الصفحة الرئيسية >> العالم العربي

تعليق: حل أزمة البحر الأحمر بحاجة الى المزيد من الإخلاص وبعد النظر

منذ بداية هذا الشهر، شنّت إسرائيل غارات جوية على أهداف في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، وصعّدت الأخيرة هجماتها على السفن التجارية الإسرائيلية في البحر الأحمر. وقد أدّى ذلك إلى توتر الوضع في البحر الأحمر، الذي كان قد بدأ يهدأ مؤخرًا، ولا تزال سلامة الممرات الملاحية في البحر الأحمر تُثير قلقًا واسع النطاق في المجتمع الدولي.

يُعدّ البحر الأحمر أحد الممرات المائية المهمة للشحن العالمي. ويشكل، إلى جانب قناة السويس، "الممر المائي الأوراسي"، الذي يمر عبره ما يقرب من 12% من التجارة العالمية. ومنذ اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أكتوبر 2023، توتر الوضع الأمني ​​في البحر الأحمر فجأةً، ثم شهد تقلبات. كحلقة وصل رئيسية في "قوس المقاومة"، أعلنت القوات المسلحة الحوثية آنذاك أنها ستشن هجمات على سفن تابعة للولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل في مياه البحر الأحمر، دعمًا للفلسطينيين في قطاع غزة، وردًا على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. واندلعت أزمة الشحن في البحر الأحمر، وتأثرت حركة الشحن الدولي عبر هذا الممر المائي المزدحم بشدة. واضطرت بعض شركات الشحن الدولية إلى تغيير مساراتها، وارتفعت تكلفة النقل البحري بشكل حاد. ومع استمرار التوتر، توسعت أزمة البحر الأحمر، مما أثر على السلسلة الصناعية العالمية وسلسلة التوريد، وأدى إلى اضطراب التجارة العالمية.

في مارس 2025، أمرت الحكومة الأمريكية فجأةً باستخدام "القوة المميتة الساحقة" لشن غارة جوية واسعة النطاق ضد القوات المسلحة الحوثية. وحتى أوائل مايو، توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتعهدا بعدم مهاجمة بعضهما البعض، بما في ذلك عدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لضمان انسيابية حركة التجارة والشحن الدوليين. مما خفف من حدة أزمة الممر المائي في البحر الأحمر إلى حد ما، وازداد عدد السفن المارة. وتشير البيانات إلى أنه من سبتمبر من العام الماضي إلى مايو من هذا العام، ارتفع عدد السفن المارة عبر مياه البحر الأحمر بنسبة 60%، ليصل إلى ما بين 36 و37 سفينة يوميًا. وفي أغسطس من العام الماضي، بلغ عدد السفن المارة عبر البحر الأحمر ما بين 20 و23 سفينة فقط يوميًا.

وفي الوقت الذي كان فيه المجتمع الدولي يتزايد تفاؤله بشأن استعادة حركة الملاحة في البحر الأحمر إلى طبيعتها، أدى اندلاع الصراع الإسرائيلي الإيراني، إلى جانب الهجوم الإسرائيلي الأخير على القوات المسلحة الحوثية، إلى تفاقم الوضع في البحر الأحمر. ورغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة، لم تتوقف القوات المسلحة الحوثية عن استهداف السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل، مؤكدةً أنها ستواصل "عملياتها البحرية" حتى رفع الحصار عن قطاع غزة ووقف إسرائيل لعملياتها العسكرية. ونتيجةً لذلك، وصلت أزمة الشحن في البحر الأحمر إلى منعطف جديد متوتر بعد قرابة عامين من اندلاعها وسلسلة من التقلبات والمنعطفات.

يُظهر استعراض اندلاع أزمة البحر الأحمر وتطورها أن هذا ليس نتيجة جولة جديدة من التداعيات أو التحفيز المباشر للصراع الفلسطيني الإسرائيلي فحسب، بل أيضًا للأسباب الكامنة مثل الانتكاسات في عملية السلام الداخلية في اليمن والتغيرات الجذرية في الوضع العام في الشرق الأوسط. ففي عام 2011، تغير الوضع الداخلي في اليمن فجأة، وبدأت القوات المسلحة الحوثية في النمو. وبفضل وساطة مجلس التعاون الخليجي، بدأت عملية المصالحة السياسية الداخلية في اليمن بصعوبة، وهي متعثرة منذ أكثر من عقد. ومع ذلك، مع المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران في عام 2023، هناك أمل في حل أزمة اليمن. وعلى نحوٍ غير متوقع، عطّلت الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي اندلعت في أكتوبر من ذلك العام، وتيرة المصالحة السياسية والتنمية في الشرق الأوسط، وهُمّشت قضية المصالحة الداخلية والتحول السياسي في اليمن. إضافةً إلى ذلك، شمل اندلاع الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والصراع الإسرائيلي الإيراني القوات المسلحة الحوثية، ما أثار تساؤلاتٍ جديدة حول موعد إحراز تقدم جديد في الملف اليمني.

الصين تحافظ دائماً على موقفها بشأن الوضع في البحر الأحمر، وهو معارضة أي إجراء من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم تصعيد الوضع في البحر الأحمر. وفي الاجتماع العلني لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن في 9 يوليو الجاري، حثت الصين الحوثيين مرة أخرى على احترام حقوق الملاحة للسفن التجارية لجميع الدول في البحر الأحمر وفقًا للقانون الدولي، والتوقف عن مهاجمة السفن التجارية، والحفاظ على سلامة الممرات المائية في البحر الأحمر. وفي الوقت نفسه، أكدت الصين أيضاً أن تدهور الوضع في البحر الأحمر يرجع إلى العديد من العوامل المعقدة، بما في ذلك الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والصراع الإسرائيلي الإيراني، والجولة الجديدة من تبادل إطلاق النار بين إسرائيل والحوثيين. كما دعت جميع الأطراف المعنية إلى التزام الهدوء وضبط النفس لتجنب تصعيد الوضع.

على المدى البعيد، يعتمد الحل الجذري لأزمة البحر الأحمر على عودة اليمن إلى مسار المصالحة السياسية. في الواقع، ساهم دعم الصين السابق للمصالحة السعودية الإيرانية في خلق ظروف مواتية، بشكل مباشر وغير مباشر، للتحول السياسي الداخلي في اليمن، وقد أظهر الوضع في اليمن في السابق اتجاهًا إيجابيًا للتطور. إلا أن جولة جديدة من الاضطرابات في الشرق الأوسط دمرت هذه البيئة، وتسببت في امتداد الآثار السلبية لأزمة اليمن إلى البحر الأحمر، بل وحتى إلى الشرق الأوسط الأوسع. لذلك، تتوقع الصين من جميع أطراف الصراع في اليمن إظهار الإرادة السياسية، وتعزيز الحوار والتواصل، وبناء الثقة المتبادلة تدريجيًا، وتهيئة الظروف للحل السياسي النهائي للقضية اليمنية.

علاوة على ذلك، لا ينفصل حل قضيتي اليمن والبحر الأحمر عن انفراج الوضع العام في الشرق الأوسط. فقد طال أمد الحرب في قطاع غزة، ولا تزال الأزمة الإنسانية مستمرة، بل وتتفاقم. وقد كثّف المجتمع الدولي جهود الوساطة، لكن الجهود ذات الصلة أُحبطت. في نهاية المطاف، يكمن المخرج الأساسي من القضية الفلسطينية في تطبيق "حل الدولتين" بدلًا من الوقوع مرارًا وتكرارًا في فخ "محاربة العنف بالعنف". وإن استعادة السلام في غزة وفتح البحر الأحمر وتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، لن يكون ممكنا إلا إذا أظهرت جميع الأطراف المعنية المزيد من الإخلاص وبعد النظر، وتعزيز وقف إطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن، وحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية على أساس "حل الدولتين".

(ترجمة من المقالة بقلم ليو تشونغ مين، أستاذ معهد دراسات الشرق الأوسط، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية)

صور ساخنة