الصفحة الرئيسية >> العالم

تعليق: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني خلق انقسامات عميقة في العالم الغربي

منذ اندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، شهد الغرب اختلافات وتناقضات كبيرة داخلية حول قضايا مثل الموقف الذي يجب اتخاذه وكيفية الرد عليه. ففي أوروبا، خرجت مظاهرات مؤيدة لإسرائيل وفلسطين في العديد من الدول. وعلى المستوى الحكومي، لدى بين أعضاء المفوضية الأوروبية، ورئيس المفوضية الأوروبية فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، وحتى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مواقف سياسية متضاربة ولا تقبل آراء بعضها البعض. وقد كتب حوالي 800 موظف في المفوضية الأوروبية بشكل مشترك إلى فون دير لاين للتعبير عن استيائهم من الانحياز لإسرائيل، الأمر الذي أعطى الانطباع بأن الاتحاد الأوروبي في حالة من الفوضى بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما يحدث وضع مماثل في الولايات المتحدة أيضاً، حيث تحدث المظاهرات ذات المواقف المختلفة الواحدة تلو الأخرى.

يفيد أحد التقارير، أنه بسبب عدم الرضا عن سياسة إدارة بايدن تجاه إسرائيل، "استقال بعض الأشخاص، بل إن التمرد يختمر على جميع المستويات" داخل وزارة الخارجية الأمريكية. وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها خلافات أو حتى فوضى داخل الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، حول أحداث كبرى. ففي العقود القليلة الماضية، وخاصة في العشرين عامًا الماضية، أدت الأحداث الجيوسياسية الكبرى مثل حرب العراق عام 2003، والحرب الليبية عام 2011، واندلاع وتصاعد الأزمة الأوكرانية في عام 2014، إلى إثارة الخلافات والصراعات بشكل متكرر بين الولايات المتحدة وأوروبا وداخل بعضهما البعض، وإن الجولة الأخيرة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي مجرد مثال حديث.

لماذا يحدث هذا؟

أولاً، الانتشار السريع للتأثيرات السلبية لفكر الهيمنة الأميركية

تمتلك الولايات المتحدة أكبر إنفاق عسكري وأقوى جيش في العالم، كما أنها الدولة الأكثر ميلًا لاستخدام القوة خارجيًا. وكان من الممكن استخدام مثل هذا المبلغ الضخم من الإنفاق العسكري من أجل رفاهية الناس، مثل تغيير الوضع المحرج المتمثل في أن متوسط ​​العمر المتوقع في الولايات المتحدة هو في أدنى مرتبة من الدول المتقدمة، بل وحتى أسوأ من متوسط ​​العمر المتوقع في الدول ذات الدخل المنخفض. كما من الممكن أيضاً أن تستخدم في التعامل مع تغير المناخ ومشاكل التنمية العالمية، لكن حكومة الولايات المتحدة اختارت الإيمان بالخرافات بشأن القوة، والهوس بحماية الهيمنة، والانجراف بعنف على الطريق الخطأ. وأثارت السياسات العسكرية التي تنتهجها الولايات المتحدة ردود فعل عنيفة متزايدة في الداخل. وبعد اندلاع الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، دعمت إدارة بايدن إسرائيل بشكل كامل وأرسلت مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات إلى الشرق الأوسط لإظهار دعمها، وهذا يتعارض مع موقف العديد من الأميركيين ومعارضتهم الشديدة للتدخل العسكري في بلادهم. وبالنسبة لأوروبا، فإن بعض الدول والسياسيين يقدمون خدماتهم بشكل أعمى للولايات المتحدة بغض النظر عن الصواب أو الخطأ، حتى أنهم يطلق عليهم "المتحدثين باسم أمريكا" داخل الاتحاد الأوروبي. وهذا لا يعيق الاتحاد الأوروبي عن تشكيل موقف مشترك بشأن قضايا محددة مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فحسب، بل إنه يقوض أيضاً البناء الاستراتيجي المستقل للاتحاد الأوروبي ويؤدي إلى تفاقم الخلافات والانقسامات الشاملة داخل الاتحاد الأوروبي.

ثانياً، نظام القيم الغربي في حالة من الفوضى

منذ فترة طويلة، قامت الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، بنشر وتعزيز أنظمة القيم الخاصة بها في جميع أنحاء العالم، مثل "استعادة النظام الديمقراطي"، و"الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد"، و"تقرير المصير الوطني"، وما إلى ذلك، واستخدم ذلك سبباً للقيام بسلسلة من التدخلات الخارجية، لكن النتيجة كانت كوارث إنسانية أكبر ومزيداً من الصراعات والحروب. وقد أثار هذا المزيد من الأفكار في المجتمعات الأمريكية والأوروبية، وزاد من حدة العداء بين الأشخاص ذوي المواقف المختلفة، ويثير الاشمئزاز واليقظة تجاه "المعايير المزدوجة" التي تتبعها الدول الغربية في العالم غير الغربي. وبالنظر إلى قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تقف معظم الدول الأمريكية والأوروبية رسميا إلى جانب إسرائيل، ومع ذلك، فإن عدداً كبيراً من الناس داخل المجتمع يعتقدون أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو نتيجة لتواطؤ الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، على المدى الطويل مع إسرائيل، والتقاعس عن العمل والفوضى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية، كما يرى أن اندلاع الصراع المأساوي هو نتيجة للاحتلال طويل الأمد للأراضي الفلسطينية. وبمقارنة أقوال وأفعال الساسة الغربيين أثناء الأزمة الأوكرانية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فمن الطبيعي أن يشعر الناس في الدول الغربية بارتباك في القيم، ولهذا السبب، تشعر العديد من المجموعات بالحاجة إلى إسماع أصواتها والتعبير عن مواقفها.

ثالثاً، الفرق في المصالح في تزايد مستمر

باعتبارها "زعيمة التحالف" الغربي، ستطلب الولايات المتحدة حتماً من حلفائها، بما في ذلك الدول الأوروبية، خدمة مصالحها العالمية. ومع ذلك، بمجرد أن تصبح مطالب الولايات المتحدة غير معقولة وتقوض المصالح الأوروبية الرئيسية، فإنها ستؤدي حتما إلى إثارة الاستياء وردود الفعل العكسية. ومع انحدار القوة النسبية للولايات المتحدة، فإن أسلوب جني الثمار يصبح سريعاً وسهلاً على نحو متزايد، وتتضاءل المكاسب التي حققتها أوروبا من هذه العلاقة غير المتكافئة عبر الأطلسي، ولكن تكاليفها، بل وحتى تضحياتها، في تزايد. ولدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تاريخ وجغرافيات وأوقاف وهياكل عرقية مختلفة، والخلافات والتناقضات أمر طبيعي، وغالباً ما تصبح أكثر وضوحاً كلما ظهرت مشاكل كبيرة. ولهذا السبب أيضاً شهدت العديد من البلدان، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، مظاهرات داخلية، بل وحتى أزمات، ويستمر عدد الجماعات الإسلامية في العديد من البلدان الأوروبية في التزايد، الأمر الذي يجعل مواقفها من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر "تشابكاً".

ويحاول العديد من الرأي العام الغربي التقليل من أهمية هذا الانقسام والاضطرابات داخل الغرب باعتباره "اختلافات طبيعية في الرأي"، ولكن ما يكشفه هذا في الواقع هو نوع من الارتباك الاستراتيجي. ولقد خلفت حروب التدخل الخارجي التي خاضتها الولايات المتحدة في العقود الأخيرة دروسا وراءها، فهي لم تهدر القوة الوطنية وتجلب المعاناة للدولة المستهدفة فحسب، بل تسببت أيضا في إحداث صدمة هائلة للمجتمع الأميركي نفسه، بما في ذلك انتحار نحو 30 ألف جندي أميركي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد اعترف الرئيس بايدن نفسه بأن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء بعد 9.11، لكن من المؤسف أن الولايات المتحدة لم تغير استراتيجيتها، بل لا تزال تنشر قواتها في جميع أنحاء العالم لإثارة المواجهة، بما في ذلك في أوروبا، وآسيا والمحيط الهادئ، والشرق الأوسط. والأخطاء تتكرر مراراً وتكراراً، و"النسيان" يتكرر مراراً وتكراراً، وفي الوقت نفسه، تتسع الندوب الاجتماعية وتتعمق الشقوق، مما يضعف تماسك المجتمع الأميركي واتساقه.

ومقارنة بالولايات المتحدة، فإن أوروبا ضائعة على المستوى الاستراتيجي بشكل أكبر. ولا تزال الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولا تزال تتمتع بالهيمنة المالية والعسكرية، وتعتقد أنه لا يزال بإمكانها تبديدها لبعض الوقت. ولكن مع تراجع القوة الأوروبية تثير قلق الأوروبيين أنفسهم، فضلاً عن بعض أوجه القصور المتأصلة مثل الانقسام الداخلي، وإن الاستمرار في الفوضى لن يؤدي إلا إلى زيادة صعوبة التحكم في مصيرهم، بل وربما يصبح ساحة معركة جيوسياسية. كما أصبحت النزاعات بين الولايات المتحدة وأوروبا وداخل بعضها البعض أكثر تواترا وحدّة، الأمر الذي من المرجح أن ينذر بمزيد من الخلافات والصراعات في المستقبل.

صور ساخنة