روابط ذات العلاقة
بقلم/ د. فايزة سعيد كاب، باحثة في الشؤون الصينية والعلاقات الصينية الدولية
وصل الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون إلى بكين يوم 17 يوليو الجاري في مستهل زيارة دولة للصين تستمر 5 أيام، وذلك بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ . وتعتبر هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعد توليه منصبه في 19 ديسمبر 2019. كما تصادف الزيارة الذكرى الـ 65 لإنشاء العلاقات الجزائرية ـ الصينية، والذكرى الـ 60 لإرسال أول بعثة طبية صينية إلى الجزائر، والذكرى الـ 52 لاستعادة الصين مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، والذكرى التاسعة لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
ويمكن تلخيص العلاقات الجزائرية ـ الصينية بأنها صداقة راسخة تتجاوز المكان والزمان، وأيا كان الوضع الدولي، هناك دائما تفاهم ودعم متبادل بين البلدين، وأنها من أقوى وأرقى العلاقات على الإطلاق. كما يربط البلدان تاريخ مجيد نتيجة عوامل أساسية ميزت علاقتهما والتي من أهمها مساندة قضايا بعضهما البعض وتكاتفهما في العديد من المواقف السياسية. وتشهد العلاقات بين البلدين في العهد الجديد تحت الارشاد الاستراتيجي من قبل الرئيسي الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس الصيني شي جين بينغ تطوراً مستمراً، حيث تعززت الثقة المتبادلة بين البلدين على جميع الاصعدة مع البقاء على التواصل والتنسيق المكثفين في الشؤون الدولية والاقليمية، والعمل بثبات على صيانة الانصاف والعدالة الدوليين والمصالح المشتركة للدول النامية، ويتمسكان بنفس الآراء أو وجهات نظر متشابهة حول العديد من القضايا الدولية والإقليمية الرئيسية، على رأسها القضية الفلسطينية، حيث يتطلع الجانبان الى تقديم مساهمات أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والذي يصعب تحقيقه دون الحل العادل للقضية الفلسطينية، كما يلتزم الطرفان بحزم بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويدعمان ويمارسان التعددية، ويعارضان الأحادية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كما تؤكد الحكومة الجزائرية دائما تمسكها بسياسة صين واحدة وتعارض أي شكل من أشكال "استقلال تايوان". ومن جانبها، تؤكد الحكومة الصينية دعمها لسيادة الجزائر ووحدة أراضيها.
تاريخ مجيد
20 ديسمبر 1958، توقيع بيان مشترك بين جمهورية الصين الشعبية والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية
مرت العلاقات الجزائرية ـ الصينية بمحطات تطور مهمة شكلت طريقاً سلساً لسير البلدين يدا بيد نحو تشكيل صداقة قوية راسخة كانت نقطة انطلاقها في 20 سبتمبر 1958، حيث بدأت العلاقات الرسمية بين جبهة التحرير الوطنية الجزائرية والصين الشعبية، بعد اعتراف الأخيرة بالحكومة الجزائرية المؤقتة. وقد أولى ماو تسي تونغ اهتماماً كبيرا لنضال الشعب الجزائري وقدم له دعماً وتشجيعا كبيرين، حيث قدمت الصين الدعم السياسي والمادي والعسكري للجزائر. وتعد الثورة الجزائرية واحدة من أبرز ثورات النصف الثاني في القرن العشرين، حققت بعد 5 أشهر من اندلاعها أولى انتصارات دبلوماسية وهو الدعم الذي نالته القضية في أول تجمع لمنظمة الدول الآفرو- آسيوية في مؤتمر باندونغ في 24 افريل 1955 ، حيث يعتبر الاخير نقطة تحول كبيرة بالنسبة للثورة الجزائرية وهو الباب الذي خرجت عبره القضية الجزائرية للعالم، والنواة الأولى لنشأة حركة عدم الانحياز، وبداية لحقبة تاريخية جديدة في العلاقات الدولية وتحرير شعوب آسيا وأفريقيا من الاستعمار الغربي، كما شكل المؤتمر انطلاقة واتصال مباشر بين الصين والعرب، وبداية الاتصال المباشر بين الصين ممثلة بالوزير الأول تشون آن لاي وممثلي جبهة التحرير الوطني المشارك في المؤتمر، ما يجعل من الخطأ القول أن الصين انفتحت على العالم في السبعينيات عقب دخولها منظمة الأمم المتحدة واسترجاع مقعدها في مجلس الأمن.
17 مايو 1960، لقاء جمع بين ماو تسي تونغ وكريم بلقاسم نائب الرئيس ووزير الشؤون الخارجية الجزائري
بدأت سياسة الصين الخارجية تجاه الدول الآسيوية والافريقية تتغيرمنذ عام 1958من جبهة موحدة دولية من أجل تحقيق السلام الى جبهة موحدة ضد الامبريالية، حيث شهدت الاستراتيجية الدبلوماسية الصينية تحسنا كبيراً، من بينها العلاقات الثنائية بين الجزائر والصين، حيث كانت الصين أول دولة خارج الوطن العربي تعترف بأول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية بالقاهرة بقيادة فرحات عباس ثلاث أيام فقط بعد تكوين هذه الأخيرة في 19 سبتمبر 1958. لتصبح الجزائر نقطة انطلاق لسياسة الجبهة الموحدة لمناهضة الامبرالية . وقال ماوتسي تونغ خلال اجتماعه مع وفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية: "الصين شاكرة وممتنة لكم، حيث تساعدنا قوتكم على التقدم ولو خطوة واحدة الى الامام ضد الامبرياليات الثلاث." وقال فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية : " أطلبوا العلم ولو في الصين"، مضيفا :" نلتمس المساعدة ولو من الصين البعيدة أيضا".
تشو آن لاي يجتمع مع عبد الرحمن كيوان أول سفير جزائري لدى الصين
بعد الإعلان عن استقلال الجزائر 1962 ، كانت الصين من أولى الدول غير العربية التي اعترفت بالجمهورية الجزائرية، وتم تعزيز الصداقة الثنائية والتعاون بين البلدين بشكل مطرد في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. ومن جانبها، قدمت الجزائر مساهمة كبيرة وهامة في استعادة الصين لمقعدها القانوني في الأمم المتحدة في عام 1971، وهو الموقف الذي أشادت به بكين في أكثر من مناسبة.
عهد جديد
لقاء الرئيس الجزائري ونظيره الصيني في بكين يوم 18 يوليو 2023
أعطى التوقيع على إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة في مايو 2014 دفعاً قوياً للعلاقات بين البلدين، ودفع التوقيع على الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" والخطة الثلاثية للتعاون في المجالات المهمة 2022-2024 بتعزيز التقارب الجزائري ـ الصيني. وتعد الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة " الحزام والطريق" لبنة أخرى من أجل تعميق وتثمين أكبر للتعاون في إطار المبادرة التي انضمت إليها الجزائر سنة 2018، أما "الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات المهمة 2022-2024"، فهي آلية عملية أخرى من الآليات الثنائية للدفع قدماً بالتعاون في المجالات الاقتصادية الرئيسة التي تحظى بالأولوية في السياسة التنموية للطرفين.
أكدت الصين دعمها وترحيبها لانضمام الجزائر للمجموعة الاقتصادية "بريكس"، وأشار وانغ يي كبير السياسيين الصينيين إلى أن الجزائر دولة نامية كبيرة، وتعد ممثلا عن الاقتصادات الناشئة، وأن الصين تقدِّر انضمام الجزائر لمجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية بصفتها من أوليات الدول الأعضاء وتطبق المبادرة بفاعلية، كما تعتزم العمل مع الجزائر من أجل لعب دور بناء في تحقيق السلام والتنمية العالميين. وخلال مشاركته في قمة "البريكس" الرابعة عشرة الافتراضية عام 2022، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إنّ "ما عايشه العالم من تجارب سابقة، يثبت أنّ انعدام التوازن على الساحة الدولية واستمرار تهميش الدول النامية ضمن مختلف مؤسسات الحوكمة العالمية، يشكّل مصدراً مؤكداً لعدم الاستقرار وغياب التكافؤ في التنمية". ولفت، إلى أنّ "تخلف النمو الاقتصادي في العديد من الدول النامية ليس مسألة داخلية فحسب، وإنما يستمد جذوره من اختلال فاضح في بنية العلاقات الاقتصادية الدولية والهيمنة القائمة لفائدة مجموعة من الدول".
تقع الجزائر في الجهة الشمالية الغربية للقارة الافريقية، وتعتبر أكبر دولة عربيّة وإفريقيّة من حيث المساحة، ويمتاز الموقع الذي تحتلّه بأهمية كبيرة، حيث أنها أهمّ بوّابات قارة إفريقيا، كما تحظى موانئها بأهمية كبيرة لقُرْبها من خطوط الملاحة البحرية الموجودة في البحر المتوسط، و الموانئ الأوروبيةأيضًا. ومع انضمام الجزائر رسميا إلى مبادرة "الحزام والطريق" في 2019، دخلت الشراكة الجزائرية ـ الصينية مرحلة جديدة بالاتفاق على إنجاز مشروع مشترك لبناء أكبر ميناء إفريقي وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، ميناء الحمدانية التجاري، الذي سيرتبط بالطريق العابر للصحراء، من شأنه فك العزلة عن البلدان الإفريقية غير الساحلية. كما تعتبر مصدر مهم للغاز والنفط للصين.
وتعرف العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والصين منحى تصاعديا خلال السنوات الاخيرة، وتشهد التبادلات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تقدمًا كبيرًا بشكل مستمر، فقد أنجزت شركات صينية مشاريع جزائرية مهمة مثل: السكنات والطريق السريع شرق غرب، وجامع الجزائر وغيرها. وإن الانوع الجغرافي والموقع الاستراتجي المهم الذي تتميز به الجزائر يجعل منها مركز جذب رأس المال الأجنبي لاقتصاد موجه للتصدير. وتشهد الجزائر في العهد الجديد، وتحت قيادة عبد المجيد تبون، مرحلة تحول اقتصادي خلقت فرصا وتحديات جديدة للتعاون الصيني الجزائري المستقبلي. وتعمل الجزائر بنشاط على تشجيع الشركات والمستثمرين الصينيين على زيادة الاستثمار والمشاركة في إعادة بناء الاقتصاد المحلي، والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتعاون الثنائي متبادل المنفعة، من أجل تعزيز الإنتاج الصناعي وقدرات التنمية الذاتية، حيث يتوافق هذا الهدف مع الاستراتجية الصينية في العصر الجديد تحت قيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهدف مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي فتحت شبكة تجارية تربط جنوب آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، بالإضافة إلى أوروبا. وقد بدأ الشريك الصيني في مارس الماضي استثمارا في الجزائر بقيمة 7 مليارات دولار في قطاع الفوسفات لإنتاج 5.4 ملايين طن من المخصبات الزراعية، كما ظفرت 3 شركات صينية بمشروع منجم غار جبيلات لاستخراج خام الحديد بقيمة ملياري دولار في مرحلة أولى. ووفقا لبيانات معهد أبحاث الصناعية خواجينغ، في يناير 2023، بلغ حجم الواردات والصادرات الثنائية للسلع بين الصين والجزائر 940.0801 مليون دولار أمريكي، بزيادة قدرها 362.0702 مليون دولار أمريكي. مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، بزيادة سنوية قدرها 62.8٪.
وتأتي الزيارة التي يقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى الصين حالياً في اطار بحث سبل الدفع بالعلاقات بين البلدين، في ظل ما يشهده العالم من تغيرات متسارعة. حيث يسعى الجانبان إلى تعزيز أكبر للمصالح المُشتركة وتقوية الدعم المُتبادل لتجاوز الصعوبات الناجمة عن مُختلف الأزمات والتحديات المُتتالية التي يتعرض لها العالم. ووفقاً للبيان الجزائري الصيني المشترك الصادر عقب المحادثات التي اجراها زعيما البلدين يوم 18 يوليو الجاري، أجمع الجانبان على ضرورة العمل على إيجاد حلول سياسية وسلمية للقضايا الساخنة وللأزمات الأخرى بالمنطقة العربية، وذلك عبر الحوار والتشاور على أساس احترام سيادة دول المنطقة، واستقلالها وسلامة أراضيها، والتأكيد على رفض التدخلات الأجنبية، وضرورة العمل المشترك على مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تنشط على أراضيها، ودعم الجهود التي يبذلها لبنان والصومال والسودان لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار ومكافحة الإرهاب، ودعم جهود الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في هذا الشأن، وتأكيد الجانب الصيني على دعمه للدول العربية لحل القضايا الأمنية في المنطقة عن طريق التضامن والتعاون. وفي هذا السياق، ثمّن الجانب الجزائري جهود الوساطة الحميدة التي أشرفت عليها الصين بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية والتي تكللت بالتوصل إلى الاتفاق في بكين. كما أكد الجانبان على أهمية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إفريقيا والصين ودعم جهود دول القارة الرامية لتحقيق أهدافها التنموية المشتركة وفقا لأجندة 2063 وإنهاء الأزمات التي تهدد السلم والأمن والاستقرار في القارة الإفريقية بالاحتكام للمبادئ الأساسية المتضمنة في الميثاق التأسيسي للاتحاد الافريقي والسعي لبلورة حلول إفريقية للمشاكل الافريقية. وفي هذا السياق، أشاد الجانب الصيني بالدور المهم للجزائر في دعم الاستقرار والتنمية وإرساء الأمن والسلم في إفريقيا، وذلك من خلال مساعيها الحثيثة للتسوية السلمية للأزمات خاصة في كل من ليبيا ومالي ومنطقة الساحل والصحراء. وأشاد الجانب الجزائري بمبادرة الحضارة العالمية التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، مؤكدا على أهمية التسامح والتعايش والتبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة. كما نوّه الجانب الصيني بالجهود المعتبرة التي تبذلها الجزائر من أجل ضمان حق الدول النامية في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.