الخرطوم 9 يوليو 2025 (شينخوا) كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية ظهرا عندما بدأ جسد السبعينية سعدية عبد الفراج يرتجف تحت خيمتها المصنوعة من قماشٍ مهترئ لا يقي حرا ولا يحجب أشعة الشمس الحارقة في مخيم للنازحين بمدينة بورتسودان.
حاولت ابنتها ومضة تبريد أجزاء من جسد والدتها بقطعة قماش مبللة، بينما تستخدم حفيدتها (الهبابة)، وهي مروحة يدوية مصنوعة من سعف النخيل، لتحريك الهواء وتلطيف الجو، لكن حتى الهواء كان يغلي.
وبأنفاس متقطعة، قالت سعدية لوكالة أنباء ((شينخوا)) "أنا مصابة بأمراض عدة منها ضغط الدم والسكري، أعاني بشدة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ومع عدم توفر الكهرباء نضطر لاستخدام وسائل تقليدية منها الهبابة وتبليل الثياب".
وأضافت "هذا العام درجات الحرارة مرتفعة للغاية، ومع تواصل انقطاع الكهرباء فان المعاناة تتضاعف".
واضطرت سعدية إلى التوقف عن استخدام الأنسولين، وهو علاج رئيسي لمرض السكري، وقالت "حاولت استخدام بدائل لحفظ الأنسولين في ظل عدم توفر الكهرباء وعدم توفر ثلاجات في المخيم، وكنت أقوم بوضع الأنسولين في حافظات للثلج، ولكن الطريقة لم تنجح".
فيما قالت ابنتها ومضة "حرارة والدتي مرتفعة منذ البارحة، لم نجد أي طريقة لتخفيف الحرارة غير الوسائل التقليدية مثل تبليل الثياب واستخدام الهبابة".
وأضافت بنبرة مشبعة باليأس "مع ارتفاع الحرارة، فإن الخيمة مصنوعة من القماش والبلاستيك، بينما أعمدتها وقوائمها الرئيسية من الحديد، وكل هذه المكونات تقوم بامتصاص الحرارة وعكسها نارا على أجسادنا".
وفي العاصمة السودانية الخرطوم التي ما تزال تشهد انقطاعا متكررا للتيار الكهربائي، أصبحت موجة الحر التي تضرب المدينة بمثابة عدو يومي يلاحق السكان الذين يواجهون نقصا حادا في الخدمات الأساسية، ولاسيما الكهرباء والمياه.
وفي حي الإنقاذ بمنطقة جنوب الحزام، تجلس إيثار أحمد، على سرير من الخشب، وهي تبلل ثوبها بالماء، كوسيلة تقليدية لمقاومة ارتفاع درجات الحرارة بالعاصمة السودانية الخرطوم.
ومنذ أواخر العام 2023، لم تعد الكهرباء إلى منطقة جنوب الحزام، وهي المنطقة التي ظلت إيثار (47 عاما) متواجدة فيها رغم المعارك العنيفة التي استمرت لما يقارب العامين.
ومع وصول درجات الحرارة إلى أكثر من 47 درجة، وفقا للهيئة العامة للأرصاد الجوية (حكومية) تلجأ إيثار وبقية أفراد عائلتها إلى استخدام تقنيات تبريد تقليدية لمقاومة ارتفاع درجات الحرارة، مثل الاستحمام بالماء البارد وتبليل الثياب بالماء والتلويح باليد على الوجه.
وقالت إيثار لـ((شينخوا)) "نحاول تبليل الثياب بالماء وكذلك تبليل الأرض من أجل الحصول على نسمة هواء باردة، ولكن حتى الماء غير موجود".
وتابعت "أطفالي يعانون بسبب الحر، وبعضهم مرضى بسبب ارتفاع درجات الحرارة، أملنا الوحيد أن يبدأ موسم الأمطار الذي تأخر كثيرا هذا العام".
وفي مدينة القولد بأقصي شمالي السودان، يلجأ سكان المدينة إلى حيل متعددة ووسائل تقليدية للتغلب على ارتفاع درجات الحرارة، حيث تصل ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى أكثر من عشر ساعات يوميا.
ووصف علي الزبير، وهو مواطن من مدينة القولد، منازل السكان بأنها "أفران مشتعلة" بسبب الحرارة المرتفعة.
وقال الزبير لـ((شينخوا)) "يبدو أن هذا هو الصيف الأسخن في شمال السودان، لا نستطيع البقاء بالمنازل أثناء ساعات النهار، انها عبارة عن أفران مشتعلة".
وأضاف "نخرج الي ظل الأشجار، او إلى النهر للاستحمام، أما النساء فلا يخرجن من المنازل ويقمن بتعليق الأقمشة والحصير المبلل على فتحات النوافذ من الخارج من أجل تبريد الهواء".
-- تحذيرات رسمية
وحذرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية في السودان من تأثيرات محتملة لموجة الحر التي تشهدها مناطق متفرقة من البلاد، ولاسيما انتشار بعض الأمراض.
وقالت الهيئة في بيان اليوم إن العاصمة الخرطوم، ومدينة بورتسودان الساحلية ومدينة دنقلا في أقصى شمال السودان، تسجل أعلى درجات حرارة في البلاد، إذ تجاوزت معدل 47 درجة مئوية، وذلك بالتزامن مع انقطاع متكرر للكهرباء.
وأرجع رئيس وحدة الإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية الدكتور أبو القاسم إبراهيم ارتفاع درجات الحرارة بوسط وشرق وشمال السودان إلى تعمق منخفض السوداني الحراري وانتقاله شمالا وشرقا.
وقال إبراهيم لـ ((شينخوا)) إن "هذه الظاهرة مستمرة بسبب تغييرات مناخية كبيرة يشهدها السودان مؤخرا مما يتطلب تدابير رسمية وشعبية".
وأضاف " لمواجهة تأثيرات إرتفاع درجات الحرارة لابد من وضع تدابير متعلقة بالاحتياطات الصحية، والتحسب لانتشار الأوبئة والأمراض، وتوقع طقس متطرف يتمثل في ارتفاع درجات الحرارة وهطول أمطار غزيرة ورياح عالية".
وحذرت وزارة الصحة السودانية من التداعيات المحتملة لموجة الحر الذي تشهده مناطق عدة يف البلاد.
وأعلن مركز عمليات الطوارئ التابع لوزارة الصحة في تقرير أمس (الثلاثاء) بدء تفشي مرض السحائي بتسجيل 186 إصابة بالمرض، بينها 15 حالة وفاة في سبع ولايات متفرقة خلال أسبوع واحد.
ووفقا للتقرير، فإن مناطق وسط السودان وشمال وشرق السودان شكلت بؤرة انتشار المرض.
وتسهم درجات الحرارة المرتفعة والازدحام ونقص التهوية في تسريع انتشار مرض السحائي، وهو من الأمراض المعدية، وتصل نسبة الوفيات بسبب المرض إلى 10% من الإصابات، وفقا لتقارير سابقة لوزارة الصحة السودانية.
-- تحذيرات مناخية
وبينما تستمر موجة ارتفاع درجات الحرارة بمناطق واسعة في السودان، أطلق خبير بالبيئة والمناخ في السودان تحذيرات بشأن استمرار موجة الحر، وتزايد خطرها.
وقال الخبير في مجال البيئة والمناخ الدكتور تاج السر بشير "تسجل درجات الحرارة ارتفاعا ملحوظا لاسيما في وسط وشرق وشمال السودان، ومن الممكن أن يكون للمناخ المتطرف تأثيرات كارثية".
وأضاف بشير لـ((شينخوا)) "في وسط السودان وشماله فإن لموجات الحر تأثيرات سالبة على النشاط الزراعي، إذ يؤدي إلى انخفاض الانتاجية الزراعية في بلد يعاني نقص الغذاء بسبب الحرب".
وتابع "أما في شرق السودان، فإن موجة الحر تضاعف من معاناة السكان في مدينة بورتسودان الساحلية والتي تشتهر بالرطوبة العالية، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تفشي كبير لبعض الأمراض وخاصة السحائي".
وأرجع بشير موجة الحر المتكررة في السودان إلى التغيرات المناخية، وقال "مؤخرا يشهد السودان زيادة ملحوظة في درجات الحرارة، ونقص في هطول الأمطار، وزيادة في الظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الحر والجفاف، يعود هذا بالأساس إلى التغيرات المناخية".
ولمواجهة التأثيرات المحتملة لارتفاع درجات الحرارة، وجّهت وزارة التربية والتعليم بالولاية الشمالية، اعتبارا من 6 يوليو الجاري، مدارس الولاية بإنهاء اليوم الدراسي بجميع المراحل الدراسية عند الساعة الثانية عشرة ظهرا وبداية اليوم الدراسي عند الساعة السابعة صباحا.
ويشهد السودان انقطاعا متكررا للتيار الكهربائي، يصل إلى نحو 18 ساعة يوميا في مدن مثل أم درمان شمالي العاصمة السودانية الخرطوم.
وتنفذ شركة الكهرباء السودانية ما تسميه "برمجة القطوعات"، وذلك بسبب خروج عدد من المحطات الحرارية عن الخدمة جراء الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلفت عشرات آلاف القتلى وملايين النازحين داخل وخارج البلاد.