نظمت المملكة العربية السعودية قبل أيام، مؤتمرًا دوليًا حول أوكرانيا في مدينة جدة، حضره ممثلون عن أكثر من 40 دولة. وقد أثارت مشاركة الصين في الاجتماع مناقشات ساخنة وتفسيرات متباينة داخل الرأي العام الدولي.
حول هذا الموضوع، كتب تيان ون لين، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين الصينية، مقالا نشر في صحيفة "غلوبال تايمز"، أشار فيه إلى أن مؤتمر جدّة لم ينشر بيانا مشتركا، لكنه أكد على أهمية الحل السلمي والتشاور الدولّي في حل القضية الأوكرانية. ويظن أن هذه النتيجة متوقعة، في ظل ضراوة الصراع على جبهة القتال، وتباين شروط السلام من الجانبين، الشيء الذي يصعّب التوصل إلى حل للأزمة من خلال مؤتمرات السلام الدولية.
وقال تيان ون لين إن البيان الرسمي الأمريكي ووسائل الإعلام الغربية قد أولتا اهتمامًا خاصا بمشاركة الصين في الاجتماع، معتبرة ذلك "علامة على أن روسيا باتت تعاني عزلة دولية". ويبد من الواضح التحليلات الغربية تهدف إلى تضليل الرأي العام ومحاولة التأثير على العلاقات الصينية الروسية. لكن الصين بصفتها دولة نامية محبة للسلام، دعمت منذ البداية الجهود الدبلوماسية لتهدئة الوضع، وقدمت مقترحا من 12 نقطة لحل الأزمة الأوكرانية سلمياً. في ذات الوقت، عبّرت عن انفتاحها على أي حل سلمي حقيقي تقترحه أي دولة، وعن ترحيبها بالمؤتمرات الدولية التي من شأنها التأكيد على الحل السلمي للأزمة الأوكرانية. وعلى ضوء ذلك، كانت مشاركة الصين النشطة في قمة جدة تجسيدا لهذه القناعة، وتعبيرا عن موقفها الدبلوماسي المحايد من القضية الروسية الأوكرانية. ولا تحتمل التأويل الذي ادعته وسائل الإعلام حول "تغيير المواقف".
ولا يخفى على أحد، بأن ما تروج له وسائل الإعلام الغربية حول "تغير الموقف" الصيني من الحرب الأوكرانية، ليس إلا استمرارا للحرب الدبلوماسية والإعلامية التي يشنها الغرب. فمنذ اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، عملت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على التأثير على الرأي العام في الدول النامية ومحاولة عزل روسيا دوليا. وفي الحقيقة، سواء بالنسبة لمؤتمر كوبنهاغن الذي عقد في يونيو، أو مؤتمر جدة الأخير، فإن دافع الدول الغربية للتنظيم والمشاركة في المؤتمر الدولية المتعلقة بأوكرانيا، كان دائما بعيدا عن الأمل الصادق في وقف إطلاق النار، بل استعمال شعار "السلام" من أجل كسب الدول النامية وعزل روسيا.
وهذا ما حاولت الولايات المتحدة فعله قبل مؤتمر جدة. حيث أرسلت عدة مسؤولين كبار المملكة العربية السعودية، لتشجيع الأخيرة على حثق المزيد من الدول النامية على دعم السياسات الأمريكية من روسيا. أما حضور الصين في مؤتمر جدّة، بعد التغيب عن مؤتمر كوبنهاغن فقد مثل فرصة للتأكيد على تضامن الدول النامية، ومنع المؤتمر من التحول إلى مناسبة دبلوماسية للقوى الغربية لكسب المؤيدين.
لكن من جهة أخرى، أظهر مؤتمر جدّة الأهمية التي باتت تتمتع بها الدول النامي والجنوب. فعلى الصعيد الاقتصادي، تعزز دول الجنوب مكانتها العالمية عاما بعد عام. كما يتزايد دور الصين وبقية الدول الناشئة باستمرار في موازين القوى الاقتصادية. وعلى الصعيد السياسي، باتت المحرّكات الاستراتيجية للدول النامية ودول الجنوب أكثر وضوحا وإثارة للاهتمام.
ويمكن القول إن صحوة دول الجنوب تمثل مقدّمة لكسر النظام السياسي والاقتصادي العالمي القديم الذي يهيمن عليه الغرب. فقد عانت هذه الدول في الماضي من العدوان الاستعماري الغربي، وعاشت تحت التهديد والهيمنة الغربية والأمريكية وقتا طويلا. لذلك فهي ترغب الآن بشدة في إقامة بيئة دولية عادلة ومستقلة وسلمية ومستقرّة. ومع مرور الوقت، ستتحول مطالب هذه الدول من أجل السلام والاستقرار تدريجياً إلى سيل كبير، يحمل معه الحلول للقضايا الساخنة، بما في ذلك الصراع الروسي الأوكراني.