يعيش الاقتصاد الصيني على وقع تناقضات هيكلية لم يخلو منها الاقتصاد العالمي في السابق، أثناء مرحلة نموه. على سبيل المثال، باتت قضايا السكان الآن قضيّة عالمية، فمعدل الخصوبة الإجمالي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان أقل من مستوى استبدال الجيل البالغ 2.1. فيما بلغ معدل الخصوبة الإجمالي في كوريا الجنوبية 0.78 خلال عام 2022، وهو أقل بكثير من المعدّل الصيني المقدّر بـ 1.09.
وبالنسببة لمشاكل الديون، فعانت الولايات المتحدة أزمات الديون الدورية بعد عام 2008، واكتوبت بها أوروبا منذ عام 2010. أما بالنسبة للاقتصادات الناشئة والبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فإن مشاكل الديون لاحصر لها. كما تعرّضت الولايات المتحدة لأزمة الرهن العقاري في 2007. وتخبّطت اليابان داخل فقاعات سوق العقارات والأوراق المالية طويلا خلال التسعينيات.
وقد عملت الحكومة الصينية جاهدا على دراسة هذه التناقضات التي يواجهها الاقتصاد الصيني. مع إيلاء اهتماما خاصّا بالظروف الوطنية واستيعاب تجارب ودروس البلدان المتقدمة. وفي وقت مبكر من عام 2015، طرحت الصين سياسة سكانية جديدة تسمح للأزواج بإنجاب طفلين. وفي مايو 2021، أعلنت الصين عن سماحها بإنجاب ثلاثة أطفال، إلى جانب تقديم دعم للأزواج. وخلال السنوات الأخيرة، أكّد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الحاجة إلى خفض تكاليف الولادة ورعاية الأطفال والتعليم، والاستجابة لتحدّيات شيخوخة السكان.
وفيما يتعلق بمشاكل الديون، أكدت الصين في عام 2017 على ضرورة حل مخاطر ديون الحكومات المحلية. وطرحت جملة من السياسات لمعالجة مسبّبات الاقتراض المحلي غير القانوني. واقترح مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في 2016، سياسات جديدة لمعالجة مشاكل سوق العقارات. وأكد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في عام 2022 على ضرورة تعزيز الانتقال السلس للقطاع العقاري، وضمان استدامة نموّه.
تعدّ المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الصيني في الوقت الحالي طبيعية، إذا مانظرنا من الزاوية الاقتصادية الموضوعية. فمن ناحية، من الطبيعي ظهور مشاكل هيكلية مع تحول اقتصاد بلادنا من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية عالية الجودة. ومن منظور المشاكل العقارية، بدأ سوق العقارات في الصين التعرض إلى صدمات منذ النصف الثاني من عام 2021، مع ظهور فائض إنتاجي. حيث انخفضت مساحة مبيعات المساكن التجارية من ذروة 1.8 مليار متر مربع في عام 2021 إلى 1.12 مليار متر مربع في عام 2023، وهو مايعادل تقريبًا مستوى عام 2012.
أما بالنسبة لارتفاع نسبة الرافعة المالية الكلية وقضايا الديون الحكومية، فقد تسبب وباء كوفيد-19 الذي دام ثلاث سنوات في ارتفاع نسبة الرافعة المالية الكلية بعد أن كانت مستقرة لبعض الوقت. وخلال العامين الماضيين، ومع ذروة سداد الديون، كان التأثير المثبط الذي خلفته معدلات الاستدانة المرتفعة على الاقتصاد واضحاً بشكل خاص. ذلك أن عبء الفائدة على الدين وحده أصبح غير محتمل بالنسبة لبعض الحكومات المحلية. وفي الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن الدين الحكومي للصين هو في المقام الأول ديون محلية. فتبقى الحكومة قادرة على تقليص الديون بشكل فعال ومدروس، بفضل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
من ناحية أخرى، تواجه الصين في تعاملها مع المشاكل الهيكلية، تأثير وباء كوفيد-19، وخاصة القضايا الجيوسياسية التي تزيد في تعقيد التحدّيات الاقتصادية. حيث وضعت الولايات المتحدة الصين خلال السنوات الأخيرة كمنافس استراتيجي، واعتمدت وسائل مختلفة لاحتواء وقمع الصين.
وفي عام 2020، طرحت الصين نمط تنمية جديد للتداول المزدوج المحلي والدولي، سعيا لمعالجة تبعات الصدمات الخارجية وانخفاض الطلب الخارجي في سياق يكون فيه الوضع الدولي مليئا بعدم الاستقرار وعدم اليقين.
وعلى الرغم من الضعف الواضح للطلب الخارجي في عام 2023، اعتمد الاقتصاد الصيني على مزايا السوق المحلية الكبيرة. واستغل إمكانات الطلب المحلي لتحقيق الأهداف الرئيسية المتوقعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على مدار العام .
وخلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لعام 2023، أكّدت اللجنة المركزية للحزب العزم على مواجهة العوامل غير المستقرة وغير المؤكدة، الناجمة عن المواقف الخارجية الشديدة والمعقدة. ما من شأنه أن يعزّز الاتجاه الإيجابي للانتعاش الاقتصادي للصين وتحقيق الأهداف والمهام المختلفة بنجاح.