تلبية لدعوة من عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ يي، يقوم مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بزيارة الصين من الفترة 27 إلى 29 أغسطس الجاري، حيث تعقد جولة جديدة من الاتصالات الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة. ووفقًا لوزارة الخارجية الصينية، يجري وانغ يي تبادلًا متعمقًا للآراء مع جيك سوليفان حول العلاقات الصينية ـ الأمريكية والقضايا الحساسة والنقاط الساخنة الرئيسية على المستويين الدولي والإقليمي. وأشار مسؤول أميركي رفيع المستوى إلى أن "الزعيمان يقضيان عادة ما بين 10 إلى 12 ساعة في كل مرة يلتقي فيها للمناقشة... ونتوقع أن نتبع نفس الصيغة في بكين."
تحمل زيارة سوليفان للصين أهمية خاصة في سلسلة الاتصالات الأخيرة بين الصين والولايات المتحدة. وتعد هذه أول زيارة يقوم بها مستشار أمن قومي للرئيس الأمريكي إلى الصين منذ ثمانية أعوام، وأول زيارة يقوم بها سوليفان للصين، وخطوة مهمة في تنفيذ التوافق الذي توصل إليه رئيسا الدولتين في سان فرانسيسكو. كما يشهد الدور الحاسم الذي تواصل القيام به قناة الاتصال الاستراتيجية بين مدير مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية الصينية ومستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي. ونظرا للنتائج الإيجابية التي تحققت من خلال قناة الاتصال الاستراتيجية هذه على مدى العام ونصف العام الماضيين، فقد وضعت كل من الصين والولايات المتحدة توقعات إيجابية معينة بشأن زيارة سوليفان.
حالياً، تمر العلاقات الصينية ـ الأمريكية بمنعطف حرج فيما يتعلق بوقف الاتجاه النزولي وتحقيق الاستقرار. من ناحية، أنشأ الجانبان أو استأنفا أكثر من 20 آلية للحوار والتواصل، وتحافظ الفرق الدبلوماسية والمالية وفرق إنفاذ القانون وتغير المناخ، وكذلك العسكريون من كلا البلدين، على الاتصالات، ويتزايد التبادل الاجتماعي بين البلدين، مما يعزز بشكل مستمر "أساس" التنمية المستقرة للعلاقات الصينية الأمريكية. ومن ناحية أخرى، لم تقلل الولايات المتحدة من إجراءاتها لاحتواء الصين وقمعها، الأمر الذي أدى باستمرار إلى تآكل الإجماع الذي تم تحقيقه بشق الأنفس والثقة المتبادلة بين البلدين.
إن إبقاء قنوات الاتصال الاستراتيجية مفتوحة وفعالة لا يساعد على ضمان مناخ مستقر وتوقعات في العلاقات الثنائية حسب، بل يساعد أيضًا في توضيح سوء الفهم وتجنب سوء التقدير بشأن بعض القضايا الرئيسية.
ومما لا شك فيه أن استقرار العلاقات بين الصين والولايات المتحدة يمثل إجماعًا ومصلحة مشتركة في هذا التواصل الاستراتيجي. وتعكس دعوة الصين لسوليفان للزيارة موقفا مسؤولا وبناء تجاه العلاقات الصينية ـ الأمريكية، وعدم الاستهانة بالصعوبات والتحديات التي تواجهها العلاقات، وعدم التخلي عن الأمل والجهود المبذولة لتحقيق استقرارها. كما صرح مسؤول أمريكي أن هذه الزيارة "تتعلق جزئيًا بالحفاظ على الاستقرار خلال فترة النشاط السياسي المرتفع في الولايات المتحدة و"عدم اليقين الجيوسياسي العام". كما يظهر تطور العلاقات الصينية ـ الأمريكية على مدى أكثر من نصف قرن أن التواصل والحوار أفضل من الصراع والمواجهة، وكلما كان الحوار أكثر شمولا، كلما زادت احتمالية اتجاه العلاقات الثنائية إلى الاستقرار.
ومع ذلك، فإن الاعتماد فقط على التوافق والرغبة في استقرار العلاقات بين الجانبين ليس كافيا لبناء علاقة بناءة بين الصين والولايات المتحدة. وإن مفتاح إعادة استقرار العلاقات الصينية ـ الأمريكية يعتمد على ما إذا كان من الممكن إنشاء فهم استراتيجي صحيح لاستكشاف الطريق الصحيح للتعايش بين البلدين، وما إذا كانت هناك القدرة والإجراءات العملية لإدارة الخلافات بشكل فعال. ومن هذا المنظور، هناك فجوة كبيرة بين أفعال وأقوال الولايات المتحدة ورغبتها المعلنة في الحفاظ على علاقات مستقرة بين الولايات المتحدة والصين. ولهذا السبب بالتحديد، سيواصل الجانب الصيني في هذا التواصل الاستراتيجي، المناقشة مع نظيره الأمريكي حول القضايا المتعلقة بالتفاهم الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة، والحدود بين الأمن القومي والأنشطة الاقتصادية، وسيركز على التعبير الجاد عن المخاوف بشأن قضية تايوان، وحقوق التنمية، والأمن الاستراتيجي للصين، وتوضيح موقفها الثابت، وطرح مطالب جدية.
في الواقع، يعكس الرأي العام المحيط بزيارة سوليفان للصين التناقض في تصرفات الولايات المتحدة وكلماتها تجاه الصين، فضلاً عن الارتباك والاضطراب الناجم عن الموقف والفهم غير الصحيحين للصين. وفي نفس الوقت تقريبًا الذي تم فيه تأكيد زيارة سوليفان للصين، أضافت الولايات المتحدة العديد من الكيانات الصينية إلى قائمة مراقبة الصادرات الخاصة بها بشأن القضايا المزعومة المتعلقة بروسيا، ويقال إن بعض المسؤولين رفيعي المستوى في الحزب الديموقراطي التقدمي التايواني يخططون للقيام "بزيارة سرية للولايات المتحدة" هذا الأسبوع. وسواء كان ذلك من قبيل الصدفة أو عن قصد، فإن مثل هذه التصرفات خلقت عقبات أمام الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها. ويتعين على الولايات المتحدة أن تغير بشكل جذري نظرتها وموقفها الاستراتيجي تجاه الصين، بما في ذلك تسييس وإضفاء الطابع الأمني على القضايا الاقتصادية والتجارية، والتدخل في قضية بحر الصين الجنوبي، وعرقلة التبادلات الثنائية الطبيعية بين الأفراد من خلال التأشيرات وغيرها من الوسائل.
هناك اهتمام كبير من جميع القطاعات بما سيناقشه سوليفان على وجه التحديد خلال زيارته للصين وكيف ستسير المحادثات. وبصفته مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، يحتاج سوليفان، أولاً وقبل كل شيء، إلى "معرفة كيفية الاستماع" إذا كان يريد تحقيق نتائج جيدة للتواصل الاستراتيجي في الصين. ولقد كانت مسألة المعرفة الاستراتيجية دائما الزر الأول الذي يجب تثبيته في العلاقات الصينية ـ الأمريكية، وأن العديد من المشاكل الحالية بين الصين والولايات المتحدة تنبع من تصور أمريكا الخاطئ للصين. وبالنسبة لزيارة سوليفان الأولى للصين، فإن الاستماع الجيد لما تقوله بكين وفهمه، وتقديم المساهمة المناسبة في إرساء التفاهم الصحيح بين الصين والولايات المتحدة، يجب أن يكون أحد المعايير لتقييم نجاح زيارته للصين.