مسقط 28 سبتمبر 2016 / أكد الدكتور محمد بن سعد المقدم، رئيس قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس بأن الصين ماضية في " الحزام والطريق" والمعروف في الدول العربية بطريق الحرير بقوة، وأن هذه المبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ تجد اهتمام وصدى عالمي لما لها من أهمية كبرى ومردود جيد مستقبلا لكل من تمر بهم وليس للصين فحسب.
جاء ذلك خلال مقابلة خاصة بمقر النادي الثقافي العماني مساء اليوم ( الأربعاء) عقب انتهاء الندوة التي نظمها النادي حول العلاقات العمانية مع دول شرق آسيا والهند والتي خصصت فيها ورقة الدكتور المقدم- المتخصص في هذا الشأن- حول العلاقات العمانية- الصينية.
وقال الدكتور المقدم بأن الصينيين يعرفون ما يريدون جيدا ولذا فالمستقبل لطريق الحرير سواء البحري أو البري مبشر بالخير وهو يحمل الخير للطريق لأنه سيكون محور ربط مهم بالعالم.
وأكد أستاذ التاريخ العماني في مقابلته على أن السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان فطن لأهمية طريق الحرير ولذا فقد برحلة بحرية عبر طريق الحرير في العام 1991 م بسفينته " فلك السلامة" جاء فيها من إيطاليا وصولا إلى جمهورية الصين الشعبية.
وأشار المقدم قائلا: حينما يأتي الحديث عن طريق الحرير وخاصة البحري لابد وأن تذكر سلطنة عمان وذلك لما لها من موقع استراتيجي مهم يربط طريق التجارة بين آسيا وآسيا الوسطى والمحيط الهندي وشمال أفريقيا وصولا الي أوروبا.
وللإجابة على تساؤل حول طريق الحرير تاريخيا قال الدكتور المقدم بأن "الحزام والطريق" ليس وليد عقود أو قرون قريبة وإنما يعود إلى ما قبل أكثر من 2200 سنة وهو يعود إلى بداية العلاقات الصينية - العربية.
واستشهد الدكتور المقدم - الذي شارك في الحوار العربي - الصيني منذ العام 2005- في ذلك بإشارته إلى أن المصادر الصينية تشير إلى وصول السفن العمانية إلى الموانئ الصينية الجنوبية، تحمل البضائع من عمان ومنطقة الخليج العربي وشرق افريقيا
كما قال بأن المصادر التاريخية تُشِير أيضا إلى أن عمان كانت تعرف باسم (وونغ مان) في عهد أسرة هان الغربية 206 ق.م-220م، وأن السفن الصينية وصلت إلى الموانئ العمانية مثل قلهات، وصحار في ذاك الوقت.
وعودة إلى الندوة فقد قال الدكتور محمد المقدم خلالها زادت حركة التجارة بين الموانئ الصينية والعُمانية في عهد أسرة تانغ (618-906) ق.م، وتذكر لنا المصادر العربية والصينية أسماء الكثير من التجار والبحارة الذين امتلكوا السفن للتجارة مع الصين.
وذكر اسماء بعضهم ومنهم: التاجر والبحار العُماني أبو عبيدة عبدالله بن القاسم والذي يعتبر أول بحار عربي يصل إلى الصين، والشيخ عبدالله الصحاري أصبح رئيساً لحى العرب والاجانب في ميناء كانتون، بالإضافة الى سعيد بن ابى علي، والنظر بن ميمون، والنوخذة اسماعيل بن ابراهيم بن مرداس، ومحمد بابشار بن حرام.
وأردف المقدم قائلا: في عهد "أُسرة سونغ " ( 1279 - 960 ) تطوّرت حركة خطوط الملاحة مع موانئ شبة الجزيرة العربية وخاصة العمانية وقد كانت السفن الشراعية الصينية تصل مباشرة إلى الموانئ العمانية بدون مرورها بجنوب شبة الموانئ الهندية. وكانت أسواق وموانئ عمان تُباع فيها المنتجات الصينية.
وفي عهد أُسرة مينغ الملكية (1368-1644م)، شهدت فيها العلاقات الصينية – العمانية، اتصالات دبلوماسية وتجارية، وخير مثال على تلك العلاقة هي: رحلات البحار الصيني "تشانغ خه"، الذي قام بسبع رحلات بحرية عابرا المحيط الهندي (1405-1435)، ووصل إلى شرق افريقيا ومنطقة الخليج العربي، وخاصة إلى ظفار وقلهات وصُحار وهُرمُز.
وقال المقدم: لم تتوقف العلاقات بين الصين وعمان خلال الفترات التاريخية حتى قيام النهضة العمانية عام 1970م، بقيادة السلطان قابوس، سلطان عمان، وعادت العلاقات الدبلوماسية والتجارية عام 1978م بين البلدين. وفي العام 1980م ابحرت السفينة العُمانية "صُحار" التي أشرفت عليها وزارة التراث العُمانية، في طريقها إلى ميناء كانتون حيث وصلت في عام 1981م.
وأشار إلى أن فكرة بناء سفينة "صُحار" التي اطلق عليها "رحلة السندباد" كان الهدف منها دراسة الاحوال الحقيقية والواقعية للخطوط البحرية بين الشرق والغرب وأيضا تقويّة الأواصر التي ترمز إلى العلاقات العمانية - الصينية التجارية والعلاقات التجارية والتاريخيّة التي تربط الموانئ العمانية والصينية.
وأضاف في فبراير 2010م، ابحرت السفينة "جوهرة مسقط" والتي أشرفت عليها وزارة الخارجية العُمانية، والتي بُنيِّت يدويا مستهلة رحلتها البحرية إلى سنغافورة عبر الطُرق البحرية القديمة، في (طريق الحرير البحري)، المحيط الهندي متبعة خطى البحارة العمانيين القدامى الذين سارو في هذه الخطوات التي كانت سائدة خلال القرن التاسع الميلادي.
وفي عام 2011م، افتتح معرض "سفن الكنوز العريقة" من الصين إلى شبة الجزيرة العربية في مسقط، والذي عرض مقتنيات صينيّة أثرية عُثر عليها في صُحار وقلهات والتي تُعود لفترة ما بين القرن الثاني والثالث والتاسع الميلادي، وتلك المقتنيات تجسدّ العلاقات العُمانية الصينيّة عبر العصور التاريخيّة ودليل أخر على عُمق واهمية الدور العماني في تلك العلاقات.
واختتم الدكتور المقدم ورقته في الندوة قائلا بأن العلاقات العُمانية – الصينية التاريخية تحمل دلالات كثيرة وأهمها الدور العماني في هذا التواصل التاريخي الذي يعود إلى أكثر من التواصل بين شعبين منذ أكثر من 2200 عام.