بكين 27 نوفمبر 2025 (شينخوا) مع إسدال الستار على معرض "على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة" في متحف شانغهاي هذا الصيف، الذي شهد إقبالا غير مسبوق وسجل أرقاما قياسية من حيث عدد الزوار ومبيعات التذاكر، من المتوقع أن تُعرض قريبا 250 قطعة من الآثار المصرية النفيسة في متحف القصر بهونغ كونغ، في خطوة تجسد الجهود الرامية إلى تعميق التبادلات الإنسانية بين الصين ومصر تحت توجيه قيادتي البلدين.
ويظهر الشغف بالحضارة المصرية أيضا في ازدياد عدد السياح الصينيين المتحمسين لزيارة المتحف المصري الكبير الذي افتتح مؤخرا، إلى جانب استمرارية الأعمال الأثرية التي يقوم بها فريق التنقيب الصيني-المصري المشترك في منطقة سقارة ضمن موسم التنقيب الرابع، سعيا وراء استكشاف أسرار الحضارة الفرعونية القديمة.
وقد تزايد الإقبال على زيارة المعارض المتعاقبة للآثار المصرية ليصبح ظاهرة من الهوس بالحضارة المصرية القديمة، فيما تحظى الفعاليات المرتبطة بعيد الربيع الصيني وثقافة الشاي الصيني واللغة الصينية باهتمام متزايد من مواطني الدول الشرق أوسطية يوما بعد يوم. وهكذا، تحولت التبادلات الإنسانية النابضة بالحيوية والنشاط إلى جسر للتعارف والتقارب بين الشعب الصيني والشعوب العربية.
-- "نحن في انتظاركم في مصر"
في يوم افتتاح المتحف المصري الكبير رسميا، دخل السائح الصيني وانغ تشي قوه المتحف في الصباح الباكر مع الدفعة الأولى من السياح القادمين من مختلف أنحاء العالم. وكانت أجنحة المتحف مكتظة بالزوار، حيث تجاوز عددهم في اليوم الأول حوالي 18 ألف زائر. وقال وانغ بحماس إن "المتحف المصري الكبير يمثل بطاقة ثقافية متميزة لمصر، واليوم أصبحت السفريات السياحية والتبادلات التجارية بين الصين ومصر نشطة، كما تنوعت الأنشطة الثقافية بين البلدين".
يقع المتحف على هضبة الجيزة بالقرب من الأهرامات وأبو الهول، ويمتد على مساحة تقارب 500 ألف متر مربع، مطلا على الأهرامات ليضفي رابطا رمزيا بين هذا الصرح الجديد وإحدى عجائب الدنيا السبع القديمة. ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي حقبا تمتد لآلاف السنين من تاريخ مصر، مما يجعله أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة.
وفي الأول من نوفمبر، بعث الرئيس الصيني شي جين بينغ رسالة تهنئة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمناسبة افتتاح المعرض المصري الكبير، قال فيها إنه "من المشجع رؤية التواصل بين الحضارتين العريقتين، مع ازدياد التقارب بين الشعبين من خلال التفاهم والألفة المتبادلين"، مشيرا إلى أنه "ينبغي على الصين ومصر، وهما حضارتان عريقتان، مواصلة تعميق التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات، وضخ زخم جديد في تطوير شراكتهما الاستراتيجية الشاملة، والمساهمة بقوة الحضارات في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية".
وأعرب الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي للمتحف المصري الكبير، لوكالة أنباء ((شينخوا)) عن شكره للرئيس شي جين بينغ على رسالة التهنئة التي بعث بها إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، مشيرا إلى أن ذلك يُبرز الاهتمام المستمر من القيادة بالتبادلات الثقافية بين البلدين.
ووصف غنيم المتحف المصري الكبير بأنه "هدية مصر للعالم"، موجها دعوته للسياح الصينيين قائلا "عليكم الحضور لرؤية أقدم حضارة أخرى بجانب حضارتكم، ونحن في انتظاركم في مصر، وتحديدا في المتحف المصري الكبير".
من جهته، قال الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، إن تطلعات الرئيس شي جين بينغ لتعميق التبادل الحضاري التي وردت في الرسالة لاقت صدى واسعا، مؤكدا أن تعزيز الحوار بين الثقافات يعد أحد المهام الرئيسية للمتحف المصري الكبير.
وكان معرض "على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة"، الذي أشار إليه الرئيس شي في رسالته، حدثا ثقافيا بارزا في شانغهاي، نظمه متحف شانغهاي والمجلس الأعلى للآثار بمصر معا، واستمر لمدة 13 شهرا حتى 17 أغسطس. وقد قال الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن هذه النافذة الثقافية سمحت لمزيد من الناس في الصين بالاقتراب من الحضارة المصرية وفهمها.
أما يان هاي يينغ، الأستاذة في كلية التاريخ بجامعة بكين، وشيويه جيانغ، الباحث في مركز الدراسات المصرية بمعهد تاريخ الفن العالمي بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، اللذان كانا من أبرز منظمي المعرض، فقد أكدا أن المعرض كان "ممارسة ناجحة لتعظيم الاستفادة من الاكتشافات والبحوث الأثرية في تعزيز التبادل الحضاري، حيث كانت العديد من القطع المعروضة من ثمار مشاريع التنقيب الأثري المشتركة بين الصين ومصر".
-- "نواصل العمل بلا توقف"
تحت أشعة الشمس الحارقة وفي ظل العواصف الرملية، لم يتوقف فريق التنقيب الصيني-المصري المشترك عن العمل جنبا إلى جنب في منطقة سقارة، بين أطلال المعابد وجدرانها العتيقة. فمنطقة سقارة تقع على بعد حوالي 30 كيلومترا جنوب القاهرة، وهي واحدة من أهم مواقع الحضارة المصرية القديمة، حيث توجد فيها عدة أهرامات ومقابر فرعونية.
وتصل درجات الحرارة في المنطقة أحيانا إلى أكثر من 50 درجة مئوية، وبسبب ضيق المقابر التي تشهد أحيانا نقصا في الأكسجين، يضطر الفريق الأثري الصيني إلى الزحف للوصول إلى الداخل، ومع ذلك يواصل الفريق عمله بجد واجتهاد رغم هذه الظروف الصعبة.
وفي هذا الصدد، ذكر شيويه جيانغ، رئيس الفريق الأثري الصيني، أن "الحر في الصحراء شديد، والظروف داخل المقابر معقدة، مع حدوث انهيارات متكررة، لكننا نواصل العمل بلا توقف. فذات مرة، أثناء مسح القطع الأثرية داخل مقبرة، انهارت طبقة من الرمال فوقنا فكدت أكون 'مومياء' حديثة العهد".
منذ إطلاق مشروع التنقيب المشترك في سقارة عام 2022، استخدم الفريق الصيني تقنيات رقمية متقدمة مثل المسح الدقيق، والتصوير متعدد الأطوال الموجية، وإعادة البناء ثلاثي الأبعاد، الأمر الذي أعاد "حياة جديدة" لمواقع مثل معبد باستت. وفي نهاية كل مواسم التنقيب السابقة، نالت التقارير والدراسات التي قدمها الفريق الصيني إعجاب الدكتور محمد إسماعيل خالد، حيث قال إنهم لم يأتوا بأجهزة متقدمة فحسب، بل حولوا علم الآثار من مجرد تنقيب أثري إلى بحث علمي.
وتعمل الصين ومصر على ابتكار نمط جديد للتعاون في مجال الآثار، من خلال تشكيل فريق بحثي متعدد التخصصات، وإنشاء مشاريع بحثية ومختبرات علمية مشتركة، وبرامج لتنشئة الطلبة، ومنصات للتبادل الأكاديمي.
كما يدل استمرار التعاون الأثري على اتساع نطاق التبادل بين الحضارتين الصينية والمصرية. ففي أغسطس الماضي، وقع الطرفان مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الآثار البحرية والتراث المغمور بالمياه. كما يجري الآن تنقيب مشترك في موقع بممفيس، بالإضافة إلى العمل معا على ترشيح تلال بايخهليانغ الصينية ومقياس النيل المصري لإدراجهما ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
-- "نحافظ على التنوع الحضاري"
قال الأستاذ محسن فرجاني، عالم الصينيات المصري البارز، إن رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس شي جين بينغ جاءت في توقيت مناسب، وتسلط الضوء على العلاقة الطويلة بين الحضارتين المصرية والصينية، وتعكس عمق الصداقة بين البلدين.
يذكر أن فرجاني، أستاذ اللغة الصينية بجامعة عين شمس، وهو أول عربي يحصل على جائزة "الإسهام المتميز في الكتاب الصيني"، وقد ترجم العديد من الأعمال الكلاسيكية الصينية مثل كتاب ((محاورات كونفوشيوس)) وكتاب ((الأغاني)) الذي يضم أقدم مجموعة من قصائد الشعر الصيني القديم وكذلك كتاب ((سياسات الدول المتحاربة))، ونشر العديد من الأعمال الأدبية الصينية أيضا في العالم العربي.
وأوضح فرجاني أنه في السنوات الأخيرة، ظل منكبا على ترجمة الكتب المهمة عن الثقافة الصينية التقليدية. ووضع مطبوعة من كلمات الرئيس شي جين بينغ حول تبادل الحضارات والتعلم من بعضها البعض على مكتبه، لتصبح دليلا له في عمله.
وأشار إلى أن المتاحف تشكل منصة مهمة لنقل التاريخ والثقافة، وربط الماضي بالمستقبل، مضيفا أن محتوى رسالة التهنئة يُظهر اهتمام الرئيس شي جين بينغ وتشجيعه المستمرين للتبادل الحضاري بين الصين ومصر، وكذلك بين الصين والعالم العربي.
وفي خطابه الرئيسي عند افتتاح القمة الصينية العربية الأولى في ديسمبر 2022، استعرض الرئيس شي جين بينغ تاريخ التقدير المتبادل بين الحضارتين الصينية والعربية، والتعلم والاستفادة المتبادلين، قائلا "إننا ندعو سويا إلى الحوار بين الحضارات ونناهض التمييز الحضاري ونحافظ على التنوع الحضاري في العالم".
وفي أبريل 2023، رد الرئيس شي على رسالة فنانين عرب بارزين، مشجعا إياهم على كتابة فصل جديد من التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارة الصينية والحضارات العربية في العصر الجديد. وفي مايو 2024، قال الرئيس شي في كلمة رئيسية خلال مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني-العربي، إن الصين ستعمل مع الجانب العربي لجعل العلاقات الصينية-العربية نموذجا للحفاظ على السلام والاستقرار العالميين، ومثالا على التعاون عالي الجودة في إطار الحزام والطريق، ونمطا للتعايش المتناغم بين الحضارات، ونموذجا لتعزيز حوكمة عالمية جيدة. كما أعرب شي عن استعداد الصين للتشارك مع الجانب العربي في إقامة المركز الصيني-العربي لمبادرة الحضارة العالمية.
تجدر الإشارة إلى أن القمة الصينية العربية الثانية ستعقد في عام 2026 بالصين. وهناك يقين راسخ بأن التبادلات الثقافية المتزايدة بين الصين والعالم العربي، ستفتح آفاقا جديدة أوسع وأروع للتبادلات الإنسانية والحضارية.


الصين تصدر تميمة عام الحصان
زفاف صديق للبيئة: المحاصيل بدلا من الورود والهدايا جاهزة للالتقاط
جينهوا، تشجيانغ: استخدام روبوتات التفتيش والنقل الذكية للصوب الزراعية رسميًا
هامي، شينجيانغ: حيوانات صغيرة "تنمو" من ثقوب الأشجار
عاملات النظافة في جامعة داليان للغات الأجنبية يبدعن مظلّات مصنوعة من الجنكة
شينغان، جيانغشي: حصاد الفطر الأسود
"ياقوت أمريكا الشمالية" يتجذر في بلدة صغيرة في الصين
خفي، الصين: أول روبوت تعليمي بشري بالحجم الكامل في العالم يُدرّس فصلًا دراسيًا
ذرة الزينة في يوننان، حبّاتها مثل الأحجار الكريمة
تسليم أول سفينة نقل ركاب كبيرة الحجم تعمل بالوقود المزدوج إلى إيطاليا
طيار يتجول بمركبته الصغيرة فوق ساحة بهانغتشو
ثمار الموز في قوانغشي تبدأ دخول الأسواق