الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

رأي ضيف: مصر والصين: عقد من الشراكة الاستراتيجية.. وآفاق المستقبل

/مصدر: شينخوا/   2025:07:07.09:58

بقلم/ السفير عاصم حنفي

في بادرة تعكس عمق العلاقات المصرية - الصينية، تستعد القاهرة لاستقبال زيارة رفيعة المستوى لرئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، في محطة جديدة ضمن مسار شراكة استراتيجية شاملة بُنيت عبر سنوات من الحوار والتعاون المتبادل، وكمتابع ومشارك عن قرب في مسيرة هذه العلاقة، أرى في هذه الزيارة فرصة لتقييم حصاد عقد من الإنجازات، والتأمل فيما يمكن بناؤه في المستقبل.

ومنذ عام 2013، دخلت العلاقات بين مصر والصين مرحلة جديدة، اتسمت بزخم غير مسبوق على المستويين السياسي والاقتصادي، وقد كان للرؤية المشتركة للقيادتين - الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس شي جين بينغ - دور محوري في ترسيخ أُسس شراكة استراتيجية شاملة تم الإعلان عنها رسميا في ديسمبر 2014.

وقد شهدت السنوات العشر الأخيرة تكثيفا في الزيارات رفيعة المستوى، وأسهمت دبلوماسية القمة في تعزيز العلاقات بين البلدين، حيث التقى الرئيسان أكثر من 10 مرات خلال السنوات العشر تلك، سواء في زيارات متبادلة أو لقاءات في دول ثالثة خلال المحافل متعددة الأطراف مثل البريكس ومجموعة العشرين وغيرها.

وكانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة إلى بكين في مايو 2024 من الزيارات المهمة، حيث تضمنت الاتفاق على الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى أعلى تأسيساً على ما تحقق من إنجازات ملموسة خلال السنوات الماضية، وبالتركيز علي دفع جهود توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا باعتبارها أولوية للتعاون المصري - الصيني خلال الأعوام المقبلة، ومن ثم أهمية العمل على توسيع الاستثمارات الصينية الصناعية في مصر بما في ذلك مجال تصنيع السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية وإنتاج الألواح الشمسية والصناعات الكيماوية ومواد البناء، بالإضافة إلى التكنولوجيا الزراعية الحديثة وغيرها، وكذلك تعزيز التعاون في المجال الإعلامي والثقافي والعلمي والذكاء الاصطناعي والأكاديمي.

اقتصاديا، رسخت الصين موقعها كشريك تجاري واستثماري رئيسي لمصر، كما ارتفعت الاستثمارات الصينية في مصر إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة في المنطقة الاقتصادية الخاصة لقناة السويس، منطقة "تيدا - السخنة"، والتي مثلت نموذجا ناجحا للتعاون الصناعي، حيث تحتضن نحو 185 شركة صينية تنشط في مجالات متعددة، كما ساهمت شركات صينية كبرى في مشاريع البنية التحتية العملاقة، مثل حي الأعمال في العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة ، وتطوير الموانئ، ومحطات الطاقة المتجددة، وقطار العاشر من رمضان الكهربائي السريع وكذلك قطاع الاتصالات والرقمنة.

وتلعب مصر دورا محوريا في مبادرة الحزام والطريق، بوصفها بوابة بين آسيا وإفريقيا، فضلًا عن موقعها الجيوسياسي الذي يعزز من قدرتها على الربط بين الممرات التجارية الكبرى وبما يسهم في النهوض التنموي في مصر والدول المشاركة في تلك المبادرة الكبرى، كما شكل انضمام مصر إلى تجمع بريكس اعتبارا من أوائل عام 2024 خطوة نوعية في تموضعها الاقتصادي والدبلوماسي، ومنح علاقتها مع الصين بعدا متعدد الأطراف.

ثقافيا، لطالما شكل التبادل الثقافي والشعبي عنصرا أصيلا في العلاقات بين البلدين، نظرا للثراء الحضاري الذي تحمله كل من مصر والصين، وتزايدت مؤخرا أعداد الطلاب المصريين في الجامعات الصينية، كما توسع نشاط معاهد كونفوشيوس في الجامعات المصرية، إلى جانب مبادرات فنية وسينمائية وتراثية، وتزداد وتيرة التدفق السياحي الصيني إلى المزارات الأثرية والسياحية في مصر مع زيادة خطوط الطيران المباشر بين البلدين والأعجاب الملحوظ بالمعالم التاريخية القديمة.

سياسيا، تشترك القاهرة وبكين في رؤية تقوم على احترام سيادة الدول، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية، واعتبار التنمية مفتاحا للأمن والاستقرار، وقد ساندت مصر دائما مبدأ صين واحدة ووحدة الأراضي الصينية، كما دعمت الصين حقوق مصر التنموية وأمنها المائي وأيدت المساعي المصرية في القضايا الإقليمية، خصوصا في الملف الفلسطيني، وسعت الدولتان إلى تنسيق متزايد في مكافحة الإرهاب، والتعاون مع الدول العربية في إطار منتدى التعاون العربي - الصيني، وكذلك دعم التنمية الإفريقية في إطار برامج منتدى التعاون الصيني- الإفريقي.

وتمثل الزيارة المرتقبة لرئيس مجلس الدولة الصيني لمصر، فرصة لتوسيع التعاون في ملفات حيوية مثل الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية وصناعة الدواء وكذلك الزراعة والأمن الغذائي ونقل التكنولوجيا في المجال الصناعي، بالإضافة إلى متابعة مشروعات الاستثمار في البنية التحتية الذكية والمستدامة، أخذا في الاعتبار مسؤولياته المباشرة في تخطيط السياسات الاقتصادية الصينية الوطنية والدولية والإشراف على تنفيذ خططها المختلفة.

لقد أثبتت السنوات العشر الأخيرة أن العلاقات بين مصر والصين نموذج لشراكة شاملة قائمة على الاحترام والثقة والتفاهم والمصالح المشتركة، وأنه مع تسارع التغيرات والتحديات الدولية تزداد الحاجة إلى شراكات قائمة على احترام السيادة، والتوازن، والاعتمادية، وهو ما تجسده العلاقات المصرية - الصينية.

ملاحظة المحرر: السفير عاصم حنفي سفير مصر السابق لدى جمهورية الصين الشعبية خلال الفترة من 2022 - 2025.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة آراء وكالة أنباء ((شينخوا)).

صور ساخنة