القاهرة 9 يوليو 2025 (شينخوا) قال أحمد سلام، المستشار الإعلامي السابق بسفارة مصر في بكين والخبير بالشأن الصيني، إن العلاقات بين مصر والصين تعمقت بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة على مختلف الأصعدة، لا سيما على مستوى الصداقة المتبادلة بين الشعبين، موضحا أن مصر استلهمت العديد من التجارب الدولية الناجحة في خططها التنموية، وكانت التجربة الصينية نموذجا فريدا يستحق الدراسة والتأمل.
وأضاف سلام خلال مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا أن التجربة الصينية، لا سيما في مجالات التنمية الاقتصادية، ومكافحة الفقر، ومكافحة الفساد، والتخطيط طويل الأجل برزت كنموذج فريد استطاع تحقيق قفزات تنموية غير مسبوقة، مشيرا إلى أن الصين نجحت في المزج بين هذه المجالات الثلاثة، وهو ما مكّنها من أن تصبح قوة اقتصادية عالمية في زمن قياسي.
وأشار الخبير المصري إلى أن مصر تتابع عن كثب التجارب الناجحة في مجال الإدارة والحوكمة، وتستلهم منها العديد من السياسات والممارسات التي أثبتت نجاحها، مسلطا الضوء على أن مصر، بدءا من مشروعات البنية التحتية الضخمة وصولا إلى إستراتيجيات التنمية المستدامة وبرامج الحماية الاجتماعية، اعتمدت نهجا مشابها لما قامت به الصين مع تكييفه ليتناسب مع خصوصياتها الوطنية.
كما لفت سلام إلى أن الطفرة الهائلة التي شهدتها مصر خلال الأعوام الماضية تُعد تطبيقا عمليا للعديد من جوانب الحوكمة الصينية، مضيفا أن هذه الجوانب تتجلى بوضوح في ثلاثة محاور رئيسية. يتمثل المحور الأول في التخطيط الإستراتيجي طويل الأجل والمشروعات الكبرى، حيث تبنّت مصر نموذج التخطيط الإستراتيجي طويل المدى، كما يتضح في "رؤية مصر 2030" التي تركز على التنمية المستدامة. وقد تم تنفيذ مشروعات ضخمة ضمن هذا الإطار، أبرزها العاصمة الإدارية الجديدة، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وشبكة الطرق القومية.
واعتبر أن هذا النهج يشبه إلى حد كبير التجربة الصينية في التخطيط الحضري وتطوير البنية التحتية، لا سيما أن هذه المشروعات نجحت في جذبت استثمارات صينية ضخمة، مما عزز من دور مصر كمركز إقليمي للصناعة والتجارة.
وتابع سلام قائلا إن المحور الثاني يتمثل في مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة، مشيرا إلى أن مصر تبنت نهجا صارما في هذا المجال، على غرار حملة "ضرب النمور والذباب" التي أطلقتها الصين. وأوضح أن مصر اتخذت إجراءات صارمة لمكافحة الفساد من خلال هيئة الرقابة الإدارية وبالتعاون مع الأجهزة المعنية، ما انعكس إيجابا على مناخ الأعمال والاستثمار.
واستكمل سلام حديثه عن تلك المحاور، قائلا إن المحور الثالث يكمن في مكافحة الفقر وتعزيز التنمية الاجتماعية، موضحا أن مصر تبنّت نهجا شبيها بالبرنامج الصيني للقضاء على الفقر، وذلك عبر مشروعات مثل "حياة كريمة" و"تكافل وكرامة"، التي ساعدت في تحسين مستويات المعيشة في القرى الأكثر احتياجا، إلى جانب تطوير البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، بما أسهم في تعزيز التنمية الريفية الشاملة.
ومن ناحية أخرى، أشار سلام إلى وجود ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في تطبيق بعض جوانب التجربة التنموية الصينية في مصر. أولها، الالتزام السياسي والإرادة القوية كما هو الحال في الصين، موضحا أن تنفيذ هذه المشروعات في مصر لم يكن مجرد خطط على الورق، بل حظي بدعم قوي من القيادة السياسية، مما ساعد في تحقيق نتائج ملموسة.
وتابع قائلا إن العامل الثاني يتمثل في التنفيذ التدريجي وفق خطط واضحة، ملمحا إلى أن نجاح تجربة الصين في القضاء على الفقر جاء عبر مراحل مدروسة، وهو النهج الذي اعتمدته مصر أيضا من خلال مبادرات تستهدف المناطق الأكثر احتياجا أولا، ثم التوسع التدريجي. أما العامل الثالث، فأكد أنه يتمثل في التكامل بين الدولة والقطاع الخاص، حيث رأى أن مصر استفادت من الخبرة الصينية في دمج القطاع الخاص في خطط التنمية، كما يتجلى في الاستثمارات المشتركة في البنية التحتية والمناطق الصناعية.
وسلط سلام الضوء على أهمية زيادة التعاون في مجال تبادل الخبرات بين مصر والصين، من خلال ورش عمل وبرامج تدريبية، وتعزيز الشراكة في التكنولوجيا والابتكار، خاصة في مجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
وشدد على أن التجربة الصينية لا تعد مجرد نموذج للتنمية في الصين فحسب، بل يمكن تطبيقها بمرونة في دول أخرى كثيرة، خاصة في أفريقيا ودول المنطقة العربية، مع ضرورة مراعاة التكيف مع الخصوصيات المحلية لضمان تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي.
واختتم سلام حديثه قائلا إن مصر ليست فقط شريكا اقتصاديا للصين، بل أصبحت أيضا نموذجا لتطبيق بعض جوانب التجربة الصينية في الحوكمة والتنمية، مشيرا إلى أنه مع استمرار التعاون بين البلدين، يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة تعزيزًا أكبر لهذا النهج، بما يسهم في تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية مستدامة في مصر.