقة والقتل جاء بعد خصم حكومة الوفاق الفلسطينية جزء من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة بما يتجاوز 30 في المائة.
وسيطرت حوادث القتل والسرقة الأخيرة على تعليقات النشطاء في غزة على مواقع التواصل الاجتماعي وتحولت إلى حديث الشارع بفعل المخاوف من توسع نطاقها.
لكن الناطق باسم الشرطة التي تديرها حركة حماس في غزة أيمن البطنيجي يقول لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن جرائم القتل التي شهدها القطاع أخيرا "لا تعبر عن جرائم منظمة بل هي حوادث عرضية".
ويضيف البطنيجي، أن كل حادثة سرقة أو قتل لها دوافع مختلفة عن الأخرى، مشيرا إلى أن الوضع الأمني العام في قطاع غزة "تحت السيطرة ولا يوجد ما يثير القلق من موجة فلتان أمني".
كما أعلنت وزارة الداخلية التي تديرها حماس في غزة إطلاقها حملة لملاحقة ما وصفتهم "مروجي الشائعات والأخبار الكاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لحماية المجتمع والجبهة الداخلية من العابثين".
وكان الملف الأمني ظل أبرز حجج حركة حماس في الدفع بنجاح تجربتها في إدارة قطاع غزة بعد أن فرضت قبضة أمنية محكمة عليه.
ويحذر الناشط الحقوقي والسياسي من غزة مصطفى إبراهيم في تصريحات ل((شينخوا))، من أن جرائم القتل في قطاع غزة تحولت إلى "خطر يهدد نسيج المجتمع وتماسكه ومناعته".
ويقول إبراهيم، إن المجتمع في غزة بدأ "يفقد حصانته والثقة بالمسئولين عنه، إذ أن العنف والقتل والإتجار بالمخدرات وتعاطيها والسرقات يدل على أنه أصبح مجتمع عنيف هش يعاني من فقدان المناعة".
ويضيف أن ما يجري "ليس من باب الصدفة وكثير من الدراسات العالمية والمحلية تشير أن ارتفاع نسب الجريمة والسرقات وتعاطي المخدرات والإتجار هو نتيجة للظروف الاقتصادية والأوضاع السياسية وحال الانقسام الداخلي والإقصاء السياسي والاجتماعي".
ويرى إبراهيم، أن تصاعد حوادث القتل والسرقة وتعاطي المخدرات نتاج طبيعي لواقع الانقسام الداخلي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، معتبرا أن حلها يتطلب حلا وطنيا جماعيا بإنهاء الانقسام وفك العزلة التي يعانيها القطاع اقتصاديا واجتماعيا.
وكانت فشلت عدة تفاهمات جرى التوصل إليها بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحماس على مدار السنوات الماضية في وضع حد عملي للانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتشكلت حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد الله من شخصيات مستقلة مطلع يونيو عام 2014 بموجب تفاهمات لتحقيق المصالحة توصل إليها قبل ذلك بشهرين وفد من منظمة التحرير وحركة حماس في قطاع غزة لكن ذلك لم يسهم في إنهاء الانقسام الفلسطيني.
إذ تتهم الحكومة حركة حماس بعدم تمكينها من إدارة قطاع غزة والإبقاء على حكومة ظل تديرها، فيما تشتكى الحركة من "إهمال" الحكومة لمسؤولياتها في القطاع وعدم حل أزماته المتفاقمة.
ودفع استمرار وتيرة الخلافات السياسية إلى تفاقم حاد في أزمة انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة منذ أكثر من 10 أيام أثر توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيلها وفرض ضرائب على توريد وقود لغزة.
وسبق أن حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من تداعيات ارتفاع معدلات الإحباط لدى سكان قطاع غزة بسبب التحديات العظيمة التي يواجهونها من ضمنها الحصار المفروض على القطاع وما يتلو ذلك من مشاكل في الكهرباء والمياه والحركة وفي الحصول على فرصة عمل.
وفي هذا الصدد، نبه مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة فضل أبو هين، إلى أن "الخنق الاقتصادي" الحاصل على قطاع غزة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة يوفر أرضية خصبة للعنف والسلوك غير المتزن عوضا عن الانحراف الأخلاقي والاجتماعي.
ويحذر أبو هين في تصريحات ل((شينخو))، من أن الوضع المزاجي لسكان القطاع بات سيئا جدا ويغلب عليه العصبية والضيق بما يهدد بتفاقم تدهور الأوضاع النفسية والاجتماعية لهم.
ويعتبر أبو هين، أن قطاع غزة يواجه حاليا مرحلة تجويع وتضييق تنذر بنتائج خطيرة خاصة في ظل عدم قدرة أرباب العائلات على توفير أدنى متطلبات حاجيات أبنائهم وانعدام أفق المستقبل أمام الشباب والخريجين.