الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

نصف قرن من العطاء، الفرق الطبية تزرع أزهار الصداقة في المغرب جيلا بعد جيل

يُصادف هذا العام الذكرى الخمسين لإيفاد الصين أول فريق طبي إلى المغرب. وعلى مدى نصف قرن مضى، عبرت دفعات متتالية من الكوادر الطبية الصينية المحيطات نحو المغرب، ليقدّموا المساعدة الطبية في المناطق الجبلية النائية، وينقذون الأرواح ويداوون الجراح على أطراف الصحراء القاحلة. وكانوا دائما رسل حب ورحمة من الصين للسهر على صحّة وسلامة الشعب المغربي.

في سبتمبر عام 1975، دخل أول فريق طبي صيني من بلدية شنغهاي، مستشفى الحسن الثاني في مدينة سطات المغربية، فاتحا بذلك فصلا جديدا في سجل التعاون الطبي بين الصين والمغرب. ومنذ ذلك الحين، توالت على هذه المهمّة 197 بعثة طبية من مستشفيات كبرى في شنغهاي، ضمّت أكثر من 2000 طبيب وممرض.

من بين هذه البعثات، كان هناك أطباء وممرضين حديثو الزواج ودّعوا أسرهم ولبّوا نداء الواجب، وأطباء شباب مفعمون بالحيوية، إلى جانب خبراء تجاوزوا الخمسين من العمر.

ورغم الغربة وصعوبة ظروف العيش في المناطق النائية، تغلبت البعثات الطبية الصينية على التحديات بكفاءاتها المهنية العالية وتفانيها. وتأقلمت بسرعة مع البيئة الجديدة، وكرّس الأطباء والممرضون أنفسهم لخدمة المرضى، واضعين صحة السكان المحليين نصب أعينهم.

خلال هذه العقود الخمسة، عالجت الفرق الطبية الصينية في المغرب نحو 5.88 مليون مريض. واستقبلت أكثر من 840 ألف حالة، وأجرت ما يزيد عن 550 ألف عملية جراحية. أنقذت أرواح أطفال وُلدوا في ظروف حرجة، وأعادوا البصر لفاقديه، وخففوا آلام المرضى، وأعادوا الأمل إلى من كان في حالة يأس.

ولم تقتصر جهود البعثات الطبية الصينية على العلاج، بل ساعدوا أيضا في إرساء بروتوكولات تشخيص وعلاج موحدة، وتبرعوا بمعدات طبية حديثة، وبذلوا جهودا حثيثة للارتقاء بمستوى الخدمات الصحية في المغرب. وقد لقيت هذه الجهود إشادة من المسؤولين المغربيين، حيث قال الأمين العام السابق لوزارة الصحة المغربية، عبد العزيز مزيان بلفقيه ذات مرة، "لقد قدّمت الفرق الطبية الصيني، بروح ملؤها التفاني والمسؤولية، مساهمات لا تُقدّر بثمن في حماية صحة الشعب المغربي وتحسين منظومته الطبية."

غير أن مهمة الفرق الطبية الصينية لم تقتصر على الطب فقط، فقد مثلت أيضا جسرا إنسانيا للتواصل بين الشعبين. ففي مواجهة الجوائح والأزمات، ومنها الزلزال العنيف الذي ضرب المغرب عام 2023، ثبتت أُطر الفريق الطبي في مواقعها، وقدّموا الرعاية والطمأنينة للمنكوبين، واضعين حياة الإنسان فوق كل اعتبار، وساعين إلى تجاوز المحن جنبا إلى جنب مع الشعب المغربي. ومن خلال هذه المواقف، تعززت أواصر الصداقة، وازدادت القلوب قربا.

الطبيب الحقيقي لايعرف الحدود، والصداقة الحقيقية لا تبهت مع الزمن. فقبل خمسين عاما، كان الدكتور تشانغ بايغن، من مستشفى رينجي التابع لكلية الطب بجامعة شنغهاي جياوتونغ، قائد أول بعثة طبية صينية إلى المغرب. وهناك، أقام صداقة متينة مع الممرضة المغربية خديجة، صداقة امتدت لخمسين عاما. وفي لمسة إنسانية مؤثرة، التقيا مجددا بعد نصف قرن، وقد بلغا من العمر عتيّا، وتبادلا دموع الفخر والذكريات، تجسيدا حيّا لما تمثله تلك التجربة من قيمة عاطفية وإنسانية عظيمة. وكان ذلك مثالا على تضحيات مئات من الأطباء الصينيين الذين أمضوا أزهار شبابهم في "حديقة شمال إفريقيا"، فأينعت شجرة الصداقة الصينية المغربية وتصلّب عودها وارتفع طولها.

خمسون عاما من ارتداء البياض درعا، وفاء للوعد المقدس بحماية الحياة، خمسون عاما من التضامن والمساندة، نُسجت خلالها قصة مؤثرة عن الصداقة الصينية المغربية. ورغم العواصف والأنواء، ورغم تعاقب الفصول عاما بعد عام، إلا أن الوفاء لم يتغير، واستمرت المسيرة نحو الأمام بعزم لا يلين.

وستواصل البعثات الطبية الصينية إلى المغرب، من خلال أعمالها الملموسة، رفع شعار "عدم تهيب المشقة، والاستعداد للتضحية، وإنقاذ الأرواح، والحب اللامحدود"، وستسهم بقوة في بناء مجتمع عالمي يشترك الصحة والرعاية، لتكتب فصلا أكثر إشراقا في سجل الشراكة الاستراتيجية الصينية المغربية.

صور ساخنة