بكين   ضباب~مشمس 0/-6 

إستراتيجية الصين في مواجهة سياسة اوباما "الانكماشية" في الشرق الأوسط

2013:01:23.13:30    حجم الخط:    اطبع

بقلم نبيه هوانغ

بكين 23 يناير 2013 / أدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليمين الدستورية رسميا لولاية رئاسية ثانية خلال حفل تنصيب تاريخي أقيم يوم الاثنين الماضي، ليبدأ فترته الرئاسية الثانية.

لا شك أن الرئيس اوباما يريد ان يخلف إرثا تاريخيا مهما ويصبح رئيسا عظيما أمثال أسلافه ابراهام لنكولن وودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت وغيرهم، إذ طالما اعتبر الرؤساء السابقون من أعيد انتخابهم أن المبادرات الدولية أساسية لتحقيق هذا الإرث وترسيخه.

ولكن أحلام اوباما قد تصطدم بصخرة صلبة بسبب سياساته في الشرق الأوسط، وهى منطقة لم تصنع رؤساء عظماء فحسب، وإنما خسفت أيضا بآخرين الأرض.

واقترح اوباما إستراتيجية" إعادة التوازن في آسيا الباسيفيك بعد تولى السلطة في 2009 ولكن كلما حاولت الولايات المتحدة تركيز جهودها في تلك المنطقة, شهدت منطقة الشرق الأوسط حدثا عاجلا أو هائلا جذب اهتمامها مرة أخرى خلال فترة رئاسة اوباما الأولى.

وقال خبراء صينيون معنيون بالولايات المتحدة والشرق الأوسط ان قضايا الشرق الأوسط ستظل جزء مهما في سياسات الولايات المتحدة الخارجية في السنوات الأربع المقبلة وإن كانت الإستراتيجية الأمريكية تتجه للانكماش والتقلص في المنطقة، مشيرين إلى إن سياسات الصين في الشرق الأوسط لن تتغير ولن تلجأ إلى تعزيز الحلقات الضعيفة في المنطقة، أو التدخل فى شئون دول المنطقة، أو مساعدة قوة أو حركة على حساب أخرى، لأنها تؤمن ان صوت الصين يصبح أعلى فى العالم العربي بتعزيز التبادل التجاري بما يخدم الطرفين وتعزيز القدرات الوطنية الصينية.

-- إستراتيجية أمريكية انكماشية في الشرق الأوسط

وقال لي قوه فو الباحث بالمعهد الصيني للدراسات الدولية لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن منطقة الشرق الأوسط مهمة جدا للولايات المتحدة هي محور للهيكل الاستراتيجي الأمريكي العالمي وتتعلق بأمن الطاقة ومهمة للتوازن السياسي داخل الولايات المتحدة كما أنها تعتبر الحدود الجنوبية لخط دفاع الناتو لمنع تسلل الأصولية الإسلامية إلى أوروبا وخط الحد من توسيع النفوذ الروسي.

وبعد سنوات على تطبيق إستراتيجية "إعادة التوازن في آسيا الباسيفيك", بدت ملامح السخط وعدم الارتياح في وسائل الإعلام الأمريكية إزاء الفوضى في الشرق الأوسط وردود الفعل الأمريكية البطيئة والسلبية في المنطقة. ودعت مجلة ((فورين بوليسي)) الأمريكية في نوفمبر الماضي الرئيس اوباما إلى نسيان منطقة آسيا الباسيفيك والعودة إلى الشرق الأوسط بسرعة.

وأضاف لي قوه فو أن الولايات المتحدة تواجه الآن تناقضين في سياساتها في الشرق الأوسط. الأول: ان آسيا الباسيفيك هي هدف استراتيجي للولايات المتحدة على المدى الطويل والشرق الأوسط هدف استراتيجي على المدى القصير. لكن الآن لا يمكن أن تنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط بشكل سريع لأنها لابد أن تنظف الفوضى المترتبة على سياساتها المتمثلة في الهيمنة والتدخل واللجوء إلى القوة منذ عقود في المنطقة.

والثاني: لا تستطيع أن تمد الولايات المتحدة يدها إلى كل ركن في الشرق الأوسط كما فعلت قبل عقود جراء ما تكبدت من أموال هائلة في حربي أفغانستان والعراق وتأثير الأزمة الاقتصادية الخطيرة.

وأكد لي قوه فو ان اوباما لم يقطع شوطا طويلا خلال فترته الرئاسية الأولى في حل المشاكل الشائكة في الشرق الأوسط مثل القضية الفلسطينية-الإسرائيلية والقضية النووية الإيرانية ومكافحة الإرهاب. ومن غير المنتظر أن يدفع فى ولايته الثانية باتجاه حل الدولتين أو القضايا العالقة بعد إعادة انتخاب اليمين الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

بالإضافة إلى ذلك, لم ترد الولايات المتحدة على "الثورات العربية" التي اندلعت منذ بداية عام 2011 بشكل حكيم وسريع.

ومن جانبه، استبعد هوا لي مينغ، السفير الصيني السابق في إيران والإمارات العربية المتحدة، ان يغير اوباما إستراتيجية "إعادة التوازن لآسيا الباسيفيك" في ولايته الثانية ولكنه سيتردد في كيفية تسوية القضايا في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن محاولات السيطرة على المنطقة، ولن تضحى بدورها بسهولة، لان ذلك يعنى تراجع دورها المحوري في العالم.

وأضاف ان "واشنطن اتخذت سياسات انكماشية في الشرق الأوسط وقررت عدم المشاركة العميقة في القضايا العالقة والشائكة مثل النزاع فى ليبيا وسوريا. والواضح ان مواردها البشرية والمالية تتركز في نقطتين جوهريتين: ضمان أمن إسرائيل ومواصلة الوجود العسكري في الخليج".

-- القضية الإيرانية النووية غير مرشحة للانفجار

وتعد المشكلة النووية الإيرانية اخطر قنبلة موقوتة في سماء الشرق الأوسط. وبينما هددت إسرائيل بضعة مرات بشن ضربات على الأهداف النووية الإيرانية، حث بعض النواب في الكونغرس اوباما على تسوية المشكلة الإيرانية بشكل سريع وحاسم.

ويرى الخبراء الصينيون إن المشكلة النووية الإيرانية ليست في حالة خطيرة أو سيئة كما تبدو ولن تنفجر في فترة رئاسة اوباما المقبلة، مستشهدين بما ذكره اوباما في خطاب التنصيب يوم الاثنين رافضا خوص حرب ممتدة, "نحن الشعب ما زلنا نعتقد أن الأمن والسلام الدائمين لا يتطلبان حربا دائمة".

وقال لي قوه فو ان" تهديد إسرائيل بشن ضربة عسكرية على إيران لا يمثل إلا ابتزازا. إذ لا تتفق الهجمات العسكرية ضد إيران, سواء كانت أحادية من قبل إسرائيل أو مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة, مع المصالح والإستراتيجية الأمريكية كما ان إسرائيل لا تستطيع أن تتحمل تبعات الانتقام الإيراني".

وشاطره الرأي هوا لي مينغ، السفير الصيني السابق في إيران، مضيفا إن القضية النووية الإيرانية لن تتفاقم كما أنها في الوقت ذاته لن تشهد تسوية في السنوات القليلة المقبلة.

وقال هوا لي مينغ لوكالة أنباء ((شينخوا)) ان إيران متمسكة بتنمية البرنامج النووي ليس بهدف محو إسرائيل من الخريطة كما تهدد، وإنما لاستخدامه كورقة مساومة سياسية. فالواقع يقول ان إيران لم تقم بتجارب نووية ولا تمتلك حاملات أسلحة نووية ولم تتجاوز حركاتها النووية "الخط الأحمر" المزعوم .

وأكد أن اوباما سيواصل فرض الضغوط على إيران من ثلاث جوانب في فترة رئاسته المقبلة: أولا, تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران, الأمر الذي يهدف إلى إجبارها على تقديم تنازلات في المحادثات وخلق نزاعات وفوضى داخل البلاد. ثانيا, الحفاظ على التهديد العسكري عن طريق إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع دول الخليج. ثالثا, مواصلة جهود إسقاط النظام السوري من اجل إضعاف وعزل إيران.

إضافة إلى ذلك, قال هوا لي مينغ أن ترشيح اوباما جون كيري لتولى حقيبة الخارجية وتشاك هاغل لوزارة الدفاع يعكس مواصلة سياسات "الخطى الخفيفة" التي لا تشجع على التدخل المباشر والهجمات العسكرية على نطاق واسع، بل اتخاذ سياسة التسلل والدبلوماسية الهادئة.

يذكر أن جون كيري وتشاك هاغل شاركا في حرب فيتنام وأصيبا كلاهما بجروح خلال المعارك. ويعارض الاثنان شن الحرب واللجوء إلى القوة في الشرق الأوسط باسم مكافحة الإرهاب.

ولا يتوقع هوا لي مينغ تسوية القضية النووية الإيرانية على أيدي اوباما لان الولايات المتحدة لا بد أن تأخذ مصالح إسرائيل والسعودية في اعتبارها ولن توقع أي اتفاق مع إيران قبل موافقة طهران على تنازلات كبيرة، بحسب قوله.

-- الاستقرار والسلام الدائمين في الشرق الأوسط يتفقان مع مصالح الصين

وأمام التغير فى الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط, ادعت بعض وسائل الإعلام الغربية ان الصين ستكرس جهدها الأكبر لتعزيز بعض الحلقات الضعيفة في المنطقة. وتعليقا على ذلك، استهجن الخبراء الصينيون ذلك وأكدوا أن سياسات الصين في الشرق الأوسط لن تتغير، إذ يتفق الاستقرار والسلام في المنطقة مع مصالح الصين.

وقال وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن اوباما يجب عليه أن يعيد التفكير في سياساته في الشرق الأوسط ويغير عقلية الحرب الباردة. وأكد المبعوث الصيني على أن الولايات المتحدة ينبغي أن تتعامل مع العالم الإسلامي باحترام وعليها أن تدرك أنها لا تتمتع بأفضل الأشياء في العالم.

وفي الوقت بالذات, اعترف بأن بعض البلدان العربية المارة بفترات انتقالية مثل مصر وتونس وليبيا تشهد نزاعات وفوضى واضطرابات. وقال "سنساعد هذه الدول العربية ولن نتدخل في شؤونها الداخلية من خلال تجنيد وكلاء أو دعم حركة واحدة وقمع حركة أخرى. نحتاج إلى الدول العربية كما تحتاج إلى الصين على المدى الطويل. ويعتبر أساس تعاوننا ثابت ومستدام بغض النظر عن السياسات الأمريكية في المنطقة."

وحمل هوا لي مينغ نفس الرأي وقال إن الاضطرابات في الشرق الأوسط لا تفيد مصالح الصين، اكبر الدول المستوردة للنفط من الشرق الأوسط.

وأردف بقوله "لا شك أن صوت الصين يصبح أعلى في العالم العربي بزيادة حجم التبادل التجاري بين الطرفين وتعزيز القدرات الوطنية الصينية باستمرار".

/مصدر: شينخوا/

تعليقات