الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

مقالة: "الربط المادي" و"الربط الناعم" يدفعان مسيرة التصنيع في أفريقيا بدعم من الصين

/مصدر: شينخوا/   2025:06:16.10:09

نيروبي 15 يونيو 2025 (شينخوا) تمتد شبكات الموانئ عبر القارة، وتتلألأ الألواح الشمسية تحت أشعة الشمس الأفريقية، وتعج أروقة المصانع بالحركة والنشاط - هذا المشهد الديناميكي يجسد المشهد المتطور للتعاون الصناعي بين الصين وأفريقيا. فبينما يعمل الجانبان معا على إرساء الدعائم الأساسية للتنمية من خلال "الربط المادي" في البنية التحتية و"الربط الناعم" في تدريب المواهب، يبرز التصنيع كمحرك قوي يدفع عجلة التحديث في أفريقيا.

في السنوات الأخيرة، استفادت الصين وأفريقيا من نقاط قوتهما التكاملية لتحقيق نتائج ملموسة. فالطرق والجسور والمطارات والموانئ، التي أُنشئت بخبرات صينية، لا تغير المشهد المحلي فحسب، بل تعمل أيضا على دمج الدول الأفريقية ضمن شبكات التجارة الإقليمية والعالمية. وفي الوقت ذاته، تسهم مبادرات مثل ورش عمل لوبان وبرامج التدريب المهني المتخصصة في قطاعات معينة على تزويد الشباب الأفريقي بالمهارات العملية، مما ينتج جيلا من المهنيين المؤهلين.

ومع انتشار محطات الطاقة الشمسية في مختلف أنحاء القارة، باتت الطاقة الخضراء تدفع المرحلة المقبلة من النمو الصناعي. وها هي الصين وأفريقيا تسيران معا نحو تعاون شامل ومتعدد المستويات وعالي الجودة، لترسمان بذلك مسارا مشتركا للتنمية المستدامة والرخاء.

-- إعادة تشكيل ملامح المشهد الاقتصادي

يشكّل الربط شريان الحياة للنمو الاقتصادي. ففي ظل اتساع رقعة الأراضي، وتفاوت مستويات التنمية، وضعف القواعد الصناعية، تعمل الدول الأفريقية على الاستفادة من التعاون مع الصين لتعزيز التنسيق الإقليمي.

ففي شهر مايو، دشّنت السلطات الكاميرونية المرحلة الثانية من ميناء كريبي عميق المياه في الجزء الجنوبي من البلاد. ويعد ميناء كريبي عميق المياه، الذي شيدته الشركة الصينية لهندسة الموانئ (CHEC)، أول ميناء بحري عميق المياه في الكاميرون وأكبر ميناء في منطقة وسط أفريقيا.

وفي هذا الصدد، قال باتريس ميلوم، المدير العام لهيئة ميناء كريبي، إن "ميناء كريبي يشهد تحولا ملحوظا". ففي السابق، لم يكن بإمكان هذا الميناء الواقع في دوالا أن يستقبل سوى السفن التي تقل حمولتها عن 10 آلاف طن، أما الآن، فأصبح استقباله للسفن التي تبلغ حمولتها 100 ألف طن أمرا اعتياديا".

وشدد على أن أداء الميناء فاق التوقعات.

منذ أن أنجزت الشركة الصينية لهندسة الموانئ المرحلة الأولى في عام 2018، نمت حركة الشحن في ميناء كريبي عميق المياه بمعدل متوسط قدره 22 في المائة سنويا، وهذا جذب أكثر من 60 شركة وخلق أكثر من 6 آلاف فرصة عمل. ومع تشغيل رصيفين جديدين الآن، بلغت قدرة المناولة السنوية للميناء 4.5 مليون طن، مما عزز دوره كمركز رئيسي لتصدير السلع السائبة مثل خام الحديد والكاكاو في وسط أفريقيا.

وتعمل الموانئ على إعادة تشكيل ملامح الاقتصادات الإقليمية، إذ إن منتجات مصنع كيدا الكاميرون للسيراميك ذي الاستثمارات الصينية، الذي يقع على بعد حوالي 60 كم من الميناء، يمكن شحنها إلى الدول المجاورة في غضون 48 ساعة من الإنتاج، مما يسد فجوة في صناعة السيراميك بالكاميرون.

ويكتسب اعتماد نموذج التكامل بين الموانئ والصناعة والحضر زخما ليس فقط في الكاميرون، بل وفي أنحاء أخرى من أفريقيا أيضا. ففي شبه جزيرة ليكي بنيجيريا، يعمل ميناء ليكي، الذي يُعد أول ميناء حديث عميق المياه في نيجيريا وشيدته الشركة الصينية لهندسة الموانئ، إلى جانب منطقة ليكي للتجارة الحرة التي تم تطويرها بشكل مشترك، على تشكيل منظومة تعاونية متكاملة.

ومن جانبه قال تشن تسه، المدير العام لقسم عمليات وسط أفريقيا في الشركة الصينية لهندسة الموانئ، إن التطوير المنسق للبنية التحتية والمناطق الصناعية هو "مفتاح لتحويل 'الحركة العابرة' إلى 'توطين دائم'. فمنطقة التجارة الحرة، التي صُممت بقدرة مناولة سنوية تبلغ 1.2 مليون حاوية معيارية مكافئة لعشرين قدما ويصل حجم استثماراتها إلى 2.3 مليار دولار أمريكي، تتيح للتصنيع المحلي للأجهزة المنزلية والسيارات فرصة تحقيق شعار "صُنع في أفريقيا، ويُباع عالميا".

وفي قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي (فوكاك) لعام 2024 في بكين، أكدت الصين مجددا دعمها القوي لجهود الاتحاد الأفريقي في تسريع التكامل والتنمية الاقتصادية على الصعيد الإقليمي.

منذ تأسيس منتدى فوكاك قبل 25 عاما، قامت شركات صينية بالإشراف على بناء وتحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، وما يقرب من 100 ألف كيلومتر من الطرق، وما يقرب من 1000 جسر، وحوالي 100 ميناء في أفريقيا. وقد ساهمت هذه المشاريع بشكل كبير في تسريع تحديث البنية التحتية في الدول الأفريقية وتعزيز التنسيق بين كل من الربط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية.

-- تمكين المواهب

في مدينة هوامبو الواقعة في وسط أنغولا، تلقى توماس دينيس (20 عاما) تدريبا حول المكونات الميكانيكية على يد معلمه في المركز المتكامل للتدريب التقني (CINFOTEC) الذي تبرعت به الصين. ويُعد دينيس واحدا من بين 76 طالبا في برنامج الميكاترونيكس في المعهد الأنغولي-الصيني للتكنولوجيا. وبعد عام ونصف من تلقي الدورات الدراسية ودراسة اللغة الصينية، يأمل في التأهل للحصول على تدريب متقدم وتدريب عملي في الصين.

وقد قال دينيس في حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لقد أحببت الميكانيكا منذ طفولتي. وكثيرا ما أشاهد المنتجات الإلكترونية الصينية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يثير إعجابي بشدة. وعندما علمت بفرصة الدراسة في الصين، قمت بالتسجيل فورا".

تجدر الإشارة إلى أن المعهد الأنغولي-الصيني للتكنولوجيا، الذي يأتي في إطار مبادرة "التعليم المهني يتجه نحو العالمية" التي طرحتها الصين، أُنشئ بالتعاون بين كلية ونتشو المهنية والتقنية، وأربع كليات مهنية صينية أخرى، وعدد من الشركات. وقد قام هذا المعهد، الذي تم تدشينه في المركز المتكامل للتدريب التقني في يناير 2025، بتدريب أكثر من 2000 طالب حتى الآن.

وذكر سونغ وو يوي، وهو مدرس من كلية ونتشو المهنية والتقنية، أن "معهدنا يعمل على تطوير نظام تعليم يتماشى مع معايير التعليم المهني الصيني، بهدف إعداد فنيين مهرة يلبي عملهم احتياجات السوق المحلية".

أما جيرالدو بامباسانغي، مدير المركز المتكامل للتدريب التقني، فقد أشار إلى أن التدريب المهني يشكل حجر الأساس للتنمية الوطنية، مؤكدا أن الصين تقدم دعما راسخا لتنمية أنغولا. وتابع قائلا إنه "بعد الحرب الأهلية، كنا بحاجة إلى إعادة بناء البنية التحتية، فجاءت الصين لمساعدتنا. واليوم، مع سعي أنغولا نحو التصنيع، ها نحن نستفيد مجددا من التعاون مع الصين".

تُعد أفريقيا القارة الأكثر شبابا العالم. وفي السنوات الأخيرة، عززت الصين بناء القدرات في أفريقيا من خلال مبادرة الحزام والطريق ومنتدى فوكاك. وتُسهم ورش عمل لوبان في تعزيز هذا المسعى، من خلال تحويل المزايا الديمغرافية إلى عوائد تنموية ودفع عجلة التصنيع المستدام في جميع أنحاء القارة.

تم إنشاء ورشة عمل لوبان بمدغشقر في فبراير 2022 بالشراكة مع جامعة أنتاناناريفو، وقد تخرجت منها الدفعة الأولى من الطلاب. وقالت أندريانينا، خريجة برنامج الكهرباء الصناعية، "لقد تقدمت بطلب الالتحاق بجامعة تيانجين لمواصلة دراستي. فالصناعة لا تمثل حاليا سوى 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمدغشقر. وأرغب في اكتساب المهارات المهنية وكل ما يلزم للمساهمة في التنمية الصناعية لبلادي".

وبفضل ورشة عمل لوبان، تشهد أساليب الإنتاج التي كانت تعتمد في السابق على الأدوات اليدوية والأجزاء المصنعة يدويا، تحولا تدريجيا نحو الميكنة.

وفي هذا الصدد، قال فانيري إميل راكوتوندرينيبي، رئيس برنامج الهندسة الميكانيكية في ورشة عمل لوبان، إنه "حتى مصفاة النفط الصغيرة تحتاج إلى آلات متخصصة، ويمكن تصنيع جميع هذه الأجزاء باستخدام الآلات".

وأردف قائلا إن "هذه التكنولوجيا تمثل حجر الأساس في مسيرة التصنيع بمدغشقر".

ومن جانبها، صرحت وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي في مدغشقر، لولا شامينا، بأن ورشة عمل لوبان تعزز رأس المال البشري للبلاد وتدعم التنمية الصناعية المحلية من خلال توفير تدريب عالي الجودة، وإدخال معدات تكنولوجية متقدمة، وتأهيل مهندسين وفنيين شباب.

-- التصنيع الأخضر لتحقيق تنمية أفضل

عند الظهيرة، تسطع أشعة الشمس بشدة على الأرض. وعلى بعد نحو 25 كيلومترا جنوب شرق بلدة كابوي في المحافظة الوسطى بزامبيا، تتلألأ صفوف من الألواح الكهروضوئية تحت وهج الشمس، حيث يتقدم مشروع كابوي للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 100 ميغاواط، الذي يُعد أكبر مشروع من نوعه في البلاد وتقوم بتنفيذه شركة بناء الطاقة الصينية ((باور تشاينا))، بخطى ثابتة.

وقد صرح لي دونغ شيانغ، مدير أعمال المشروع، بأن المشروع من المتوقع أن يولد 180 مليون كيلوواط/ساعة من الكهرباء سنويا، ما سيوفر الكهرباء لما بين 50 ألفا و100 ألف أسرة. وأشار إلى أنه "من خلال استخدام ألواح كهروضوئية متطورة ونظام مراقبة ذكي، يعزز المشروع كفاءة الطاقة ويخفض تكاليف التشغيل بشكل كبير".

وصرح وزير الطاقة الزامبي ماكوزو تشيكوتي، خلال زيارة ميدانية قام بها في شهر مارس، قائلا إنه "في غضون شهر ونصف، سيتمكن السكان المحرومون من الكهرباء من الحصول عليها، وستتغير حياتهم نحو الأفضل". وأوضح تشيكوتي أن محطات توليد الكهرباء هذه لن تسهم فقط في الحد من انقطاعات التيار الكهربائي ودفع النمو الاقتصادي، بل ستضيء أيضا الطريق لاستقلال زامبيا في مجال الطاقة.

إن التنمية الخضراء تُشكل المحرك الدائم للتصنيع في أفريقيا. وحول هذا الأمر، قال ألبرت موديندا موشانغا، مفوض الاتحاد الأفريقي للتنمية الاقتصادية والتجارة والسياحة والصناعة والتعدين، إن "التصنيع الأخضر ليس خيارا، بل ضرورة لتحديث أفريقيا".

ومع تقدم أفريقيا نحو التصنيع الأخضر، تلتزم الصين بدعم هذه الجهود. وإن النجاح في بناء وتشغيل مشاريع كبرى في مجال الطاقة، بما في ذلك محطة الطاقة الحرارية الأرضية أورباور 22 في كينيا، ومحطة كافو جورج السفلى للطاقة الكهرومائية في زامبيا، ومشروع ريدستون للطاقة الشمسية الحرارية المركزة في جنوب أفريقيا، ومحطة كاروما للطاقة الكهرومائية في أوغندا، يُظهر كيف يمكن للتعاون بين الصين وأفريقيا أن يساعد في التخفيف من اختناقات الطاقة، وتحسين مستويات المعيشة، وتسريع التحول الصناعي في القارة.

كما تعمل هذه الموجة من التصنيع الأخضر على نشوء احتياجات رقمية جديدة. فقد بدأ أكبر مصنع لتصنيع كابلات الألياف الضوئية في أفريقيا مؤخرا عملياته التشغيلية في كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا، مما عزز بشكل كبير قدرات أفريقيا في مجال تصنيع الألياف الضوئية.

وفي هذا السياق، ذكر بيتر فيليون، الرئيس التنفيذي لشركة يانغتسي للألياف البصرية والكابلات في أفريقيا، أن الشركة طورت كابلات أنحف وأكثر تماسكا، مصممة خصيصا لتلبية احتياجات المناطق الريفية والمحرومة في جنوب أفريقيا من خدمات النطاق العريض. وأشار إلى أن "هذا يسهم في خفض التكاليف، وتحسين المتانة، وضمان حصول المجتمعات المحلية المحرومة على خدمات النطاق العريض الموثوقة".

من جانبه، صرح كورير سينجوي، السكرتير الأول للشؤون الخارجية في وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الكينية، بأن الشراكة الصينية-الأفريقية مرغوبة ومفيدة على حد سواء، إذ تلبي التطلعات المتبادلة في ظل التحولات الجيوسياسي.

وأضاف سينجوي قائلا إنه "مع مضي كينيا قدما نحو التحديث، فإننا نتطلع إلى التعلم من أفضل الممارسات الصينية. وأعتقد أن دولا أفريقية أخرى ستحذو حذونا".

صور ساخنة