بكين 25 ديسمبر 2012 / بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الياباني بفوز الحزب الليبرالي الديمقراطي بأغلبية ساحقة الأسبوع الماضي، من المتوقع أن يتولى زعيم الحزب شينزو آبي منصب رئيس الوزراء غدا الأربعاء. ويرى الخبراء الصينيون أن آبي بعث بعد اختتام الانتخابات بثلاث إشارات توضح جليا نهج سياساته الخارجية والأمنية : تعزيز التحالف الأمريكي - الياباني، وتحسين العلاقات مع دول مجاورة مثل الصين، وعدم تقديم تنازلات بشأن قضية الأراضي .
وفي ظل وجود قيادة جديدة غير واضحة الاتجاهات في اليابان وتوتر العلاقات الثنائية بين البلدين بسبب نزاعهما على جزر دياويو، من المتوقع أن تواجه العلاقات الصينية - اليابانية عوامل عدم يقين في الفترة القادمة، غير أن الخبراء الصينيين يستبعدون إمكانية وقوع مواجهة عسكرية بين البلدين.
-- سياسيا: شينزو آبى ما بين المرونة والتشبث
وأشار الخبراء الصينيون إلى أن فعالية الاستراتيجيات العملية التي سيتخذها آبى بعد توليه مهام منصبه تتوقف على سلاسة سياسته الخارجية الجديدة. وأن قضية جزر دياويو مسألة يتعذر على آبي تجنب مواجهتها إذا أراد حقا تحسين العلاقات الصينية - اليابانية.
ورأى فنغ وى، الباحث في مركز الدراسات اليابانية بجامعة فودان في شانغهاى، أن آبى سياسي محنك وخبير فى إيجاد التوازن وأن فكرته تمحورت حول تحسين العلاقات المتوترة بين الصين واليابان من خلال بذل جهود لاستئناف التعاون وتوسيعه مع الصين في المجالات الاقتصادية والثقافية وغيرهما ، وفي الوقت نفسه عدم التراجع أو تقديم أية تنازل بشأن أراضي جزر دياويو. ويرى آبي أن أخذ مصلحة الجموع بعين الإعتبار والتشبث برأيه في بعض القضايا ليس بالأمرين المتناقضين.
كان آبى قد أدلى مرارا بتصريحات قوية تجاه الصين، ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت بعض المؤشرات على رغبته في "تحسين العلاقات اليابانية - الصينية"، إذ قرر تأجيل ارسال مسؤولين حكوميين إلى جزر دياويو، قائلا إن العلاقات الصينية - اليابانية تعد من أهم العلاقات الثنائية وإنه سيحاول العودة إلى العمل من منطلق علاقات استراتيجية متبادلة المنفعة وإنه يدرس إرسال مبعوث إلى الصين بعد تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال ليان ده قوى، نائب مدير مركز شؤون آسيا -الباسيفيك بمعهد الدراسات الدولية في شانغهاي، إنه لا يمكن اصدار حكم على الاتجاه الذي ستمضى نحوه سياسة آبى الخارجية من مجرد تصريحات أدلى بها بعد فوزه في الانتخابات.
وأضاف أن "آبي لن يسحب على الفور تصريحاته القوية التي أدلى بها أثناء الحملة الانتخابية ، وإلا سيشك الناخبون في مصداقيته. وسيستغرق الأمر وقتا قبل أن يعلن سياساته الجديدة بالتفصيل. علاوة على ذلك، لا يزال هناك معتدلون داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي والحكومة الإئتلافية والمجتمع الياباني، فعلى الرغم من أن التيار اليميني للحزب الليبرالي الديمقراطي سوف يكتسب ميزة سياسية بعد تولى آبى لرئاسة الوزراء، إلا أن هذا لا يعنى بالضرورة تحول المجتمع الياباني برمته إلى اليمين"، مشيرا إلى وجود مسافة بين "التصريحات أثناء الحملة الإنتخابية" و"التصرفات أثناء تولى الإدارة".
ومن أجل نيل المزيد من الدعم ، قرر آبي التوجه إلى الولايات المتحدة في أول زيارة له خارج البلاد بعد توليه لمهام منصبه. كما قدمت الولايات المتحدة بالفعل قبل أيام رسالة طمأنة لليابان بعدما مررت في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين قانون مخصصات الدفاع لعام 2013 الذي اعترف في أحد بنوده بـ"إدارة اليابان" على جزر دياويو.
ولفت الخبراء إلى أن آبى لن يسعى الى تصعيد نزاع اليابان مع الصين قبل الحصول على وعود حقيقية من الجانب الأمريكي الذي لم ينتشل نفسه من مستنقع الشرق الأوسط ويحرص في الوقت ذاته على مصالحه الحساسة مع الجانب الصيني.
وقال ليان ده قوى "إن الموقف الأمريكي يكمن في طمأنة اليابان دون تشجيعها على اتخاذ إجراءات استفزازية. واتضح ذلك جليا بعدما ذكرت الولايات المتحدة أنها تأمل فى أن تتم تسوية النزاع بين الجانبين الصيني والياباني سلميا وألا يتصاعد إلى درجة مواجهة عسكرية".
-- اقتصاديا: الضرر يلحق بالطرفين، والصين قادرة على التعافي
جرت العادة أن تصف وسائل الإعلام العالمية العلاقات الصينية - اليابانية بأنها "باردة سياسيا ودافئة تجاريا"، غير أن الوضع تغير بعد "شراء" الحكومة اليابانية لجزر دياويو.
فقد أشارت الإحصاءات التجارية الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية في 10 ديسمبر الجاري إلى أن حجم الواردات الصينية من اليابان تقلص بواقع 15.1 في المائة في نوفمبر الماضي، ليسجل انخفاضا أكبر مقارنة بأكتوبر الماضي.
وذكر الخبراء الصينيون أنه في ضوء اختلاف نمط التنمية الاقتصادية بالبلدين، فإن الصين لديها قدرة أكبر على تقليل حجم الضرر الواقع عليها.
ومن وجهة نظر جين باى سونغ، الباحث في وزارة التجارة الصينية، فإن المواجهة التجارية بين الصين واليابان تلحق أضرارا بالبلدين، ولكن قدرة الصين على التحمل أكبر بكثير. ويقول إنه مع وضوح نقطة ضعف اقتصاد اليابان والكامنة في اعتمادها على الطلب الخارجي، فإن فرض الصين لعقوبات اقتصادية عليها قد يجعل الاقتصاد الياباني يدفع ثمنا باهظا.
كما ذكر مي جيان وى، الخبير بقطاع التنبؤت الاقتصادية في المركز الوطني الصيني للمعلومات، أن اقتصاد الصين يتمتع بمرونة أكبر في التعامل مع أية اضطرابات، مشيرا الى أن الصين تمتلك سوقا داخلية ضخمة فيما تعد اليابان دولة يعتمد اقتصادها على الطلب الخارجي، وبالتالي تستطيع الصين تقليص فجوة التجارة الصينية - اليابانية من خلال تحفيز الطلب الداخلي وتنويع الصادرات في الوقت الذي تفقد فيه اليابان أكبر سوق لصادراتها الداعمة لنموها الاقتصادي .
وقال ما يوى، مدير قسم أبحاث رؤوس الأموال الخارجية بمعهد التعاون الاقتصادي والتجاري الدولي في وزارة التجارة الصينية، إن اليابان تستطيع الآن نقل بعض استثماراتها التي تتطلب عمالة كثيفة من السوق الصينية إلى دول جنوب شرق آسيا، ولكنها لن تجد هذه الدول بديلا عن السوق الصينية التي تتسم بكبر حجمها وبتمتعها ببنية تحتية ناضجة وموارد وكوادر وفيرة، فضلا عن أن الكثير من الاستثمارات اليابانية في الصين مرتبطة بالسلسلة الصناعية الضخمة التي يتعذر نقلها.
-- الصين واليابان .. اعتبارات ذاتية ومواجهة عسكرية غير محتملة
وفى اعتقاد فنغ وي، فإن قضية دياويو لن تتصاعد وليس هناك إمكانية لوقوع مواجهة عسكرية بين الصين واليابان، إلا إذا كان ذلك الملاذ الأخير.
وشاطره ليو جيانغ يونغ، الخبير الصيني في العلاقات الصينية اليابانية، الرأى بأنه لن تقع مواجهة عسكرية بين الصين واليابان، قائلا إن هذا ما ينص عليه الدستور الياباني أيضا. وقال إن تطور العلاقات الصينية - اليابانية في الفترة القادمة سيتوقف على نهج آبي بعد توليه رئاسة الوزراء، مؤكدا على ضرورة إلتزام الحذر من مرونة آبي بعد تشدده.
تجدر الاشارة الى أن آخر التطورات داخل الصين اظهرت عزم البلاد على حماية وحدة أراضيها. فقد أكد التقرير الصادر عن المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، عندما تحدث عن ضرورة "الإسراع في دفع تحديث الدفاع والجيش"، على ضرورة رفع القدرة على الانتصار في "حرب إقليمية" في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات. كما تفقد الزعيم الصيني شي جين بينغ يومي 8 و10 الشهر الجارى المدمرة "هايكو" التابعة لإسطول بحر الصين الجنوبي بالبحرية الصينية وجيشا ميدانيا ومنشآت منطقة قوانغتشو العسكرية، داعيا الجيش إلى تطبيق الخطط الاستراتيجية للدفاع والبناء العسكري التي صدرت عن المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني.
وقال ليان ده قوى إن النزاع على جزر دياويو ليس لعبة معادلة صفرية، موضحا أن الاضطرابات لن تعود بأي نفع على العلاقات الصينية- اليابانية وأن الجانبين ليس لديهما نية حقيقية لوقوع مواجهة عسكرية إنطلاقا من إدراكهما للوضع العام.
وأضاف الخبير ليان أن الجانبين الصيني والياباني بحاجة إلى إيجاد طريقة معقولة ومتوازنة للتعامل مع النزاع من خلال التواصل والتشاور. وينبغى عليهما إيجاد أرضية مشتركة.
وأشار ليو جيانغ يونغ إلى أهمية الموقف الأمريكي في النزاع ، قائلا إن آبى سيقوم بزيارة للولايات المتحدة في العام المقبل، وإذا سعت اليابان من خلالها إلى كسب وعود من الولايات المتحدة وتوصلت معها إلى اتفاق بشأن جزر دياويو، فليس هناك أدنى شك في أن تدهور العلاقات الصينية- اليابانية سيزداد عمقا أكثر فأكثر.
/مصدر: شينخوا/
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn