الصفحة الرئيسية >> العلوم والتكنولوجيا

اكتشاف أدوات خشبية في يوننان يعيد كتابة تاريخ التكنولوجيا في آسيا

اكتشاف أدوات خشبية في يوننان يعيد كتابة تاريخ التكنولوجيا في آسيا

7 يوليو 2025/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ في كشف علمي مثير، أعلن فريق بحثي صيني عن اكتشاف أثري استثنائي في موقع غانتانغجينغ بمقاطعة يوننان جنوب غرب الصين، حيث عُثر على أقدم الأدوات الخشبية في شرق آسيا يعود تاريخها إلى 300 ألف عام. هذا الاكتشاف الذي نُشر في مجلة "ساينس" المرموقة يوم 4 يوليو الجاري، يسلط الضوء على قدرات الإنسان القديم وإبداعاته التكنولوجية التي طالما أغفلها التاريخ.

وعثر الباحثون على 35 أداة خشبية محفوظة بشكل جيد داخل طبقات رسوبية عميقة يتراوح عمقها بين 3.5 إلى 7 أمتار تحت سطح الأرض. هذه الأدوات التي أطلق عليها الباحثون اسم "عصي الحفر" تظهر علامات تصنيع واضحة، وكانت تستخدم بشكل رئيسي لاستخراج جذور النباتات الصالحة للأكل من التربة.

وذكر الباحثون أن ما يجعل هذا الاكتشاف مهمّا من الناحية العلمية، هو ندرة العثور على الأدوات الخشبية التي تعود إلى العصر الحجري القديم، بسبب قابلية الخشب للتحلل. وفي هذا السياق، قال الأستاذ لي تشاو، رئيس الفريق البحثي: "إن حفظ هذه الأدوات بهذه الجودة لمدة 300 ألف عام هو معجزة حقيقية، ويعود الفضل في ذلك إلى الظروف الجيولوجية الفريدة للموقع."

ويقول العلماء، أن هذا الاكتشاف يكتسب أهمية كبرى لعدة أسباب. أولا، دحض النظريات القديمة القائلة بأن البشر في شرق آسيا كانوا "متخلفين تكنولوجيا"، مقارنة بنظرائهم في أفريقيا وأوروبا بسبب بساطة أدواتهم الحجرية. حيث يثبت هذا الاكتشاف أنهم طوروا تقنيات متقدمة في صناعة الأدوات الخشبية.

ثانيا، يثبت هذا الاكتشاف نظرية الأدوات الخشبية، حيث كانت في السابق نظرية "فرضية الخيزران والخشب" تشير إلى اعتماد شرق آسيا على هذه المواد أكثر من الحجر. أما الآن فقد بات لدى العلماء الدليل المادي الذي يؤكد الاستنتاجات الجديدة.

ثالثا، تنوع استراتيجيات البقاء، فبينما اعتمد الأوروبيون على صيد الحيوانات الكبيرة، يظهر هذا الاكتشاف أن سكان شرق آسيا قد طوروا كذلك نظاما معقدا لجمع النباتات باستخدام أدوات متخصصة.

وتكشف البقايا النباتية المصاحبة للأدوات الخشبية عن نظام غذائي متنوع يشمل المكسرات (مثل الصنوبر والجوز) والفواكه (مثل التوت والعنب والكيوي). كما عُثر على أدلة لاستخدام النار، مما يشير إلى أن هؤلاء البشر القدماء ربما كانوا يطهون بعض هذه الأطعمة.

يذكر أن دراسة هذه الأدوات ظلت تفرض تحديات كبيرة على الباحثين بسبب هشاشتها. فيما استخدم الفريق البحثي الصيني تقنيات متطورة مثل التصوير ثلاثي الأبعاد والمجهر الإلكتروني لتحليل أدق التفاصيل دون الإضرار بالقطع الأثرية. كما يخطط الفريق لمواصلة الحفريات في المنطقة المجاورة، حيث يعتقدون أن الموقع قد يحوي المزيد من الأسرار عن حياة الإنسان القديم في شرق آسيا.

وأشار الباحثون إلى أن الاكتشاف يغير فهمنا للتطور البشري من عدة نواحٍ. فهو يُظهر أن التطور التكنولوجي للإنسان لم يكن خطيا، بل اتخذ مسارات مختلفة حسب البيئة والمواد المتاحة. كما يؤكد على أهمية دراسة المناطق المدارية في فهم التطور البشري، والتي كانت مهملة نسبيا في الأبحاث السابقة. ويفتح الباب لإعادة تقييم العديد من المواقع الأثرية الأخرى في المنطقة التي قد تحتوي على أدوات خشبية لم يتم التعرف عليها سابقا.

صور ساخنة