بقلم هاشم وانغ
بكين 5 فبراير 2013 / منذ حلول الذكرى الثانية السنوية لثورة يناير، تتجدد المظاهرات كل يوم في شوارع مصر العريقة حيث تصاعدت حدة الاشتباكات مؤخرا وشهد الوضع الأمني قدرا من الهشاشة ورفعت المعارضة سقف مطالبها من خلال الدعوة إلى الإطاحة "بحكم الإسلاميين ".
وفي ضوء ما شهدته مصر مؤخرا من أعمال عنف واسعة اضطر الرئيس محمد مرسي على إثرها إلى إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال في محافظات القناة الثلاث ، يعتقد الخبراء الصينيون أن تدهور الوضع المصري حاليا يعود في المقام الأول لأسباب سياسية واقتصادية، مشيرين إلى أن البلاد تواجه تحديات صعبة وتوترات مستمرة قد لا تتبدد على المدى القصير وقد يكون لها تأثير لا يستهان به على محيطها العربي برمته.
-- أوضاع متقلبة ... وأسباب عميقة الجذور
وقد عاشت مصر اشتباكات دامية بين المتظاهرين والشرطة في ميدان التحرير وفي محيط قصر الاتحادية في إطار"جمعة الخلاص"، ما دفع وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم إلى التحذير من تحول مصر إلى "دولة مليشيات" إذا ما انهارت الشرطة، مشيرا إلى أن الشارع المصري "يشهد حاليا حالة من العنف غير المسبوق".
وفي ضوء ذلك، يعرب المحلل السياسي تيان ون لين المتخصص في سياسات الشرق الأوسط بأكاديمية الصين للعلاقات الدولية المعاصرة عن اعتقاده بأن ثمة عوامل سياسية واقتصادية تلعب دورا رئيسيا في مجريات الأحداث الراهنة في مصر، ويشرح وجهة نظره قائلا إنه رغم إقرار مشروع الدستور بأغلبية 63.8 في المائة، إلا أن الخلافات بين مختلف القوى السياسية في مصر لم تهدأ فحسب، بل ازدادت عمقا. فمازالت مصر تمر بمرحلة انتقالية عسيرة تتشابك فيها الخلافات بين الشرطة والشعب، وبين السلطتين التنفيذية والقضائية، وبين التيارين الليبرالي والإسلامي .
ومع تدهور الوضع الداخلي جراء تلك الخلافات، يرى السيد تيان أن المعارضة المصرية تشجع على تجدد المظاهرات وخلق مناخ دائم التوتر اعتقادا منها بأن الحكومة الجديدة تسير على نفس نهج القديمة ورغبة منها في تحقيق تطلعاتها السياسية وكسب المزيد من الدعم الشعبي وحصد المزيد من الأصوات في الانتخابات التشريعية المقبلة.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول تيان إن الأوضاع الاقتصادية السيئة في مصر، المنبثقة في الأساس عن عدم الاستقرار وتنامي حالة الاستقطاب على الساحة السياسية، تزيد من شعور المصريين بخيبة الأمل، ولا سيما بعدما بلغت نسبة البطالة في مصر 12 في المائة تقريبا ووصل عجز ميزانيتها إلى ارتفاع غير مسبوق وانخفض احتياطي النقد الأجنبي لديها إلى النصف مقارنة بما كان عليه قبل عامين وسجل سعر الجنيه المصري تراجعا قياسيا أمام الدولار وسارت مؤشرات التضخم في اتجاه تصاعدي ، الأمر الذي دفع مؤسسة "ستاندرد آند بورز" إلى خفض التصنيف الائتماني طويل الأجل لمصر من "بي" إلى "بي سالب" مع نظرة مستقبلية سلبية.
ويشير تيان إلى أن حكومة مرسي ترغب في اتخاذ خطوات محددة مثل خفض الإنفاق وزيادة الضرائب ورفع الدعم عن بعض المواد البترولية سعيا لتحسين الوضع الاقتصادي المتردى في البلاد ، ولكنها تواجه في تطبيق ذلك عقبات جمة بسبب اضطراب الوضع السياسي بين الحين والآخر، ما يجعلها غير قادرة على تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي.
ويلفت إلى أنه في ظل مشهد عدم الاستقرار الداخلي الذي يتصدر وسائل الإعلام العالمية، ستجد مصر صعوبة بالغة في جذب الاستثمارات الأجنبية التي بدونها سيزداد تدهور اقتصاد البلاد والأوضاع المعيشية للمصريين الكادحين الذين سيدفعهم ذلك إلى عدم وقف المظاهرات أملا في أن تتحقق تطلعاتهم يوما ما.
-- توترات مستمرة ... يتطلب علاجها صبرا ووقتا
ومع اقتراب الانتخابات التشريعية المصرية، لا تبدو في الأفق أية علامات على أن الأوضاع تمضى نحو التهدئة على الإطلاق .
ويوضح قوه شيان قانغ، نائب مدير المعهد الصيني لدراسات القضايا الدولية، إنه نظرا لعدم انتهاء المرحلة الانتقالية في مصر وعدم اكتمال أركان النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد علاوة على احتدام التنافس بين جميع القوى السياسية فيها، فمن المتوقع أن تقع احتكاكات صغيرة تفضي إلى اضطرابات اجتماعية ، ما يكون له أثر بالغ على معيشة رجل الشارع المصري.
ويرى قوه أن الكثير من المشكلات التي تعاني منها مصر حاليا ليست من فعل حكومة مرسي، وإنما هى نتاج تراكمات لقضايا تركت دون حل على مدار العقود الماضية، لذا يحتاج الأمر من المصريين إلى التحلي بالصبر حتى يكتمل بناء مؤسسات الدولة وتبدأ عجلة الانتاج في المضى قدما وتتحسن أحوالهم شيئا فشيئا، مضيفا أن الحكومة الحالية تدرك تماما أن المهمة الرئيسية الملقاة على عاتقها تكمن في تعافي الاقتصاد حتى تخرج البلاد من هذه المرحلة الانتقالية إلى مرحلة النهضة في أسرع وقت ممكن.
ويضيف قوه أنه على غرار ما حدث في تركيا منذ سنوات مضت، تحتاج جميع الأحزاب في مصر إلى المزيد من الوقت حتى تحقق التوازن المطلوب فيما بينها على الساحة السياسية.
ومن جانبه، يقول وانغ ليان الدكتور بمعهد العلاقات الدولية في جامعة بكين إن المعارضة ترى أن الرئيس مرسي يحدد الطريق السياسي على نحو أحادى الجانب، وهو ما يخالف إرادتها، لذا ستظل الخلافات بين التيارات السياسية المصرية قائمة وسيظل الوضع متوترا لفترة إذا لم يقدم مرسي بعض التنازلات من جانبه.
-- مصر... "قلب" العالم العربي النابض بالحياة
وتضطلع مصر بدور مهم ومحوري في العالم العربي، ومن ثم يعتقد الخبراء السياسيون أن أية توترات تحدث في هذه الدولة بالتحديد قد تؤثر على نشاطها الفاعل والإيجابي في المنطقة، لذا يتطلب الأمر منها سرعة تحقيق الاستقرار الداخلي المنشود حتى تواصل دورها الرئيسي بقوة أكبر.
ومن جانبه، يعتقد قوه إن تأثير مصر تراجع في الآونة الأخيرة قليلا في محيطها العربي الذي ظلت تقوده على الصعيد السياسي خلال الـ50 عاما الماضية، لهذا فإنها بحاجة إلى استعادة دورها الريادي هذا من خلال العبور بسلام من مرحلتها الحالية والإنطلاق نحو التنمية، لأن قوة مصر تشكل قوة للعالم العربي أجمع.
ويرى بعض المحللين السياسيين الصينيين أنه رغم الاعتقاد بأن مصر ما بعد حقبة مبارك تمثل ولادة جديدة للعالم العربي، إلا أن الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها مختلف المدن المصرية وحالة الاحباط التي أصابت جموع المصريين الذين كانوا يطمحون لنجاح ثورة التغيير قد تدفع شعوب البلدان العربية الأخري الطامحة إلى التغيير إلى التفكير مليا في مدى نجاح الثورة المصرية قبل الإقدام على أى خطوة كهذه.
ويعرب وانغ عن اعتقاده بأن الحقائق التاريخية تثبت أن أعمال العنف لن تحل المشكلات إطلاقا . ولابد على جميع المصريين السعي بجد لتجاوز هذه المرحلة بسلاسة وإقامة مجتمع شامل ومستقر ودفع عجلة التنمية للأمام وتحقيق التعافي الاقتصادي حتى تمضى مصر في المسار الصحيح نحو نهضة شاملة.
/مصدر: شينخوا/
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn