تعليق: المأزق الدبلوماسي التركي في الشرق الأوسط

تهتم تركيا عن كثب بالمستجدات في الشرق الأوسط بعد الاضطرابات التي حدثت في المنطقة عام 2011، كما رأت أن هذه المرحلة فرصة تاريخية ونادرة لقيادة المنطقة يفضي إلى طريق يجعلها إحدى القوى العظمى، وعليه سرعان ما أدخلت تركيا تعديلات كبيرة على سياستها الخارجية اتجاه الدولة المحيطة. وبدأت تركيا تتدخل في شؤون الدول العربية لتتطور تدريجيا نحو دعمها المباشر للمعارضة في بعض الدول العربية من اجل تغيير النظام. كما أن نظر الكثيرين في العالم العربي بإكبار وانبهار بالنموذج التركي، وحصوله على دعم من الدول الغربية زاد من نفوذها بشكل ملحوظ. ولكن بعد ثلاث سنوات، تشهد السياسة الخارجية التركية تراجعا كبيرا ولاسيما تجاه الشرق الأوسط، حيث دخلت علاقتها مع دول الشرق الأوسط فصلا باردا، وأصبحت تعيش حالة من العزلة من جديد في منطقة الشرق الأوسط، وأصبح " العمق الاستراتيجي" التركي يفتقر إلى أساس الممارسة الدبلوماسية.

التأزم التركي في الأزمة السورية

إن قطع تركيا علاقاتها مع النظام السوري واحتضانها للمعارضة السورية السياسية والعسكرية ودعمها علنا، والموقف الأمريكي إزاء الأزمة السورية ولاسيما رفضها التدخل العسكري انشأ تغيير كبير في سياسة تركيا الصارمة. وتواجه تركيا تحديات كبيرة ، من جهة، إعادة انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد وظهور تراجع واضح للمعارضة السورية، وصعود "داعش " في سوريا ، ومن جهة أخرى، أثرت الأزمة السورية في الوضع في تركيا من حيث أمن الحدود، ومشكلة اللاجئين ، والأكراد وتسرب الإرهاب وغيرها من التهديدات الاخرى.

التأزم التركي في الأزمة المصرية

لقد أدى دعم تركيا لمحمد مرسي الذي عزل من قبل الجيش المصري في يوليو 2013، ومعارضة الضغوطات التي فرضها الجيش على جماعة الإخوان المسلمين إلى زيادة عزلتها في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تشهد العلاقات بين تركيا والسعودية ودول خليجية أخرى الداعمة للجيش المصري تناقضات ومشاكل، وتواجه العلاقات التركية مع حلفائها انهيارا بسبب خوضها في الأزمة السورية،وتعاني علاقتها مع البلدان الأخرى من مشاكل عديدة قد تصل إلى القطيعة.

التأزم التركي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تراجعا كبيرا بسبب دعم تركيا الكبير لحركة حماس بعد اندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مرة أخرى في قطاع غزة في يوليه هذا العام، كما لم تلقى تركيا أي قبول من الحكومة الفلسطينية وغيرها من البلدان العربية. ولم توافق فلسطين وإسرائيل على الوساطة التركية، كما انه من الصعب أن تحقق تركيا أي تأثير جوهري في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

 زيادة التوتر مع العراق

اثر صعود " داعش" والاضطرابات المتزايدة في العراق على المصالح الاقتصادية لتركيا. من ناحية، محاول تركيا بناء علاقة خاصة مع إقليم كردستان من خلال تنفيذ سلسلة من المشاريع الاقتصادية وإقامة خطوط مستقلة للنفط والغاز مع الإقليم دون موافقة الحكومة المركزية قد يخلق تهديدات أمنية لتركيا من المنظمات الإرهابية وغيرها. ومن ناحية أخرى، يؤثر تدهور الوضع الأمني في العراق على الاستقرار في تركيا، بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة على المصالح الاقتصادية التركية على الحدود العراقية.

الأزمة التركية الداخلية

اثرت الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي شهدتها تركيا منذ عام 2013 وفضيحة الفساد التي هزت الحكومة التركية على صورة حكومة اردوغان في عيون الدول الغربية، كما تراجع تاثير النموذج السياسي التركي في العالم الى حد كبير. ولا تزال الصراعات الداخلية المتخمرة وتراجع الدبلوماسي التركي من المنطقة من العوامل التي تعيق تحقيق حلم تشكيل النمط التركي في الشرق الأوسط، وبالرغم من ان اردوغان لا يزال يصر على عناده وتمسكه بسياسته الصارمة ، إلا أن تغيير الوضع الحالي بات خارج سيطرته، وقد تضطر تركيا إلى تغيير عقيدة السياسة الخارجية، والعودة إلى الواقع والعقل، وإصلاح العلاقات مع دول منطقة الشرق الأوسط.