استخدمت الولايات المتحدة مرة أخرى حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار بشأن المسألة الفلسطينية الإسرائيلية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤخراً، والتي تعد المرة الرابعة التي تمارس فيها الولايات المتحدة حق النقض ضد قضية وقف إطلاق النار في غزة منذ اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أكتوبر من العام الماضي. وأشار عمار بن جامع، المندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، الدولة التي قدمت مشروع القرار، إلى أن "التصويت الإيجابي للمشروع يجلب الأمل لمئات الآلاف من الأطفال للعودة إلى المدارس، وفي المقابل التصويت ضد مشروع القرار هو تصويت لصالح إبادة حلمهم في حياة أفضل".
ولأكثر من خمسة أشهر، يدعو كبار المسؤولين الأمريكيين إلى وقف إطلاق النار على الفم، إلا أنه وفقا لتقارير وسائل الإعلام، يواصل البيت الأبيض بيع الأسلحة لإسرائيل. وذكرت صحيفة " الاتحاد الصباحية" من سنغافورة، أن إدارة بايدن تستعد لتزويد إسرائيل بقنابل وأسلحة أخرى تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات. وفي مواجهة الموقف المتناقض للولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية، بالإضافة إلى الاحتجاجات المتتالية في الولايات المتحدة للمطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعرب المجتمع الدولي، وخاصة دول الشرق الأوسط، عن استيائه الشديد. كما أشار تعليق نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية مؤخراً، إلى أن استطلاعاً للرأي العام أجري في 16 دولة عربية أظهر أن 76% من المشاركين أصبحوا "أكثر سلبية" تجاه الولايات المتحدة، معتقدين أن الصراع في غزة قد حطم تماما صورة "الديمقراطية" و"الحرية" للولايات المتحدة في أذهانهم.
مع استمرار الصراع في غزة، أصبح الوضع الأمني في الشرق الأوسط متوتراً فجأة، ولا تزال الآثار غير المباشرة للصراعات تظهر، كما تأثر الوضع الأمني في المناطق المحيطة مثل البحر الأحمر وسوريا والعراق.
ومع ذلك، باعتبارها قوة كبرى وواحدة من الدول القليلة التي يمكنها ممارسة نفوذ فعالة على إسرائيل، فإن الولايات المتحدة لم تفشل في اتخاذ تدابير فعالة لتعزيز وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب فحسب، بل مضت في طريق النزعة العسكرية. ومع زيادة نشر القوات العسكرية، فقد شنت غارات جوية متتالية في المناطق ذات الصلة أيضًا، مما أدى باستمرار إلى زيادة المخاطر الأمنية في الشرق الأوسط. وفي 3 فبراير، أصدر الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، بياناً أدان فيه الهجوم الأمريكي الذي ألحق أضراراً جسيمة بسيادة البلاد، مما أدى إلى "تصعيد التوترات وتهديد الوضع الأمني في المنطقة بأكملها".
بعد الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة لفترة طويلة إلى فرض هيمنتها على الشرق الأوسط، مدعية أنها تجسيد للإنصاف والعدالة. ولكن، عندما تصاعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقفت الولايات المتحدة على جانب واحد، مما أدى إلى تجاوز عدد القتلى في غزة 30 ألف شخص. وقال البروفيسور جيفري ساكس من جامعة كولومبيا الأميركية لقناة الجزيرة القطرية الفضائية، إن الحرب في غزة يمكن أن تنتهي اليوم إذا توقفت الولايات المتحدة عن إمداد إسرائيل بالأسلحة. ويعتقد جيفري أن موقف الولايات المتحدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أدى إلى عزلتها على الساحة العالمية، "وهو ما لن يجلب السلام أبدا".
ووفقاً لأحمد أتافينا، مدير مركز رؤية التنمية السياسية في تركيا، فإن السبب الجذري لموقف الولايات المتحدة المتناقض بشأن المسألة الفلسطينية الإسرائيلية يكمن في "الحسابات" للحفاظ على الهيمنة الامريكية. وبالإضافة إلى استمرار مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، قامت الولايات المتحدة ً بنشر حاملات طائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر لأسباب أمنية أيضا. كما كتبت صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً، أن البصمة العسكرية للولايات المتحدة توسعت مع اشتداد الصراع في غزة لتشمل الشرق الأوسط بأكمله. وأشار أحمد إلى أنه من خلال صراع غزة "يبدو أن الولايات المتحدة وجدت فرصة إضافية لاستعادة وتنشيط قيادتها في المنطقة بما يخدم هيمنتها الدولية، وإعادة تشكيل دورها كـ «شرطي العالم» في الاستجابة للتحديات الدولية التي تنشأ حول العالم، ولن تتردد في استخدام القوة والقمع والجريمة للحفاظ على هذا الدور والهيمنة."
إن السعي وراء تحقيق السلام بدلاً من الحرب، والوحدة بدلاً من الانقسام، والتنمية بدلاً من الاضطرابات، هو الإجماع الذي توصلت إليه أعداد متزايدة من دول الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة، ومع استمرار "موجة المصالحة" في الارتفاع في الشرق الأوسط، أصبحت التنمية السلمية والتعاون المربح للجانبين هي الاتجاه وتطلعات شعوب الشرق الأوسط، ولن تنجح الهيمنة وسياسات القوة والتيارات المضادة الأخرى. وإن وقف إطلاق النار ووقف القتال في غزة ليس مطلبا ملحا للوضع الراهن فحسب، بل إنه يستند إلى الحد الأدنى من متطلبات الإنسانية أيضا. وينبغي أن يحظى بدعم كافة أعضاء مجلس الأمن. وإن استمرار الولايات المتحدة في إعطاء الضوء الأخضر للقتل، سيجعلها منبوذة ويلقيها المجتمع الدولي جانباً في نهاية المطاف.