غزة 7 يوليو 2025 (شينخوا) يترقب الفلسطينيون في قطاع غزة بحذر وأمل نتائج جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، التي انطلقت مساء أمس الأحد في العاصمة القطرية الدوحة، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار شامل ينهي حربا استمرت أكثر من عشرين شهرا.
وقال مصدر فلسطيني مطلع على المباحثات لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الجولة الحالية من المفاوضات بدأت مساء أمس، مضيفا أن الجلسة الأولى ركزت بشكل خاص على مناقشة آلية توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة، فيما استؤنفت الجولة الثانية اليوم (الإثنين).
كما قال سامح أبو شعبان، وهو من سكان مدينة غزة، لوكالة أنباء ((شينخوا)): "ننتظر بفارغ الصبر الإعلان عن وقف إطلاق النار وانتهاء هذه الحرب الطويلة"، مضيفا، لقد عانينا من الدمار والجوع والموت والنزوح، نريد فقط العيش بسلام وأمان.
وأشار إلى أن الأوضاع في غزة بلغت حدا غير محتمل، معبرا عن أمله في أن تضع هذه الجولة من المفاوضات حدا للمعاناة وتمهد لبدء عملية إعادة الإعمار، قائلا: "نحن وأطفالنا نستحق أن نعيش حياة كريمة مثل شعوب العالم".
-- "رد إيجابي" من حماس وتعديلات محدودة
وفي تطور بارز يوم الجمعة الماضي، أعلنت حركة حماس أنها قدمت ردا "إيجابيا" إلى الوسطاء على المقترح المحدث لوقف إطلاق النار، والذي قدم من قبل قطر استنادا إلى مبادرة المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
وجاء في بيان صادر عن الحركة أنها قدمت ردها للوسطاء، بعد أن أنهت مشاوراتها الداخلية وأيضا مع الفصائل الفلسطينية، مؤكدة "الاستعداد الجاد للدخول في مفاوضات حول آلية تنفيذ المقترح".
ويتضمن المقترح وقفا لإطلاق النار لمدة ستين يوما، يتم خلالها إطلاق سراح نحو عشرة من الرهائن الإسرائيليين الأحياء، إلى جانب تسليم 18 جثة، مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين يتم الاتفاق عليه خلال المفاوضات.
وقال مصدر فلسطيني لـ((شينخوا)) إن حماس أبدت ملاحظات محدودة على المقترح القطري، موضحا أن هذه التعديلات تتعلق بعدة نقاط، منها انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق معينة في القطاع، وإعادة العمل بآلية توزيع المساعدات عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وضمان استمرار المفاوضات بعد انتهاء مدة الستين يوما، من أجل التوصل إلى اتفاق دائم لوقف الحرب.
غير أن هذه التعديلات لم تلق قبولا لدى الجانب الإسرائيلي، حيث أعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفضها، واصفا إياها بأنها "غير مقبولة".
رغم ذلك، أشار المكتب في بيان رسمي إلى أن نتنياهو وافق على إرسال وفد تفاوضي إلى الدوحة للمشاركة في المباحثات غير المباشرة استنادا إلى المقترح القطري الذي وافقت عليه إسرائيل سابقا.
-- معاناة إنسانية مستمرة وآمال بوقف الحرب
وفي شوارع غزة وأماكن الإيواء، يتابع السكان التطورات الجارية بترقب كبير، إذ يعلق كثيرون آمالهم على هذه الجولة من المحادثات لوقف النزيف المستمر منذ أشهر طويلة.
وأعرب عمر الأشقر، وهو أب فقد اثنين من أبنائه وأشقائه الأربعة في قصف إسرائيلي سابق، عن أمله في أن تكون هذه الجولة مختلفة عن سابقاتها.
وقال لوكالة أنباء ((شينخوا)) "نأمل أن تتوقف الحرب هذه المرة فعلا، لم يعد لدينا وقت حتى للحزن على من فقدناهم"، مضيفا، "حتى اليوم لا أعرف أين دفن أبنائي وأشقائي، أتمنى أن أزور قبورهم قبل أن أموت".
وفي مركز للإيواء في قلب مدينة غزة، يجلس أبو علاء حلس، رجل مسن نزح من مدينة بيت حانون شمال القطاع، وقد بدا عليه الحزن والغضب أثناء حديثه.
وقال حلس لـ((شينخوا)): "يجب على الوفد المفاوض أن يدرك أن غزة لم يبقَ فيها حجر على حجر، لقد مات الشباب والأطفال والشيوخ، ويجب أن تتوقف هذه الكارثة في أسرع وقت".
وأشار إلى حفيده الصغير الجالس في حضنه قائلًا "فقد هذا الطفل والده ووالدته وأخواته في الحرب، ولم يتبق له أحد، فهل يعقل ألا يكون له الحق في العيش بأمان؟".
أما أم رامي، وهي نازحة من مدينة بيت لاهيا، إلى شمال مدينة غزة، فتقول إنها فقدت زوجها وابنتها خلال الحرب، واضطرت إلى العمل على صناعة الخبز في فرن طيني داخل أحد مراكز الإيواء لإعالة أبنائها الآخرين.
وأضافت لـ((شينخوا)): "أصنع الخبز للناس بينما لا أستطيع شراء كيلو طحين لأطفالي، هذه معاناة لا توصف"، لكنها رغم كل ذلك عبرت عن أملها بأن تؤدي هذه المفاوضات إلى نهاية النزاع.
وقالت بنبرة ممزوجة بالحزن والتفاؤل: "أريد فقط أن أعود إلى بيتي، وأزور قبر زوجي وابنتي، وأن أعيش في بلد يسوده الأمن والاستقرار".
-- تحديات سياسية وإنسانية
ويواجه الطرفان تحديات سياسية معقدة قد تعيق التوصل إلى اتفاق نهائي، إذ يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطا من اليمين المتشدد الرافض لأي اتفاق يتضمن وقف الحرب دون "حسم نهائي" مع حماس، فيما تسعى حركة حماس إلى ضمانات واضحة بخصوص إنهاء الحصار وبدء الإعمار والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
ويرى مراقبون أن انخراط الأطراف الدولية، خصوصا قطر والولايات المتحدة ومصر، في رعاية المفاوضات قد يسهم في تقريب وجهات النظر، إلا أن التجارب السابقة تدعو إلى الحذر.
وقال الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "قبول حماس للمبادرة بشكل مبدئي يعكس إدراكا متزايدا لدى الحركة بضرورة التفاعل مع الجهود الدولية الجادة، خصوصا في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية".
وأضاف "من ناحية سياسية، هذه الجولة تحمل عناصر أكثر نضجا من سابقاتها، حيث يتقدم الطرح القطري باعتباره صيغة وسطية تتجنب التصعيد، وتمنح الطرفين هامشا للتفاوض دون تنازل مبكر عن أوراق القوة".
من جهته، يرى الدكتور عدنان سمارة، محلل سياسي وأكاديمي مقيم في رام الله، أن توقيت الجولة الحالية يرتبط أيضا بمستجدات إقليمية ودولية.
وقال لـ((شينخوا)) "تزايد الضغط الأمريكي على الحكومة الإسرائيلية، وتنامي الاهتمام الأوروبي بالوضع الإنساني في غزة، جعلا من الضروري تحريك المسار التفاوضي مجددا".
وأضاف "في الوقت ذاته، فإن حماس تحاول الاستفادة من الزخم الإنساني والسياسي من أجل فرض ملف تبادل الأسرى كأولوية، وهو ما يضيف مزيدا من التعقيد على بنود الاتفاق".
ووفق الأمم المتحدة، يعيش أكثر من 80% من سكان قطاع غزة في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، في ظل تدمير واسع للبنية التحتية وشح في المواد الغذائية والطبية، واستمرار أزمة النزوح الجماعي.
ورغم الصورة القاتمة، فإن الفلسطينيين في غزة يعلقون آمالا كبيرة على نجاح الجهود الدبلوماسية الجارية، آملين أن تضع حدا لمعاناتهم الطويلة.
وقال المواطن أحمد بشير من مدينة غزة لـ((شينخوا)) "كل يوم نعيشه في الحرب هو خسارة جديدة، نريد أن نبدأ حياة جديدة على أنقاض ما تهدم، ونأمل أن يكون هناك غد أفضل".