تعليق: ثلاث أسباب وراء قرار بوتين سحب القوات الرئيسية من سوريا

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فجأة يوم 14 مارس الجاري بسحب الجزء الرئيسي من القوات الروسية من سوريا، بدءا من يوم الثلاثاء 15 مارس. وفي نفس الوقت، بدأت مفاوضات السلام السورية في جنيف لانهاء الحرب الأهلية الممتدة لخمس سنوات. ويعتبر استئناف مفاوضات السلام السورية اليوم من اهم النتائج التي حققتها القوات الروسية في ساحة المعركة بسوريا. ويمكن القول أن انسحاب بوتين من سوريا لم يخرج عن النطاق الاستراتيجي وضمان الوضع في ساحة المعركة، ويمكنه من الحصول على مكانة مهيمنة على طاولة المفاوضات، كما تجنبه ايضا الانزلاق الى مستنقع صراع دائم.

تحقيق الأهداف الاستراتيجية

قال بوتين عندما أمر جيشه ببدء سحب الجزء الرئيسي من القوة الروسية في سوريا:" اعتقد أن وزارة الدفاع الروسية، والقوات العسكرية الروسية قد انتهت من المهمة برمتها. لذلك، أمركم ببدء سحب الجزء الرئيسي من القوة الروسية في سوريا ابتداءا من اليوم." 

ولم يأت هذا التاكيد من فراغ. حيث قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أنه تلبية لمطالب الحكومة السورية، بدأت الحكومة الروسية منذ نهاية سبتمبر عام 2015، شن ضربات جوية للقضاء على عناصر تنظيم " الدولة الاسلامية" على الاراضي السورية، وقد أكملت القوات الروسية مهمة اكثر من 9000 طلعة جوية، والقضاء على أكثر من 2000 الإرهابي، تم تدمير 209 مرافق إنتاج النفط وكذلك كميات كبيرة من المعدات نقل النفط. كما منعت الحملة الجوية الروسية بنجاح أمن المواد للارهابيين في الاراضي السورية، وقطع طريق أمام تمديد العناصر المسلحة التابعة للمنظمات الارهابية بالامدادات الرئيسية من اسلحة وذخيرة. وتمكنت المعركة في ان تلعب دورا مهما في جعل محادثات السلام ممكنة.

اتخاذ مكانة مهيمنة في محادثات السلام 

أعلن بوتين سحب القوات الروسية الرئيسية من سوريا في نفس اليوم الذي استأنفت فيه محادثات السلام السورية في جنيف، وعقد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية ستافان دي ميستورا، بمقر الأمم المتحدة في جنيف محادثات رسمية مع الوفد الحكومي السوري. وتعتمد المفاوضات على نهج " المحادثات غير المباشرة" ، وساهمت المساعي الحميدة التي بذلها دي مستورا في تمرير المعلومات بين الحكومة السورية ووفد المعارضة في تضييق هوة الخلافات. وباعتباره الجانب المقرب من الحكومة السورية، فإن اعلان بوتين سحب القوات العسكرية الرئيسية من سوريا في هذا الوقت يساعدها على أن تتخد مكانة مهيمنة على طاولة المفاوضات، وتشكيل الضغط سواء على حكومة بشار أو القوى الكامنة وراء المعارضة، وسوف يكون لها تاثير ايجابي على المفاوضات.

ووفقا لتقارير وسائل الاعلام الغربية، فإن بوتين لم يتشاور مع الولايات المتحدة قبل إعلان سحب القوات من سوريا. وكما أرسل بوتين قوات روسيا الى سوريا فجأة ، فإنه أعلن هذه المرة عن سحبها فجأة ، مما شكل صدمة للولايات المتحدة.

وقالت مصادر في البيت الأبيض، ان محادثة هاتفية بين أوباما وبوتين جاءت بعد ساعات قليلة بعد الاعلان عن سحب القوات الروسية الرئيسية من سوريا. ورحب اوباما بتقليل حوادث العنف منذ وقف اطلاق النار، وقال ايضا أن المسار السياسي يلعب دورا مهما لانهاء العنف. وانباء من الكرملين قالت أن الجانبين يدعو لتسريع العملية السياسية لإنهاء الحرب الأهلية السورية.

تجنب الوقوع في مستنقع حرب

مواجهة روسيا حاليا ضغط العقوبات الاقتصادية الغربية والبيئة الاقتصادية الدولية أمر لا يمكن انكاره. كما تعتبرالعمليات العسكرية في سوريا عبء بالنسبة لروسيا. وعلاوة على ذلك، ثمة دروس كثيرة يمكن تعلمها من الدول التي وقعت في مستنقع الحرب بعد إرسالها قوات عسكرية الى الخارج. وانهاء العملية العسكرية بعد الحصول على نتائج مرضية، يمكن أن يجنبها الوقوع في نفس الأخطاء مرة أخرى.

ولكن، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع المتكرر في سوريا ، ترك بوتين ورائه طريقة بديلة. حيث أكد انه على الرغم من سحب قوة رئيسية في القوات الجوية والفضائية الروسية من سوريا، ولكن الجانب الروسي يحافظ على قواعد دعم الطيران في الأراضي السورية، من أجل مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي النهاية لا أحد يعرف عدد القوات الروسية في سوريا بالضبط، ولكن حسب الاحصاءات هناك الالاف الاشخاص. وتتمركز نحو 50 طائرة ومروحية في القاعدة العسكرية الروسية في قاعدة حميميم في ريف محافظة اللاذقية بشمال غرب سوريا. ووفقا للاتفاق الذي توصلت اليه روسيا والولايات المتحدة بشأن وقف اطلاق النار، فإن مركز التنسيق الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سوريا موجود في هذه القاعدة الجوية.