بيروت 28 ديسمبر 2024 (شينخوا) شهد لبنان في عام 2024 أحداثا درامية وتطورات تنذر بإعادة رسم خطوط التماس في صراعات المنطقة المحتدمة بنيران حروب مفتوحة واغتيالات مفاجئة، تضع معادلات إقليمية جديدة.
بعد يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها "كتائب القسام" الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 أكتوبر 2023 ، شن "حزب الله" في إطار نظرية "وحدة الساحات" ونصرة لحليفته، حرب إسناد ضد الجيش الإسرائيلي.
ورد الجيش الإسرائيلي على ذلك بقصف مناطق جنوب لبنان، وبملاحقة المئات من عناصر "حزب الله" في المنازل والسيارات والدراجات بصواريخ المسيرات.
كما عمدت إسرائيل إلى اغتيال كبار قادة الحزب العسكريين ، وأقدمت في اختراق أمني كبير يوم 17 و18 سبتمبر الماضي على تفجير أجهزة النداء "بيجر" وأجهزة اللاسلكي "أيكوم"، التي يستخدمها حزب الله موقعة في صفوفه 37 قتيلا وأكثر من 3300 مصاب.
وفي 23 سبتمبر الماضي شن الجيش الإسرائيلي هجوما جويا مكثفا غير مسبوق في جميع أنحاء لبنان أَطلق عليه اسم "سهام الشمال"، وفي المقابل شن حزب الله هجمات صاروخية على قواعد ومواقع إسرائيلية.
وأعقب ذلك في 27 سبتمبر إقدام إسرائيل على اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية عنيفة على مقر قيادة الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت في عملية أطلقت عليها إسرائيل اسم "ترتيب جديد"، واعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "نقطة تحول تاريخية".
وبعد اغتيال نصر الله وكبار قادة الصف الأول حاول حزب الله إعادة تنظيم صفوفه والتعافي من خسائره، باختيار أمين عام جديد في وقت حاصرت فيه إسرائيل بفعالية طرق إمداد الحزب بشحنات الأسلحة من ايران.
-- إسرائيل تجتاح الجنوب
وفي أول أكتوبر 2024 في تطور هو الأول منذ العام 2006، أعلنت إسرائيل أن قواتها عبرت الحدود إلى جنوب لبنان ودخلت مدنه وبلداته بعد مواجهات، وأمعنت فيها تفجيرا وتجريفا.
وأوقعت الهجمات الإسرائيلية منذ 8 أكتوبر 2023 حتى 26 نوفمبر الماضي - اليوم السابق لإعلان اتفاق وقف إطلاق النار- 4047 قتيلا و16593 إصابة، بحسب وزارة الصحة، فيما قتل 222 من الكوادر الصحية والإسعافية وأصيب 330 آخرون، فضلا عن مقتل 45 جنديا من الجيش اللبناني.
كما أفادت الأمم المتحدة بنزوح نحو مليون و400 ألف لبناني إلى مناطق أكثر أمنا، بسبب إنذارات الإخلاء والهجمات الإسرائيلية الكثيفة التي عرضت النساء والأطفال والمسنين لأشد المخاطر.
وسجلت وحدة إدارة الكوارث في لجنة الطوارئ الحكومية حتى 22 نوفمبر 2024 نحو 13 ألفا و967 اعتداء إسرائيليا أدت بحسب تقرير أولي للبنك الدولي إلى أضرار مادية وخسائر في لبنان بلغت نحو 8.5 مليار دولار أمريكي، حيث بلغت الأضرار المادية 3.4 مليار دولار أمريكي والخسائر الاقتصادية 5.1 مليار دولار أمريكي.
ووفق التقرير، فإن قطاع الإسكان هو الأكثر تضررا، حيث تضرر نحو 100 ألف وحدة سكنية جزئيا أو كليا، إضافة إلى تضرر مرافق عامة وبنى أساسية حيوية في بيروت وضاحيتها الجنوبية وفي جنوب وشرق لبنان.
وتسببت الحرب بخسائر في قطاع التجارة بنحو ملياري دولار أمريكي، كما أدى تدمير المحاصيل والماشية وتشريد المزارعين إلى خسائر وأضرار في قطاع الزراعة بلغت حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي.
-- وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل بموافقة حزب الله
وفي 27 نوفمبر الماضي أعلن اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل بموافقة حزب الله منهيا بذلك إسناده لجبهة غزة ، مما أرسى بعض علامات التفاؤل التي ابتدأت تخبو يوما بعد يوم بفعل الانتهاكات الإسرائيلية اليومية .
وينص الاتفاق على وقف القتال لمدة شهرين ويتضمن ترتيبات تنفيذية لقرار الأمم المتحدة رقم 1701، حيث سيتراجع بموجبها حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وسينتشر الجيش اللبناني في الجنوب، بينما تنسحب القوات الإسرائيلية من مدن وقرى جنوب لبنان إلى جانبها من الحدود في غضون 60 يوما.
كما يتضمن الاتفاق آلية إشراف عسكرية خماسية على تنفيذ وقف إطلاق النار تترأسها الولايات المتحدة بمشاركة فرنسا وقوة الأمم المتحدة العاملة بجنوب لبنان (يونيفيل) والجيشين اللبناني والإسرائيلي.
-- استدامة اتفاق وقف إطلاق النار
وحول مدى استدامة هذا الاتفاق - على مشارف شهره الثاني وسط الإمعان الإسرائيلي في انتهاكه بالرمايات الرشاشة والقصف المدفعي والغارات الجوية والخطف ونسف المنازل وتجريف البساتين- أعرب العميد المتقاعد الدكتور عادل مشموشي عن القلق من توسع الخروق الإسرائيلية التي بلغت بين 27 نوفمبر و22 ديسمبر 2024، بحسب وزارة الخارجية اللبنانية أكثر من 816 اعتداء بريا وجويا.
وقال العميد مشموشي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن فترة الشهرين التي يتحدث عنها الاتفاق قابلة للتمديد، مشيرا إلى أن إسرائيل تستغل هذه الفترة لارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين بجرف البنى التحتية والبساتين ونسف الأحياء السكنية لجعل البلدات غير قابلة للسكن .
ورأى أن تحقيق الانسحاب الإسرائيلي يبقى موضع شك كبير رغم التزام لبنان وحزب الله بالاتفاق، لكنه لفت إلى أن الضغط الدولي وخصوصا من الدول الأوروبية وقوات اليونيفيل سيكون كبيرا على إسرائيل لدفعها إلى الانسحاب.
وأضاف الدكتور عادل مشموشي أن إسرائيل بغطاء أمريكي وأطلسي تمعن في انتهاك الأعراف والقوانين الدولية في لبنان والضفة الغربية وغزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيرا إلى توغلها في الأراضي السورية والقضاء على الترسانة العسكرية العائدة للشعب السوري.
-- الاتفاق عرضة للتعليق
بدوره أشار الكاتب والمعلق السياسي جورج علم إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار، جاء وفق المقاييس الإسرائيلية تمهيدا لفرض ترتيبات أمنية بجنوب لبنان .
وقال علم لـ ((شينخوا)) إن الاتفاق عرضة للتعليق في حال وقوع أي هجوم من حزب الله، فيما يهدد احتلال إسرائيل لمنطقة عازلة في جنوب لبنان بتجدد اندلاع المواجهات في وقت أقفل فيه ممر حزب الله الحيوي من إيران بعد تغير النظام في سوريا .
ورأى أنه ليس هناك عودة للبنانيين إلى قرى الحافة الأمامية الحدودية مع إسرائيل وإعادة إعمارها، إلا وفق شروط إسرائيلية قاسية.
ولفت علم "إلى مشروع إسرائيلي/أمريكي تفكيكي وتفيتي كبير يجري في المنطقة بفعل قرار كان قد اتخذ منذ سقوط برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في العام 2001، بإقامة شرق أوسط جديد يقوم على النفوذ الإسرائيلي/ الأمريكي في كل من ليبيا والسودان وغزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وصولا إلى إيران".
وشدد على أن "عدم التفاهم السائد بين الشرائح اللبنانية وغياب سلطة فاعلة يساعدان على أن يبقى لبنان ساحة إقليمية مفتوحة".
وتنخرط القوى والأحزاب السياسية والطائفية في هواجس وصراعات وضغوط ضمن نظام طائفي للمحاصصة في السلطة، ما أدى في أحيان كثيرة إلى تعثر الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومات وتعثر المؤسسات الدستورية.
وتمارس دول وقوى إقليمية نفوذا في لبنان من خلال حلفائها المحليين، وتستند الأطراف المحلية في صراعاتها الداخلية إلى امتداداتها الخارجية ما يجعل صراعاتها متداخلة مع صراعات إقليمية، مما يفضي إلى جعل أية أزمة في حالة استعصاء على الحلول وذات انعكاسات مالية واقتصادية ومعيشية.
وكان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، قد أعلن تحديد موعد لانتخاب رئيس الجمهورية في التاسع من يناير المقبل، وذلك بعد أكثر من عامين من شغور المنصب لغياب التوافق بين القوى السياسية.
وكانت أزمة شغور منصب رئيس الجمهورية قد بدأت مع نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، في 31 اكتوبر 2022، وفشل البرلمان خلال 12 جلسة في انتخاب رئيس جديد للبلاد.