تحقيق إخباري: نساء فلسطينيات يعملن في الحقول الزراعية دون الحصول على أبسط حقوقهن العمالية

نابلس أول مايو 2013 / مازالت الحاجة أم محمود (65 عاما) من بلدة جبع في الضفة الغربية تعمل منذ سنوات في الحقول الزراعية لسد رمق عائلتها ولو بقليل من المال.

ورغم أن هذا اليوم هو الأول من مايو الذي يصادف عيد العمال العالمي، إلا أن الحاجة أم محمود تواجدت مع بعض النسوة والرجال في سهل البقيعة شرق بلدة طمون شمال مدينة نابلس لمزاولة عملهم اليومي في جني الخضار.

ويحتفل العالم اليوم الأول من مايو بعيد العمال العالمي، الذي يسلط فيه العمال والحقوقيون الضوء على مطالب وحقوق العمال.

تقول أم محمود وهي تزحف على الأرض ممسكة بمقص تفصل به رؤوس البصل عن سيقانه " طالبنا بأن نحصل على عطلة في هذا اليوم ونجلس في البيت لكن صاحب العمل رفض ".

وتضيف المرأة التي عملت منذ سنوات طويلة في حقول الزراعة، " نحن نعمل بنظام اليوميات، بمعنى أن اليوم الذي نعمل فيه نتقاضى عليه أجرا واليوم الذي لا نعمل فيه لا نأخذ شيئا ".

وتضع أم محمود على رأسها بعض قطع القماش لتقيها أشعة الشمس، مشيرة إلى أن المرأة العاملة في هذا المجال تبذل الكثير من الجهد لتحصل على أجر زهيد لا يكفي لسد حاجياتها.

وتمضي أم محمود التي يقضي ولدها حكما بالسجن لمدة 16 عاما في السجون الإسرائيلية قائلة، "هذا العمل ينتهك جميع حقوق العمال".

وتضيف "نحن نعمل دون توقف منذ الصباح لساعات الظهيرة دون توقف، وفي حال جلسنا لتناول وجبة الفطور يجب علينا تعويض الوقت الذي جلسنا فيه (...) مازالت حقوقنا مهضومة، لا استراحات في العمل، ولا ضمان صحي أو اجتماعي، لقد وصلت إلى حافة القبر وأنا عاملة بالنظام اليومي".

وأعلنت الحكومة الفلسطينية في أكتوبر الماضي، اتفاقها مع النقابات والقطاع الخاص على تحديد حد أدنى للأجور الشهرية بقيمة 1450 شيكل إسرائيلي (الدولار الأمريكي يساوي 3.65 شيكل إسرائيلي).

وإلى جانب، أم محمود نسوة ورجال يعملون في السهل، يؤكدون على أن أصحاب العمل يرفضون زيادة أجرتهم، التي لا تتعدى 50 شيكل يوميا كحد أقصى، أو العمل معهم بنظام العقود من أجل ضمان حقوقهم.

وتقول الأربعينية ام شفاء التي تعيل أسرتها بعد وفاة زوجها، "يتهرب أصحاب العمل من العقود خوفا من أن يجبروا على إعطائنا ضمان صحي أو اجتماعي، وكذلك هروبا من الحقوق التي تتوجب عليهم تجاه العمال مثل الأجازات والاستراحات وتحديد ساعات العمل".

وتضيف أم شفاء، "ها هو اليوم عيدنا، والجميع في إجازات إلا نحن (...) فإلى متى سيبقى هذا الحال البائس؟".

وتستطرد أم شفاء وقد بدا الاحمرار في عينيها من شدة أشعة الشمس، لقد صدر قانون الحد الأدنى للأجور لكنه لم يطبق علينا، ها نحن لم يتغير على وضعنا شيء (..) عمل كبير ومتعب من دون أجر مجزي".

وتزامن وجود هؤلاء العمال تحت أشعة الشمس مع مهرجان أقيم في مدينة رام الله بالضفة الغربية بمناسبة اليوم العالمي للعمال.

وتعهد وزير العمل في السلطة الفلسطينية أحمد مجدلاني خلال المهرجان، بأن يكون العام الجاري هو عام تحقيق الضمان الاجتماعي للعمال في فلسطين.

وقال مجدلاني إن الحكومة عملت خلال الأعوام الماضية على تأمين ضمان صحي مجاني للعمال العاطلين عن العمل ومن تقل أجورهم عن 1500 شيكل شهريا، مشيرا إلى أن حوالي 130 ألف عامل وعاملة استفادوا منه. وقال مجدلاني، "خلال العام الماضي تحققت إنجازات بإقرار الحد الأدنى للأجور حيث أصبح ذلك جزءا من تشريعات العمل لضمان حقوق العمال".

ودعا مجدلاني العمال، إلى التوجه للنقابات العمالية ومكاتب مديريات العمل وتقديم شكاوى بحق من لا يلتزم بالحد الأدنى للأجور لاتخاذ المقتضى القانوني بحقهم.

لكن العاملة ام شفاء بعد أن انتهت من قلع وقص وتعبئة 30 صندوقا (يزن الواحد 20 كيلو غرام) من محصول البصل قالت، "عملنا في السنة الماضية في موسم الخيار لكن رب العمل أكل حقوقنا، وهددناه بأننا سنتقدم برفع شكوى عليه لكنه لم يستجب وقال لنا سأقول أنني لا أعرفكن فليس هناك ما يثبت أنكن تعملن في مزرعتي".

وقاطعتها زميلتها أم محمد ذات البشرة السمراء بفعل حروق الشمس "طلبنا من أصحاب العمل زيادة على أجرتنا اليومية لكنهم رفضوا، وقالوا إن العمال كثر سنجلبهم للعمل بدلا عنكم وبأجر أقل".

وتضيف أم محمد، أن هذا الأمر "جعل الكثير من العمال والعاملات يرضخون للأمر الواقع ويقبلون العمل بأي شيء وبأي أجرة من أجل توفير لقمة عيش لأطفالهم".

وأظهر تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أمس الثلاثاء، أن عدد الفلسطينيين المستخدمين بأجر 574 ألف عامل، بواقع 307 الاف عامل يعملون في الضفة الغربية، و190 ألف عامل يعملون في قطاع غزة، و63 ألف عامل يعملون في إسرائيل، و14 ألف يعملون في المستوطنات الإسرائيلية.

وقدر التقرير عدد العاطلين عن العمل، بـ 256 ألف عاطل من مجموع الأفراد المشاركين في القوى العاملة 15 عاما فأكثر، يتوزعون بين 141 ألف في الضفة الغربية، و115 ألف عاطل عن العمل في قطاع غزة.

وما يثير امتعاض العاملات كثيرا عدم مراعاة مكان العمل لظروف واحتياجات المرأة خاصة، فهن يعملن في سهول زراعية مكشوفة تفتقر إلى الحمامات أو المياه الباردة.

وتوضح النسوة العاملات في الحقل، أن أرباب العمل لا يسمحون لهن بأخذ ما يردن من المحصول لسد احتياجاتهن، فهن يعملن في المحصول ويذهبن إلى السوق لشراء ما يلزمهن.

وقال الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر خلال المهرجان، إن الحد الأدنى للأجور لم يطبق بالكامل ما سيسمح باستمرار استغلال العمال خصوصا العاملات.

وطالب سعد، بضرورة إنصاف فئة العمال "في ظل الغلاء الفاحش الذي لا يتناسب مع الأجور، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من العمل والجهد المشترك"، مؤكدا أن قانون الضمان الاجتماعي من شأنه أن ينصف العمال ويحميهم.

وحث سعد، على مزيد من العمل والشراكة مع منظمة العمل الدولية لوقف "الإذلال الذي يتعرض له العمال الفلسطينيين خصوصا ما يتعلق بطلبهم فرص العمل داخل إسرائيل ومستوطناتها دون أدنى حد من حقوقهم".

وبعد أن انتهت أم محمد وأم شفاء من حصتهن في جني البصل ذهبن لمساعدة الحاجة ام محمود التي ترافقهن يوميا إلى العمل.

تقول ام محمود "إن ما يصبرنا على العمل والذل هو أن الكثير من العمال يشعرون بتعب زملائهم ويقومون بمساعدة البطيء".

وتطالب هؤلاء النسوة، بتوفير ظروف حياة أفضل لهن وخاصة بعد أن كبرن بالسن وأصبحن لا يقوين على إكمال هذا العمل الشاق على أجسادهن وصحتهن التي بدأت بالتراجع.

/مصدر: شينخوا/