صيني|انجليزي|فرنسي|ياباني|اسباني|روسي|كوري
الصفحة الرئيسية>>الصين

الصين: قيادة جديدة بتحديات جديدة

2013:03:12.09:18     حجم الخط:

وليد عبدالله: باحث تونسي في شؤون الصين وآسيا المحيط الهادي- بكين

ستشهد الدورة الحالية من إجتماع الدورتين (النيابية والإستشارية) تسلم القيادة الصينية الجديدة رسميا زمام إدارة الدولة لخمس سنوات قادمة من الحكومة السالفة التي كان على رأسها الرئيس هو جين تاو ورئيس مجلس الدولة ون جيا باو. وستتسلم الحكومة الجديدة الحكم من سالفتها التي قامت بعمل جبار مكن الصين خلال العشرية الماضية من تحقيق قفزة كبيرة على عديد المستويات سيما الجانب الإقتصادي، حيث تمكنت الصين خلال العقد الأخير من تجاوز اليابان لتصبح ثاني أكبر إقتصاد عالمي بعد الولايات المتحد الأمريكية، وتجاوز ألمانيا لتصبح أكبر مُصدر عالمي، إلى جانب تحقيقها معدلات نمو إقتصادي عالية عززت مكانتها داخل البنية السياسية والإقتصادية الدولية. لكن إلى جانب هذا الرصيد الكبير من الإنجازات المحفزة للإدارة الجديدة على المضي قدما في قيادة الصين إلى الأمام، تنتظر صناع القرار الصينيون مرحلة مليئة بالتحديات يمكن تشبيهها بالعشرية الأولى للإصلاح والإنفتاح من حيث دقتها، ووصفها بالمرحلة الحاسمة من حيث أهميتها في الحكم على مآل التجربة الصينية ووزن الصين بين القوى الدولية خلال بقية القرن الـ21.

يأتي ملف تحويل نمط التنمية الإقتصادية على رأس قائمة التحديات الكبرى التي ستواجهها الحكومة الصينية الجديدة، حيث تملي المرحلة القادمة على الصين ضرورة التحول من التركيز على سرعة النمو إلى التركيز على جودة النمو مع ضمان نمو سريع ومستقر وطويل المدى، ويجمع خبراء الإقتصاد على أن هذه العملية تستوجب تحول الصين من الإعتماد على الطلب الخارجي إلى الإعتماد على الطلب المحلي، ومن الإستثمار إلى الإستهلاك، والإنتقال من الصناعة ذات التقنية المتدنية والقيمة المضافة المنخفضة إلى الصناعة ذات التقنية العالية والقيمة المضافة العالية، ومن التقليد إلى الإبتكار وصنع العلامة الخاصة وغيرها من الإصلاحات الهيكلية. ويرى الإقتصاديون أن هذه العملية من الضروري أن تترافق مع جملة من الإجراءات التي يجب أن تتخذها الدولة بدون تردد على غرار إعادة توزيع الثروة بهدف تقليص الهوة بين الفقراء والأغنياء، وإحداث توازن في التنمية بين الأقاليم الغربية والشرقية، إلى جانب مضاعفة جهود الدولة في مجالات التأمين الصحي والضمان الإجتماعي ورفع الدخل والحضرنة والتحكم في التضخم وأسعار العقارات، وهي إجراءت بإمكانها إطلاق عنان قوة الإستهلاك الذي سيكون إحدى ركائز تحول نمط التنمية. من جهة ثانية، تحتاج عملية تحويل نمط التنمية إلى زيادة الإستثمارات في التعليم والبحث العلمي بهدف رفع نجاعة الإقتصاد وتعزيز قدرات الإبتكار بعد بدء تلاشي فوائد العامل البشري.

تعود أهمية ملف تحويل نمط التنمية الإقتصادية في الصين إلى إرتباطه العميق بمستقبل التجربة الإقتصادية الصينية برمتها، حيث أن نجاح هذا التحول سيعني تمكن الإقتصاد الصيني من إيجاد قوى دفع جديدة بديلة عن اليد العاملة الرخيصة والطلب الخارجي ودخول الصين حلقة الدول المصنعة القوية ذات الدخل العالي، أما في صورة عدم إتمام هذا التحول فإن الصين ستكون مهددة بالوقوع في مأزق فقدان قوى الدفع السابقة وعدم إيجاد قوى دفع جديدة وهوما يعرف بـ"فخ الدخل المتوسط". لذلك، فلاشك بأن هذا الملف سيكون الشغل الشاغل للحكومة الصينية الجديدة.

من جهة أخرى، يعد ملف محاربة الفساد احد الملفات بالغة الأهمية بالنسبة للحكومة الجديدة، حيث سيكون ملف الفساد أحد الجوانب المهمة لتقييم آداء الحكومة خاصة وأنه أصبح أحد نقاط الإستقطاب الكبرى داخل الرأي العام الصيني، لذا فإن نجاعة الحكومة الصينية في القضاء على الفساد ستمثل إحدى الشروط الأساسية لإستمرار تمتعها بالمصداقية وثقة الشعب، ونجاحها في ذلك سيخلق رأي عام محفز لها على القيام بمزيد الإصلاحات وتحقيق أهداف الخمسية الثانية عشرة وكسب رهانات العشرية الحاسمة.

التحديات الخارجية بالنسبة للحكومة الصينية الجديدة لاتقل أهمية عن التحديات الداخلية خلال المرحلة القادمة، حيث يمكننا ملاحظة تطور البيئة الخارجية للصين بعكس ماكانت عليه خلال العقدين أو الثلاثة عقود السابقة، ويأتي على رأس هذه التغيرات التعديل الإستراتيجي الأمريكي في منطقة آسيا المحيط الهادي، حيث في الوقت الذي تقوم فيه أمريكا بعملية إنسحاب من الشرق الأوسط بدأت بإنسحابها من العراق وستنتهي بإنسحابها من أفغانستان في 2014، تعمل على تكثيف تواجدها العسكري في منطقة آسيا المحيط الهادي وإحياء شبكة تحالفاتها القديمة في المنطقة وإسترضاء وكسب ود البلدان المناهضة لها على غرار بورما والفيتنام، في خطوة يجمع الكثير على أنها محاولة لخنق الصين، وهذا يطرح تحديا كبيرا بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية في التعامل مع أمريكا التي تعد "الخصم الأول والشريك الأول" بالنسبة للصين. من جهة أخرى سيكون للدور الأمريكي في المنطقة تأثير كبيرا على علاقات الصين بالعديد من جيرانها، خاصة التي تجمعها بهم نزاعات في بحر الصين الجنوبي، إضافة الى تأثيره على العلاقات بين ضفتي المضيق (البر الرئيسي- تايوان).

العلاقات الصينية اليابانية هي الأخرى تبقى عرضة للتفجر في أي وقت، خاصة بعد وصول شينزو آبي المعروف بمواقفه المناهضة للصين إلى الحكم، حيث يبقى النزاع الصيني الياباني على جزيرة دياويوي، والمشاكل التاريخية العالقة بين البلدين مرشحة إلى تأجيج العلاقات الصينية اليابانية في ظل الوضع السياسي والأمني الجديد الذي أصبحت تشهده منطقة آسيا المحيط الهادي بعد التعديل الإستراتيجي الأمريكي. من جهة ثانية، سيظل الوضع الأمني المتوتر في شبه الجزيرة الكورية احدى المشاكل المصدعة للدبلوماسية الصينية، وسيمثل العمل على عدم خروج الوضع في شبه الجزير الكورية عن السيطرة أكبر تحد بالنسبة للسياسة الصينية تجاه شبه الجزيرة.

من خلال النظر إلى الوضع الحالي في منطقة آسيا المحيط الهادي وإحتمالات تطوراته في المستقبل، يمكن ملاحظة بداية تلاشي العوامل التي تأسس عليها الوضع المستقر في المنطقة خلال الثلاثين سنة الماضية: مغادرة أمريكا إلى الشرق الأوسط و مبادرة "تعليق النزاع، والإستغلال المشترك" التي إقترحها دنغ شياوبينغ لحل النزاع حول الجزر. وهذا يحتم على الصين التوصل إلى معادلة جديدة مع مختلف الأطراف لضمان السلام والإستقرار في المنطقة، اللذان يوفران لها مناخا ملائما لإضطراد النمو.

الأمن الطاقي سيكون أيضا أحد أكبر التحديات التي ستواجه الصين في الفترة المقبلة، فمع تجاوز نسبة الواردات النفطية 50% من الإستهلاك الصيني، وتعويل الصين الكبير على النفط الشرق أوسطي (حوالي 60% من الواردات) أصبحت مهمة تأمين التدفقات اللازمة من النفط في ظل إضطراب مواقع الإنتاج ومعابر النقل تعد تحديا كبيرا بالنسبة للصين.

ينطبق على المرحلة القادمة بالنسبة للصين مقولة دنغ شياوبينغ حول العشرية الأولى من الإصلاح والإنفتاح "يجب أن نقطع النهر متلمسين الحصى" واصفا دقة المرحلة وضرورة المضي قدما في تنفيذ الإصلاحات اللازمة وسط بيئة كانت تعج بالمصاعب والمعوقات. واليوم تجد الصين نفسها مرة أخرى أمام مرحلة دقيقة جديدة في مواجهة إصلاحات جديدة وفي ظل بيئة بمصاعب ومعوقات جديدة، لكن تبقى مقولة دنغ مفيدة للحكومة الجديدة للمرور بالصين إلى "ضفة النهر"، خاصة وأن أعضاء الحكومة الجديدة يتمتعون بممارسة سياسية طويلة داخل دواليب الدولة تمكنهم من معرفة الإحتياجات الحقيقية للصين، وقد أظهرت الحكومة الجديدة التي إنتخبت خلال المؤتمر الثامن عشر أسلوبا جديدا في العمل وموقفا حازما من الفساد. لكن يبقى الرهان الحقيقي للصين خلال المرحلة القادمة هو النجاح في تحويل نمط التنمية، لأن هذا النجاح سيكسب الإقتصاد الصيني قوى دفع محلية ويضمن له نمو سريع ومستقر لفترة طويلة، ويعزز تنافسية الصين بين الدول الصناعية القوية.

خارجيا، لاشك بأن الدور الأمريكي في شرق آسيا خلال المرحلة القادمة سيمثل إرباكا كبيرا بالنسبة للصين، لكن نظرا لأن المواجهة الصينية الأمريكية تكاد تكون أمرا لابد منه، لذا فإن قواعد اللعبة بين الصين وأمريكا خلال المرحلة القادمة هي التي ستحدد الوزن السياسي للصين في منطقة شرق آسيا والعالم. وختاما يمكن القول أن العشر سنوات القادمة تعد مصيرية بالنسبة لنشوء شيء أسمه "النموذج الصيني" وإنتقال الصين من مرحلة الدولة الكبرى إلى مرحلة القوة العظمى.



صور