الصفحة الرئيسية >> الأعمال والتجارة

تعليق: ما دلالات ارتفاع حجم المبادلات التجارية الصينية-السعودية؟

أظهرت بيانات الجمارك الصينية أن حجم التجارة الثنائية بين الصين والمملكة العربية السعودية قد بلغ في مايو 2025 نحو 9.007 مليارات دولار أمريكي، محققا نموا بـ 29% على أساس سنوي، وهو ما وضع السعودية ضمن أكبر عشر دول من حيث معدل نمو الصادرات الصينية.

ورغم أن هذا الرقم يبدو صغيرا مقارنة بإجمالي التجارة الخارجية الصينية لعام 2024، التي بلغت 6.2 تريليون دولار، بواقع 5.27 مليار دولار شهريا، إلا أنه يعكس اتجاها جديدا ومميزا في تطور العلاقات الصينية السعودية.

وتُعد السعودية أكبر شريك تجاري للصين في العالم العربي، كما أن الارتفاع الكبير في حجم التبادل التجاري بين البلدين لا يقتصر على الأرقام فقط، بل يشمل تحولا نوعيا في طبيعة البضائع المتبادلة، وحجم الاستثمارات، واتجاهاتها، ما يعكس اتجاها جديدا للتعاون لا بين الصين والعالم العربي فقط، بل بين الصين وبلدان الجنوب العالمي بشكل أوسع.

وقد حافظت الصين لعدة سنوات متتالية على مكانتها كأكبر شريك تجاري للدول العربية، ورغم ذلك، لا يزال التعاون التجاري بين الجانبين يتمتع بإمكانات كبيرة للنمو. ويعتمد هذا التعاون تقليديا على تصدير النفط من الدول العربية إلى الصين، في مقابل تصدير المنتجات الصناعية الصينية إلى العالم العربي، في نموذج متوازن من الشراكة الاقتصادية.

ومع اقتراب استهلاك الصين للنفط من ذروته، وسعي الدول العربية المتواصل نحو إعادة التصنيع والتنويع الاقتصادي، برزت بعض المخاوف بشأن إمكانية تراجع نمو التجارة الصينية-العربية. لكن ما يُثبت عكس هذه التوقعات، هو النمو القوي الذي أظهرته التجارة الصينية-السعودية، إذ بلغ حجم التجارة الصينية-العربية عام 2024 أكثر من 400 مليار دولار، مقارنة بـ 104.7 مليار دولار فقط لحجم التجارة بين الولايات المتحدة والدول العربية في العام نفسه.

ووفقًا لمعدلات النمو بين الصين ودول الخليج خلال الفترة ما بين 2010 و2023، من المتوقع أن يتجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج بحلول عام 2027 حجم تجارة هذه الدول مع الدول الغربية.

كما يُتوقع أن تُشكّل الاستثمارات الثنائية المحور الجديد للعلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية، بعدما كان التبادل التجاري هو الدعامة الأساسية لتلك العلاقات، في ظل ضعف ملحوظ في حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة سابقا.

لكن المشهد شهد تغيّرا كبيرا خلال العامين الماضيين، ففي عام 2023، جاءت جميع الدول العشر الأولى التي استقبلت استثمارات خضراء مباشرة من الصين من الدول النامية، وضمن المراتب الخمس الأولى كانت هناك ثلاث دول عربية، هي: السعودية، مصر، والمغرب، وجميعها استقبلت استثمارات صينية تتجاوز المليارات.

وفي عام 2024، سجّلت استثمارات الصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث بلغت نحو 15 مليار دولار لكل منطقة.

وباتت الصين اليوم أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية ضمن مشاريع الاستثمارات الخضراء، إذ بلغ إجمالي الاستثمارات بين 2021 وأكتوبر 2024 نحو 21.6 مليار دولار، منها ثلث تقريبا موجه إلى مشاريع الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والبطاريات. وفي المقابل، بلغ إجمالي الاستثمارات الأمريكية في السعودية خلال الفترة نفسها 12.5 مليار دولار فقط.

وفي تصريح سابق، عبّر وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن رغبة بلاده في الاستفادة من الخبرة الصينية في مجال التنمية الخضراء، وتوسيع آفاق التعاون في مجال الطاقة المتجددة.

لا يقتصر تحوّل الاستثمارات على السعودية، بل يشمل بقية دول الخليج أيضا. فلطالما كانت هذه الدول توجه استثماراتها النفطية بشكل أساسي نحو الأسواق الغربية. فعلى سبيل المثال، خصّصت شركة "مبادلة" للاستثمار في أبوظبي قرابة 50% من أصولها الخارجية للولايات المتحدة، في حين لم تتجاوز استثماراتها في الصين 2%.

وفي الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 وحدها، حققت 9 مليارات دولار، في ذات الوقت، بلغ إجمالي استثمارات الصناديق السيادية العربية عالميا نحو 55 مليار دولار، ذهبت 16% منها إلى الصين. كما قام صندوق الاستثمارات العامة السعودي خلال الفترة من 2022 إلى 2024 باستثمار 6.6 مليار دولار في آسيا، أي ما يعادل ضعف استثماراته في الثلاث سنوات التي سبقتها. وقد قلّص الصندوق بشكل ملحوظ استثماراته في السوق الأمريكية، من 42 مليار دولار في السابق إلى 20 مليارا فقط بحلول مارس 2025.

وتدلّ هذه المؤشرات على أن دول الخليج بصدد إعادة تشكيل استراتيجياتها الاستثمارية العالمية، مع تزايد ملحوظ لدور الصين فيها.

ومن بين القطاعات الصناعية، تُعد التكنولوجية المتقدمة واحدة من أبرز المجالات التي تكتسب أهمية متزايدة في العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية. فبفضل تفوّقها التكنولوجي في الطاقة الجديدة، والسيارات الكهربائية، والذكاء الاصطناعي، والرقائق الإلكترونية، تُعيد الصين تشكيل مكانتها في المنطقة.

وتعد الصين الاقتصاد الأكثر تنافسية عالميا من حيث تكلفة تصنيع جميع مكونات سلسلة إمداد الطاقة الشمسية، إذ تقلّ تكلفتها بنسبة 10% عن الهند، و20% عن الولايات المتحدة، و35% عن أوروبا، مما يجعلها شريكا رئيسيا للدول العربية في مسارات التحول في قطاع الطاقة.

وبحسب بيانات التجارة الصينية السعودية لشهر مايو، سجّلت بطاريات الليثيوم أعلى معدل نمو في الصادرات الصينية إلى السعودية. كما استحوذت العلامات التجارية الصينية للهواتف الذكية على 37% من سوق الشرق الأوسط، متفوقة بذلك على آبل وسامسونغ.

وفي سياق مشابه، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير بتاريخ 16 يوليو أن الولايات المتحدة لا تزال تناقش التفاصيل النهائية لاتفاق تصدير 500 ألف شريحة ذكاء اصطناعي من شركة "إنفيديا" إلى الإمارات، وهو الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال زيارة ترامب للمنطقة في مايو.

لكن بعض الجهات داخل الإدارة الأمريكية تعارض الصفقة لدواعٍ أمنية، بينما يحذّر آخرون من أن شركة هواوي الصينية تستعد لتوفير شرائح مماثلة للأسواق الخليجية، وإذا استمرت واشنطن في التردّد، فقد تفقد حصتها في هذه السوق المتنامية لصالح الصين.

ويرى عدد من الخبراء الأمريكيين أن الصين باتت تمثل منافسا لا يمكن تجاهله للولايات المتحدة في سوق التكنولوجيا في الشرق الأوسط، وتلعب دورا محوريا في التحول متعدد الأقطاب.

(ترجمة من المقالة بقلم نيو شين تشون، أستاذ المعهد الصيني للدراسات العربية، جامعة نينغشيا)

صور ساخنة