الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

تعليق: الاتفاق السعودي الإيراني في بكين خير مثال لنجاح مبادرة الأمن العالمي

دينغ لونغ/ أستاذ بمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شنغهاي للدراسات الأجنبية

بفضل الوساطة والرعاية الصينية، وبعد حوارات مكثفة في بكين لمدة خمسة أيام، توصلت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات والمكاتب التمثيلية وتبادل السفراء خلال مدة أقصاها شهرين، والعمل على مواصلة استكشاف سبل تعزيز العلاقات الثنائية بينهما. وبالإضافة إلى ذلك، سيعيد الطرفان إحياء الاتفاق الأمني المُوقع في عام 2001. وهذا يدل على تصميم الجانبين على استعادة العلاقات الدبلوماسية والأمنية بينهما بالكامل، ويُظهر أيضا أن ما روجت له حملة المساعي الحميدة الصينية هو اتفاق لتسوية حقيقية كاملة وليست جزئية ومؤقتة. وهذا لم يضع حدا للمواجهة بين البلدين التي استمرت لسنوات عديدة فحسب، بل وضع أيضا أساسا متينا لبدء التعاون بينهما.

إن نتائج هذا الاتفاق لا يعد خبرا عظيما لهما فحسب، بل هو أيضا خبر عظيم لإحلال الهدوء في الشرق الأوسط وحتى السلام العالمي. لقد أعرب البلدان عن امتنانهما للصين على جهودها الدبلوماسية، كما أن الرأي العام الدولي قد اعتبر بأن هذا الإنجاز يعد تاريخيا، مما يدل أيضا على أن الدبلوماسية الصينية السلمية القائمة على الإنصاف والإقناع وتعزيز السلام قد تم الاعتراف بها على نطاق واسع من قبل دول الشرق الأوسط والمجتمع الدولي أيضا. إن منطقة الشرق الأوسط تعاني من أكثر الحالات الأمنية تعقيدا في العالم، ولكن المصافحة بين البلدين تبين أنه مهما كانت المشاكل معقدة ومدى تشعّب التحديات، فإنه طالما كان هناك حوار قائم على الاحترام المتبادل ويجري على قدم المساواة، يمكن إيجاد حلول مقبولة للطرفين.

لقد تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ بداية عام 2016 على إثر قيام المملكة العربية السعودية بإعدام رجل دين سعودي ينتمي إلى المذهب الشيعي. وخلال هذه السنوات اشتدت التناقضات والتجاذبات السياسية بين الدولتين، حتى أنه وفي بعض الأحيان كاد التصعيد بينهما أن يصل إلى حافة المواجهة العسكرية المباشرة. إن قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما لم يكن من قبيل الصدفة، حيث استمرت التوترات لعقود. وبسبب المشاكل الطائفية والعرقية والجيوسياسية وتدخل القوى الكبرى، أصبحت الأزمة بين المملكة والجمهورية الإسلامية أحد العوامل الجذرية التي تؤثر على السلام والأمن في الشرق الأوسط. وقد ألقت الأزمة بين البلدين بظلالها على الوضع القائم في اليمن وسوريا ولبنان ودول أخرى، مما أجج تعقد الأوضاع الطائفية واستمرار سلسلة الصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط لفترة طويلة، وهذا ما جعل البلدين والدول الأخرى في المنطقة تدفع ثمنا باهظا. وفي ضوء كل هذه التعقيدات يمكن القول إن الشرق الأوسط لن يتمتع بالهدوء قبل مصالحة السعودية وإيران.

وراء الاختراق الكبير الذي تحقق في الاتفاق السعودي الايراني في بكين تكمن الالهامات التالية:

أولا- دبلوماسية الرؤساء تقود جهود المصالحة: في ديسمبر 2022، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية وحضر فعاليات القمم الثلاث "القمة الصينية السعودية- القمة الصينية العربية- والقمة الصينية الخليجية". وفي الشهر الماضي، قام الرئيس الإيراني بزيارة دولة إلى الصين بدعوة من نظيره الصيني. في الواقع، تستخدم الصين إجراءات ملموسة لتوفير الحكمة والحلول الصينية لتعزيز الأمن في الشرق الأوسط. منذ عام 2014، عندما اقترح الرئيس شي جين بينغ لأول مرة مفهوما أمنيا جديدا مشتركا وشاملا وتعاونيا ومستداما، واصلت الصين تعزيز الأمن في الشرق الأوسط. وبالتالي أرسلت السعودية وإيران الوفود إلى بكين لإجراء المباحثات، ما يعد خير دليل على اعتراف وثقة البلدين بموقف الصين الصادق.

ثانيا- التنفيذ الناجح لمبادرة الأمن العالمي: بفضل وساطة الجانب الصيني، تمكن الأعداء القدامى من طي صفحة الماضي والتطلع إلى المستقبل، مما يدل تماما على أن مبادرة الأمن العالمي لها نوايا سامية ويمكن أن تصبح بوصلة وخريطة طريق لتهدئة الصراعات وحل النزاعات. في السنوات القليلة الماضية، تنقل الجانب الصيني بين المملكة العربية السعودية والعديد من أطراف الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وبذل جهودا من أجل إحلال السلام هناك دون أي مسعى لتحقيق مصلحة خاصة، كما طرح إطار أمن الخليج ومبادرة تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لمرات متعددة. وحقيقة أن البلدين حققا أخيرا نتائج إيجابية وتوصلا إلى اتفاق بينهما يظهر بأن مفهوم السلام والأمن الذي طرحته الصين عملي للغاية وقابل للتنفيذ.

ثالثا- المصالحة السعودية الإيرانية تتماشى مع اتجاه العصر: خلال السنوات القليلة الماضية، غرق البلدان في دوامة من الصراعات ودفعا ثمنا باهظا، وتحت الضغوط الداخلية والخارجية، أدركا بأن التنمية هي الأولوية الأولى وأن التنمية وحدها هي التي يمكن أن تعزز السلام. في السنوات الأخيرة، شهدت دول الشرق الأوسط انفراجا في العلاقات بينها وخفت حدة الصراعات بشكل كبير. ويتماشى نجاح هذا الاتفاق مع اتجاه عصر المصالحة والاسترخاء الكبيرين في الشرق الأوسط، وكما قال وانغ يي عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومدير مكتب الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، فإن الحوار السعودي الإيراني في بكين يعد انتصارا للسلام.

وبطبيعة الحال فإن الصراع السعودي الإيراني له جذور عميقة منذ سنوات عديدة، ولا تزال هناك العديد من الخلافات بينهما، والتي لا يمكن حلها بالكامل من خلال اتفاق واحد. ومع ذلك فإن حوار هذا الاتفاق بينهما في بكين شكل بداية جيدة لهما لمواصلة تحسين العلاقات وحل النزاعات. ونحن على ثقة تامة بأن جميع البلدان في الشرق الأوسط ستعمل على تعزيز روح الاستقلال والتعاون والتضامن والعمل معا لبناء شرق أوسط أكثر سلاما واستقرارا وازدهارا. وستواصل الصين لعب دور بناء في التعامل بشكل صحيح مع القضايا الساخنة الحالية في العالم وفقا لرغبات دول العالم، وإظهار مسؤوليتها كدولة كبرى.

 

صور ساخنة