أعلنت أنغولا، ثاني أكبر منتج للنفط في أفريقيا في 21 ديسمبر الجاري انسحابها من منظمة أوبك، ورداً على ذلك، شهدت أسعار النفط العالمية انخفاضا سريعا. وتعد أنغولا ثالث دولة تنسحب من أوبك بعد قطر في 2019 والإكوادور في 2020. وكتب نيو شين تشون، الأستاذ في كلية الدراسات العربية بجامعة نينغشيا، في مقال تحليلي نشر في صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية، أن أنغولا دولة صغيرة منتجة للنفط وأن انسحابها من أوبك سيكون له تأثير فعلي محدود للغاية على سوق النفط الدولية. لكن، تعكس هذه الحادثة دخول أسعار النفط العالمية مرحلة جديدة في اللعبة السياسية الكبرى.
وقد شهدت المملكة العربية السعودية وروسيا، أكبر دولتين منتجتين للنفط في العالم تنافسا على زيادة الإنتاج في أبريل 2020، في محاولة لإخراج النفط الصخري الأمريكي من السوق، مما تسبب في وصول أسعار العقود الآجلة للنفط الخام إلى مستوى قياسي بلغ سالب 37.63 دولارًا. ونتيجة لذلك، تكبدت الدول الثلاث الكبرى المنتجة للنفط خسائر: تلقى إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ضربة قاسية، حيث قررت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا خفض الإنتاج بشكل كبير. وتعد هذه لعبة سياسية كبيرة بين الدول المنتجة للنفط. ولم يختف التناقض الأساسي في سوق النفط العالمية خلال تلك السنة، وفي سياق الفائض الشديد الحالي في إنتاج النفط العالمي، من المرجح أن تعود الأزمة بقوة.
وفي 5 أكتوبر 2022، أعلنت "أوبك+" بقيادة السعودية، أنها ستخفض متوسط هدفها اليومي لإنتاج النفط الخام بمقدار 2 مليون برميل اعتبارا من نوفمبر. وشنّت الولايات المتحدة هجوماً مضاداً في نفس اليوم، وأعلنت عن تحرير مليون برميل من احتياطي النفط الاستراتيجي يومياً، ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً عن هذه اللعبة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تحت عنوان "حرب النفط الجديدة". وإنها لعبة سياسية كبرى بين أكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر مستهلك للنفط في العالم. وتقليديا، تتحكم "أوبك" أو "أوبك+"، التي تمثل الدول المنتجة للنفط، في أسعار النفط من خلال تنظيم إمدادات النفط. وحالياً، ومع تقدم تحول الطاقة، تحول النفط من سوق البائع إلى سوق المشتري، وتحسنت مكانة الدول المستهلكة للنفط بشكل كبير. كما أن الولايات المتحدة، باعتبارها من أكبر منتجي للنفط والغاز الطبيعي وأكبر مستهلك لهما في العالم، لم تعد تكتفي بالحصول على "إمدادات نفطية مستقرة"، بل تطالب أيضًا "بأسعار نفط مريحة". وهذا بمثابة إعادة كتابة لقواعد لعبة القوة في النفط.
كما أظهرت استراتيجية "أوبك+" لخفض الإنتاج لرفع أسعار النفط علامات الفشل بشكل متزايد في الآونة الأخيرة. حيث أن أسعار النفط العالمية لم ترتفع بل انخفضت بعد إعلان "أوبك+" خفض الإنتاج اليومي بمقدار 2.2 مليون برميل في 30 نوفمبر. وفي الواقع، كانت استراتيجية خفض الإنتاج "أوبك+" تعاني دائمًا من نقطة ضعف كبيرة: يمكن أن يؤدي خفض الإنتاج إلى رفع أسعار النفط، لكن أسعار النفط المرتفعة ستسمح للدول المنتجة للنفط غير الأعضاء في "أوبك+" بزيادة الإنتاج واحتلال حصة سوقية من "الدول الأعضاء في "أوبك+". وفي نهاية المطاف، عندما يتجاوز الإنتاج المتزايد للدول المنتجة للنفط من خارج "أوبك+" التخفيض في إنتاج "أوبك+"، فإن تخفيضات الإنتاج لن تؤدي إلا إلى خفض أسعار النفط. وفي الأسبوع الماضي، عندما واصلت "أوبك+" خفض الإنتاج، بلغ إنتاج النفط الأمريكي 13.3 مليون برميل يوميا، متجاوزا رقمه القياسي التاريخي البالغ 13.2 مليون برميل. ومن الواضح أن الولايات المتحدة لم تتمتع بأسعار النفط المرتفعة فحسب، بل زادت من حصتها في السوق أيضا. وهذه لعبة سياسية كبيرة بين أعضاء "أوبك+" والدول غير الأعضاء في "أوبك+" المنتجة للنفط.
يبدو أن التغيير داخل أوبك أمر لا مفر منه. وترغب المملكة العربية السعودية دائمًا الحفاظ على أسعار النفط عند حوالي 100 دولار أمريكي، لذا فهي تدعو إلى تخفيضات كبيرة في الإنتاج وتفضل التضحية بحصتها في السوق للحفاظ على أسعار النفط. لكن، لدى بعض الدول الصغيرة داخل أوبك موارد مالية محدودة وغير مستعدة للمخاطرة بخسارة حصتها في السوق، وهي على استعداد لقبول أسعار النفط بحوالي 70 دولارًا أمريكيًا. ويعد انسحاب أنغولا من أوبك بمثابة لعبة سياسية كبيرة داخل المنظمة.
لقد بدأت اللعبة الداخلية لأوبك للتو، والنتيجة الأسوأ هي العودة إلى فترة أسعار النفط السلبية في أبريل 2020، وإن "أوبك +" موجودة بالاسم فقط، فقد قامت المملكة العربية السعودية وروسيا ودول أخرى منتجة للنفط بزيادة إنتاجها بشكل كبير، مما دفع أسعار النفط إلى مستويات منخفضة جديدة. والنتيجة الأفضل هي أن "أوبك+" لا تزال تتمتع بحيوية قوية وتستطيع إيجاد آلية تعاون تكافلية بين آلية الدول الأعضاء في "أوبك+" للتحكم في أسعار النفط، وآلية تحكم السوق الأميركية في أسعار النفط لتجنب مأساة 2020، كما يمكن تشكيل توازن بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة لتجنب حرب أسعار النفط بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في عام 2022.
وأيًّا كانت الظُّروف، فإن الفترة المقبلة قد تشهد نهاية عصر محاولة السعودية السيطرة على أسعار النفط من خلال تخفيضات الإنتاج المستمرة، وتدخل أسعار النفط العالمية مرحلة جديدة من لعبة سياسية كبيرة. وفي هذه المرحلة الجديدة، وتحت ضغط التحول العالمي في مجال الطاقة، فإن اللعبة بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، بين "أوبك+" والدول غير الأعضاء في "أوبك+"، وبين الدول الكبيرة والدول الصغيرة داخل أوبك، ستصبح أكثر تعقيدا.