القاهرة 15 يونيو 2025 (شينخوا) أكد الخبير المصري الدكتور أنور محمود زناتي، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة عين شمس، أن الحوار بين الحضارات والثقافات يضخ طاقة إيجابية في وحدة المجتمع البشري ويزيد من القدرة على مواجهة التحديات المشتركة.
وقال زناتي، في مقابلة خاصة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، بمناسبة اليوم الدولي للحوار بين الحضارات، إن هذا اليوم الدولي هو مبادرة صينية ذكية، تحمل أبعادًا أخلاقية وسياسية واستراتيجية، وتملك فرصة لتصبح منصة بديلة عن سرديات الاستقطاب والصراعات والإقصاء الغربية.
-- المبادرة الصينية لإقامة اليوم الدولي للحوار بين الحضارات
أوضح أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة عين شمس المصرية، أن المبادرة الصينية لإقامة اليوم الدولي للحوار بين الحضارات ليست مجرد فعالية رمزية، بل تعكس توجّهًا صينيًا منهجيًا لتقديم خطاب حضاري بديل عن نظريات مثل "صراع الحضارات"، من خلال إبراز فكرة أن تنوع الحضارات مصدر للثروة لا الصراع، وتعزيز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
وقال زناتي إن الأهمية الكبيرة لليوم الدولي للحوار بين الحضارات تتمثل في تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل في ظل عالم يشهد تصاعد النزعات الشعبوية، والتطرف القومي، والخطابات الإقصائية. يشكّل هذا اليوم منصة دولية تدعو إلى الاعتراف بتنوّع الرؤى والقيم الثقافية والتأكيد على أنه لا حضارة تمتلك حق التفوّق على غيرها. ومن هنا، تتحرر العلاقات الدولية من منطق المركزية الغربية أو الثنائية القطبية الثقافية (غرب/شرق) لصالح تعدديّة حضارية مسؤولة.
وشدد على ضرورة مواجهة التحديات العالمية المشتركة، فالحوار الحضاري لم يعد مجرد ترف ثقافي أو دبلوماسي، بل صار أداة ضرورية لمواجهة الإرهاب والتطرف الذي يستغل الفجوات الثقافية، ومناقشة قضايا التغير المناخي حيث تختلف رؤى المجتمعات حول البيئة، مشيرا إلى أنه لابد من وجود حوار حضاري لإنتاج توافقات أخلاقية عالمية.
وأضاف أن اليوم الدولي للحوار بين الحضارات يقدم إطارًا رمزيًا ومؤسسيًا يُمكّن الشعوب من تجاوز الحواجز النفسية والثقافية عبر الاعتراف، والمساواة، واحترام الخصوصيات الحضارية.
وقال إن هذا اليوم الدولي يحمل أبعادًا أخلاقية وسياسية واستراتيجية، ويملك فرصة ليصبح منصة بديلة عن سرديات الاستقطاب و"من مصلحتنا كعرب، وكمصريين خصوصًا، أن نشارك بفاعلية فيه، ليس فقط لأننا أصحاب واحدة من أعظم الحضارات القديمة، بل لأننا أيضًا نمتلك رؤية إنسانية وسطية يمكن أن تُسهم في بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
-- الحوار بين الحضارات ومواجهة التحديات المشتركة
يرى زناتي أنه في عالم تتشابك فيه الأزمات من تغير المناخ إلى الحروب، من قضايا الهجرة إلى الفقر المدقع إلى غير ذلك، فإن الحلول التقنية والسياسية وحدها لم تعد كافية، بل أصبح من الضروري إدارة التباين الحضاري والقيمي بين الشعوب وخلق فضاء مشترك لفهم الآخر قبل صياغة أي مقاربة جماعية.
وقال إن هذا يؤكد أهمية الحوار الحضاري كأداة لبناء أرضية أخلاقية مشتركة، فالتعامل مع تغير المناخ أو قضايا اللاجئين يتطلب إطارًا أخلاقيًا تتفق عليه الحضارات.
ولفت إلى أن هناك دورًا مهما للحوار الحضاري الذي يعمل على إزالة الصور النمطية التي تعرقل التعاون، فالصراعات الإقليمية غالبًا ما تُفاقمها التصورات السلبية المتبادلة، والحوار الحضاري يساهم في نزع فتيل هذه التصورات، ويفتح مسارًا للتفاوض والتسوية، كما يعزز شرعية العمل المشترك عندما تشعر الشعوب أن قضايا مثل الفقر والبيئة تُدار وفق رؤى متوازنة تحترم هوياتها الحضارية، مما يزيد من استعدادها للتعاون مع المجتمع الدولي.
ونوه إلى ضرورة أن يتم توظيف ذلك دوليًا عن طريق إنشاء منصات حوار متخصصة بالقضايا العالمية وتنظيم منتديات حضارية لمناقشة أخلاقيات التعامل مع الذكاء الاصطناعي وقيم العدالة البيئية وأخلاقيات الحرب والسلام، مع بلورة ميثاق أخلاقي متعدد الحضارات للقيم المشتركة بشأن التحديات الكبرى.
-- مستقبل اليوم الدولي للحوار بين الحضارات
طالب زناتي بأن يتم تحويل اليوم العالمي للحوار بين الحضارات من منصة رمزية إلى أداة دبلوماسية ناعمة، معربا عن توقعه بأن يشهد هذا اليوم خلال السنوات المقبلة تطورات ملموسة عبر إدماجه في الأجندة السياسية للأمم المتحدة، واستحداث مؤتمرات سنوية وزارية أو شعبية مصاحبة له، بجانب تضمين نتائجه في صوغ وثائق عمل دولية مع الاستثمار في قضايا غير تقليدية كالذكاء الاصطناعي، وأخلاقيات الفضاء، والهجرة الرقمية، والبيئة البيولوجية إذ ستفرض التحديات الجديدة أجندات حضارية تتجاوز النقاشات الثقافية الكلاسيكية.
وأوضح زناتي أنه لتعزيز الحوار بين الحضارات، فإنه يمكن تحويل ذلك اليوم إلى مظلة دائمة للمنتديات الحضارية المتخصصة وتأسيس منتدى سنوي للحوار الحضاري حول المناخ، بجانب إنشاء شبكة شبابية دولية للحوار بين الحضارات يمكن أن تقودها مصر والصين، مع تنظيم مهرجانات فنون وفكر حضاري مشترك تستعرض الفنون والفلسفات الكبرى.
واقترح أن يتم بلورة ميثاق عالمي للأخلاق الحضارية المشتركة بمبادرة من مصر والصين، يتضمن احترام الخصوصيات الحضارية ونبذ خطابات الكراهية والخ.