تحدث الرئيس شي جين بينغ في خطابه الذي ألقاه في منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي عن سفينة "الصخرة السوداء" التي عُثر عليها في المياه الأندونيسية، وتعود إلى ماقبل ألف عام. وقال بأن هذه السفينة تعد شاهدا على التبادل بين مختلف الدول على طريق الحرير القديم.
فماهي سفية "الصخرة السوداء"؟ وماهي السلع التي كانت تحملها؟ وماهي قصتها؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، قام الصحفي السامي بصحيفة الشعب اليومية دينغ قانغ، الذي عمل وقتا طويلا بجنوب شرق أسيا، بإجراء مقابلات صحفية مع مجموعة من مسؤولي المعارض والباحثين. وألقى الضوء على قصة سفينة "الصخرة السوداء".
تمكن بحارة أندونيسيون في عام 1998 من إيجاد سفينة قديمة على عمق 16 مترا بسواحل جزيرة بيليتونغ. ومثل ذلك علامة على بدء البحث في أسرار طريق الحرير البحري القديم.
عثر على متن السفينة على أكثر من 60 ألف قطعة أثرية نفيسة، 90% منها من الأواني الفخارية، أغلبها من أفران تشانغشا بهونان والخزف الأبيض من خهبي، والخزف الأبيض والأخضر من خنان، والخزف الأخضر من جهجيانغ، وغيرها من أنواع الخزف. كما احتوت السفينة على أكثر من 30 مرآة نحاسية، و30 قطعة من الذهب المخلوط بالفضة و18 قطعة فضية. ويعود الكأس الذهبي الذي أكتشف على ظهر السفينة إلى نفائس حقبة تهانغ الملكية النادرة. حيث تعكس دقة الصناعة وجمال المنظر.
توصل علماء الأثار بعد التحقيقات التي أجروها على السفينة، بأنها تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع. وقد غرقت هذه السفينة بالقرب من السواحل الاندونيسية، بعد أن حُمّلت بمنتجات الخزف وغيرها من الصين.
ويرى علماء الآثار بأن هذه السفينة تعد إحدى أهم الإكتشافات الأثرية وأقدمها خلال نهاية القرن العشرين. وهي سفينة عربية ثلاثية الأشرعة، كان يستعملها العرب في تنقلاتهم بين بحر العرب وشرق إفريقيا والمحيط الهندي. وتعد شاهدا مبكرا على العلاقات التجارية بين العالم العربي والصين خلال طريق الحرير البحري القديم. في هذا السياق، قال الباحث بمتحف الحضارات الآسيوية بسنغافورة تهان هاي دي، أن الدلالة الأكثر بروزا في سفينة "الصخرة السوداء"، تكمن في تأكيدها على وجود طريق الحرير البحري القديم ربط بين الصين وغرب آسيا.
من جهة أخرى، يرى الأكاديمي السنغافوري خه زونغ يوان في بحث نشره حول هذا الموضوع. أن الوثائق المتعلقة بطريق الحرير البحري القديم كانت بالغة الندرة، وكان أغلبها من الحكايات المتداولة أو الكتابات والروايات الشفوية القادمة من أوروبا، أو المؤلفات الأدبية الهندية القديمة، أو النقوش التي تم اكتشافها في جنوب شرق آسيا. أما سفينة "الصخرة السوداء" فتعد أهم شاهد يتعلق بطريق الحرير البحري القديم يتم اكتشافه إلى حد الآن.
ووفقا للبيانات التي إطلع عليها الصحفي دينغ قانغ في متحف الخزف بجامعة بانكوك التايلندية، فإن آثار طريق الحرير قد باتت أكثر فأكثر بروزا بعد حقبة تهانغ. وقد تم إلى حد الآن إنتشال أكثر من 200 سفينة بأكثر من 100 موقع بدول جنوب شرق آسيا، وأكتشفت غالبية هذه السفن بعد ثمانينات القرن الماضي. من بينها 41 سفينة أكتشفت في الفلبين، و27 سفينة أكتشفت في اندونيسيا، و23 سفينة اكتشفت في تايلند و17 سفينة اكتشفت فيي ماليزيا، و10 سفن أكتشفت في الفياتنام. وتتوزع هذه السفن على مختلف فترات التاريخ، منها القادمة من الصين، ومنها القادمة من أوروبا، ومنها القادمة من الشرق الأوسط، لكن مايجمع مختلف هذه السفن هو أنها محملة بالخزف والأدوات المعدنية والشاي وغيرها من السلع الصينية.
إنتشر خبر العثور على سفينة الصخرة السوداء على نطاق واسع في العالم عقب إنتشالها من عمق البحر. ومنذ عام 2002، تقدمت عدة متحاف صينية إلى الجانب الأندونيسي بطلبات لشراء السفينة، لكن الجانب الأندونيسي طلب 40 مليون دولار، واشترط شرائها كاملة. مادعى المتاحف الصينية للتخلي عن نية الشراء. وفي عام 2005، قامت شركة سنغافورية بشراء هذه السفينة مقابل 32 مليون دولار.
طرح إكتشاف هذه السفينة عدة تساؤلات غامضة: لماذا غرقت سفينة "الصخرة السوداء" في هذا المكان تحديدا؟ وهنا، يعتقد الخبراء بأن السفينة قد ظلت الإتجاه، أو أن رياحا عاتية دفعتا بعيدا عن مسار رحلتها.
تحتوي السفينة على سلع ثمينة ونادرة في الحفريات الصينية، وعددها ليس قليلا. وهو مايثير التساؤل هل أن هذه السلع كانت في شكل هدايا من الصين، أم تم نقلها لبيعها في الأسواق العربية؟ ولماذا لم تحتوي السفينة على الكثير من النقود؟ وبأي طريقة تمت عملية البيع والشراء؟ وماهي آخر محطة شحن لهذه السفينة؟ وأين كانت وجهة السفينة؟......أثارت الأواني والتحف التي عثر عليها في السفينة فضول الباحثين في مختلف أنحاء العالم، وجذبت الإهتمام بالدور الذي كانت تلعبه الصين في طريق الحرير القديم.
علقت مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" الأمريكية في عددها السادس لعام 2009 على هذا الإكتشاف قائلة: "بعد أن فتحت الصين التجارة العالمية قبل 2000 عام، ظلت مثل الصدفة، تارة تُفتح وتارة تغلق. وقد أزدهرت التجارة في عصر أسرة تهانغ لقرون، وتمكنت الصين من خلال اختراعاتها الكبرى بأن تصبح امبراطورية إقتصادية عظمى."
بعد مفاوضات بين سنغافورة وأمريكا، تم نقل "الصخرة السوداء" إلى أمريكا. وفي 7 مارس من العام الحالي، بدأ عرض هذه السفينة في نيويورك تحت عنوان "أسرار المحيطات: سفن اسرة تهانغ الغارقة والتجارة القديمة في آسيا".