الصفحة الرئيسية >> الصين

تعليق: إعادة بناء الثقة الدولية بات أمراً ملحاً

 تعد الثقة حجر الزاوية في التعاون بين الدول، وتتطلب جهودًا مُشتركة من المجتمع الدولي للحفاظ عليها. على مدى العقود القليلة الماضية، وبفضل الثقة المُتبادلة والتعاون بين الدول، تطوّرت العولمة الاقتصادية بسرعة، مُبشّرةً بفترة من الازدهار والنمو للاقتصاد العالمي. إلا أنّ الثقة المُتبادلة بين القوى الكبرى اليوم تتآكل بسرعة، وباتت الثقة العالمية هشة، والانتعاش الاقتصادي العالمي بطيء. لقد أصبح انعدام الثقة "سرطانًا" يُقوّض السلام والتنمية العالميين، ويُمزّق التوافق العالمي، ويُقوّض أسس السلام والاستقرار، ويُلحق ضررًا بالغًا بالتعاون الدولي، ويدفع العالم إلى حافة الانقسام والمواجهة، بل وحتى الصراع. ويُشير "مقياس التعاون العالمي 2025" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن التعاون العالمي قد وصل إلى حالة ركود شاملة. وأن المجتمع الدولي بحاجة بشكل عاجل إلى التفكير في الأسباب الجذرية لهذه المشكلة والسعي المشترك لإيجاد حلول لها. فهذا لا يؤثر على الرخاء والاستقرار العالميين فحسب، بل يؤثر أيضًا على مستقبل البشرية ومصيرها.

لقد أدى فشل القوى الكبرى في الوفاء بوعودها إلى تآكل أسس الثقة العالمية، وخلق شكوكًا متنوعة، وتفاقم انعدام الثقة. وللحفاظ على هيمنتها، دفعت بعض الدول بالشعبوية والمغامرة والأحادية إلى أقصى حدودها، محاولةً إعادة تشكيل النظام الدولي من خلال الضغط الشديد: الانسحاب التعسفي من المجموعات وخرق العقود لتقويض جدية النظام الدولي، وإساءة استخدام التعريفات الجمركية والعقوبات الأحادية الجانب والسلطة القضائية طويلة الذراع لتقسيم التجارة العالمية، والترويج لـ"فك الارتباط وكسر السلاسل" لتشويه السوق والتأثير على سلسلة التوريد. وعلقت مجلة "الشؤون الخارجية" الأمريكية، بأن الولايات المتحدة لا تفهم الآن سوى الإكراه، لا الإقناع، فهي تؤمن فقط بالإنفاق العسكري ولا تقدس الثقة. وعندما تنظر الدول المهيمنة إلى الالتزامات الدولية باعتبارها أوراق مساومة وتتعامل مع السوق العالمية باعتبارها أراضيها الخاصة، فإن العالم لن يضطر إلا إلى ابتلاع فوضى القواعد غير المنظمة، والأسواق المضطربة، والقلق الأمني.

يشهد المشهد الدولي تحولات جذرية، وقد حوّلت بعض الدول مفهوم الأمن إلى سلاح في الحرب الجيوسياسية، سعيًا وراء ما يُسمى "الأمن المطلق"، ما يُثير جنون الارتياب في كل شيء. "من يحمل مطرقة يرى مسامير في كل مكان". هذه الدول، المتخوفة من فقدان هيمنتها على النظام العالمي، شوّهت تصوراتها للتهديدات، مُصنّفةً جميع أشكال الترابط على أنها "تهديدات"، وهي تُوسّع نطاق مفاهيم الأمن التقليدية لتشمل مجالات أقل سياسية وغير أمنية، مثل التجارة والعلوم والتكنولوجيا والعلوم الإنسانية، مُخضعةً إياها لـ"الأمن القومي" أو الأجندات السياسية. إن السماح لعقلية "الأمننة الشاملة" هذه بالهيمنة على السياسة الخارجية سيُطلق حتمًا حلقة مفرغة من "معضلة الأمن"، مما يؤدي إلى تراجع حاد في الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وتصاعد المنافسة، و"تسليح" سلاسل التوريد، وزيادة كبيرة في الإنفاق العسكري، مما يؤدي في النهاية إلى تقويض التفاعلات الطبيعية بين الدول، ولن يكون أحدًا رابحًا.

تتمسك بعض الدول بنظرية التفوق المؤسسي، واقعةً في فخ التفكير الثنائي، مُصنّفةً الدول ذات الخلفيات الثقافية والأنظمة السياسية المختلفة على أنها "غير صادق"، وترى مسارات التنمية المختلفة تحدياتٍ نظامية. ويتطور العالم من بنيةٍ مُهيمنةٍ تُسيطر عليها حضارةٌ واحدةٌ ودولةٌ واحدة، إلى بنيةٍ تعددية. وبعض الدول تُطبّق بعنادٍ نهج الحرب الباردة، مُضخّمةً العداء تجاه الدول الأخرى، ومُصعّدةً التنافس التنموي الطبيعي إلى مواجهةٍ مؤسسية. كما تُواصل هذه الدول اختلاق نظريات "التهديد" و"الفخاخ" المُختلفة لزرع الفتنة والانقسام. ومن خلال تشكيل زمرٍ حصريةٍ و"مجتمعات عقوبات"، تُحاول هذه الدول قمع تنمية الدول الأخرى والحفاظ على نظام تحالفٍ مُتراجع. وإن هذا الاختلاق المُصطنع لما يُسمى "التفوق الحضاري" و"صراع الحضارات"، واستخدام الأيديولوجيا لتقسيم القيم الإنسانية المُشتركة، لا يكشف عن خوفهم من تيار التاريخ فحسب، بل يُمزّق أيضًا أسس الثقة التي يعتمد عليها المجتمع البشري.

أكد الرئيس شي جين بينغ بعمق على أن الثقة هي أفضل ركيزة في العلاقات الدولية. ومع تسارع التحول الذي لم يشهده العالم منذ قرن، تقف التنمية البشرية عند منعطف حرج. لذا، فإن التشاور والتفاهم المتبادل، ومعالجة انعدام الثقة، وإعادة بناء الثقة الدولية أمورٌ حتمية. وينبغي للمجتمع الدولي أن يعمل معًا على أربعة أبعاد:ـ

البعد الأول، ينبغي على القوى الكبرى بناء الثقة: ينبغي عليها أن تكون قدوة، وأن تفي بالتزاماتها، وأن تلتزم بالمبادئ، وأن تعزز العدل، وأن توحد المصالح، وأن تعطي الأولوية للعدل. كما ينبغي عليها أن تعترف بالمصالح الجوهرية والهموم الرئيسية لبعضها البعض وتحترمها، وأن توضح خط الأساس، وأن تتجنب سوء الحكم، وأن تضمن عدم خروج المنافسة عن السيطرة وعدم تصاعد الصراع.

البعد الثاني، التنمية المشتركة: استرشادًا بالمصالح المشتركة للبشرية جمعاء، يجب أن نتخلى تمامًا عن التفكير الصفري. كما ينبغي أن نعيد تشكيل اقتصاد عالمي مفتوح من خلال تعاون رفيع المستوى ذي منفعة متبادلة، وتوسيع نطاق المصالح المشتركة، وجعل ثمار التنمية المصدر الأكثر استقرارًا للثقة.

البعد الثالث، تمكين التعددية: ينبغي أن نتمسك بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأن نشجع الإصلاحات المنهجية، وأن نعزز التمثيل والشفافية والعمل. كما ينبغي إعطاء الأولوية للسعي إلى المكاسب القابلة للقياس والتحقق في القضايا الملحة مثل تغير المناخ، والصحة العامة، والذكاء الاصطناعي، وأن نعزز مصداقية التعددية من خلال إجراءات ملموسة.

البعد الرابع، التعلم المتبادل بين الحضارات: يجب علينا أن نعمل بقوة على توسيع التبادلات بين الشعوب والعلاقات الثقافية، وتعزيز التفاعل في التعليم والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والشباب، وتجاوز الحواجز الإيديولوجية، وجعل الروابط بين الشعوب الأساس الأكثر متانة لتعزيز الثقة العالمية.

تلتزم الصين بأقوالها وأفعالها لتعزيز التضامن والثقة المتبادلة في المجتمع الدولي. مسترشدةً برؤية بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، وتتمسك الصين بتعددية الأطراف الحقيقية، وكانت رائدة في مبادرات التنمية العالمية، ومبادرات الأمن العالمي، ومبادرات الحضارة العالمية، مقدمةً حلاً صينيًا لمعالجة عجز الثقة. كما تسعى الصين إلى تحقيق تنمية عالية الجودة إلى جانب الانفتاح رفيع المستوى، وتدعو إلى عولمة اقتصادية شاملة، وتشجع على تطوير اقتصاد عالمي مفتوح. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق الأخضر، قدمت الصين وحشدت أكثر من 177 مليار يوان صيني من الأموال المتعلقة بتغير المناخ للدول النامية الأخرى. وحتى أكتوبر 2024، وقعت الصين 53 مذكرة تفاهم بشأن التعاون فيما بين بلدان الجنوب بشأن تغير المناخ مع 42 دولة نامية. كما ارتفع عدد الدول التي تتمتع بإعفاءات أحادية أو متبادلة من التأشيرات إلى 75 دولة، وارتفع عدد الدول التي تتمتع بإعفاء من التأشيرة إلى 55 دولة، ومن المتوقع أن يعزز ذلك أكثر من 10 ملايين عملية تبادل بين الأشخاص سنويًا. وتُظهر الحقائق أن الصين، برؤيتها العالمية لتطوير الذات والسعي لتحقيق الصالح العام، لم تكتفِ بترجمة التزاماتها تجاه العالم إلى وثائق، بل حققت أيضًا نتائج مشتركة عالميًا. "في ظل عدم الاستقرار العالمي الناجم عن الأحادية وتأثيرها على النظام التجاري متعدد الأطراف، لعبت الصين دورًا رائدًا ووفرت استقرارًا قيّمًا للعالم". "بصفتها دولة رئيسية مسؤولة، وفرت منصة مهمة لدول الجنوب العالمي للاستفادة من مسيرة التنمية الصينية وتحقيق تنميتها الذاتية". "يشهد الوضع الدولي الحالي تطورًا عميقًا. وبصفتها دولة رئيسية، تلعب الصين دورًا لا غنى عنه في مواجهة التحديات العالمية". ... يُشيد المجتمع الدولي هكذا بمسؤولية الصين الواضحة كدولة رئيسية في تعزيز الثقة المتبادلة الدولية، ويتوقع منها أن تلعب دورًا أكبر في الحفاظ على السلام والتنمية العالميين.

إن إعادة بناء الثقة الدولية لا تتطلب الوقوف متفرجين ومكتوفي الأيدي. فالحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، وحتى المواطنين الأفراد، مُلزمون بتبديد التعصب بالعقل وتبديد الشكوك بالثقة. وفي نهاية المطاف، سوف تنير البشرية الليل المظلم بحكمة التعاون، وتحدد مسار سفينة عصرنا المضطربة، وتبحر معًا نحو مستقبل سلمي ومزدهر ومستدام.

صور ساخنة