حلب ــ سوريا 27 يوليو 2017 /عشرات العوائل من أهالي ارياف الرقة ، يفترشون الأرض في كراج الحافلات في منطقة الراموسة جنوب غرب مدينة حلب (شمال سوريا ) ،الذين وصلوا اليها عبر رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر ، هربا من المعارك المستمرة هناك ، بين تنظيم (داعش ) من جهة وقوات سوريا الديمقراطية المدعوم من قبل الولايات المتحدة من جهة أخرى .
رجال كبار ونساء فتك بهن المرض وأطفال صغار تركوا المدرسة منذ دخول تنظيم (داعش) محافظة الرقة وجعلها عاصمة له ومعقلا رئيسيا له، تحملوا رحلة العذاب هذه هربا من الموت ، وبحثا عن الأمن والأمان في أماكن سيطر عليها الجيش السوري .
وقال رجل عجوز رفض الإفصاح عن إسمه ، ينوف عمره عن 65 عاما، من أهالي ريف الرقة الشرقي الذي وصل مساء يوم الخميس الى كراج الراموسة بحلب، وهو ينام على ظهره في الكراج على غطاء رمادي اللون ويضع السلك العربي على رأسه لوكالة (شينخوا) بدمشق إنه " وصلت اليوم الى مدينة حلب قادما من ريف الرقة الشرقي بعد أن سيطرت قوات سوريا الديمقراطية عليه ، ودحرح تنظيم (داعش) منها ، في رحلة محفوفة بالمخاطر مع زوجتي المسنة ، وبعض أبنائي ، هربا من المعارك والموت المجاني الذي يحوم فوق رؤوسنا بشكل يومي " .
وتابع الرجل الستيني قائلا إنه " لقد مارس تنظيم (داعش ) بحقنا ألوان العذاب، وحرمانا من أبسط اشكال الحياة ، وهي مشاهدة التلفاز والاستماع الى الأخبار ، ومتابعة المسلسلات الدرامية ، بحجج واهية " ، مؤكدا أن كل شخص يخالف يعرض نفسه للعقاب عن طريق " الحسبة " وهم رجال الشرطة الذين يطبقون النظام على المخالفين .
وأشار إلى أنه وصل الى مدينة منبج ومنها وصل الى حلب ، مؤكدا أنه يشعر بالارتياح لأنه وصل الى حلب ، وسيكمل مشواره الى العاصمة دمشق لمتابعة العلاج ، كونه مريض .
وروى بمرارة وحزن كيف منع من المغادرة من الرقة إلى محافظة أخرى عدة مرات، مبينا أن تنظيم (داعش ) كان يفخخ المعابر الرئيسية ويضع حواجز كثيرة، خشية أن يهربوا من طرق أخرى .
أطفال صغار جلسوا على بعض الحقائب تحتوي بداخلها بعض الأمتعة ، وعلامات البؤس والقهر ارتسمت على وجههم البرئية ، ويلبسون ثياب رثة مضى عليها أشهر لم تغسل، وشعرهم غير مسرح دليل على الإهمال وقدم القدرة على الاعتناء بالأطفال في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها .
وعبر هؤلاء الأطفال عن فرحتهم لخروجهم من أرياف الرقة بحثا عن الأمن والاستقرار ، وقالوا لوكالة ( شينخوا) " حرمنا من التعليم منذ سيطرة تنظيم (داعش) على الرقة ، في أغسطس من عام 2014 ، وحرمنا من اللعب ، وخاصة الفتيات الصغار ، فمنعوا أن يلعبوا في الشوارع أو بالكرة " .
وقالت وصال التي تبلغ من العمر 11 عاما إنها لا تتذكر في أي عام تركت المدرسة ، وانها نسيت الكتابة والقراءة، مؤكدة أنها ستستأنف الدراسة من جديد بعد أن يستقر بهم الحال في حلب .
معظم العائلات التي كانت متواجدة في كراج الراموسة في حلب ، أتوا من ريف الرقة الشرقي ، ودير الزور ، وكان الكراج مكانا كي يتعرفوا على بعضهم البعض ، ويقضون الليل في الكراج ريثما تتحرك الحافلات في صباح اليوم التالي ، كل إلى مقصده .
وقال أبو نواف 66 عاما من قرية الحمرة بريف الرقة الشرقي والتي تبعد حوالي 50 كلم شرقا عن مركز المدينة إن " قوات سوريا طردت تنظيم (داعش ) منذ أشهر ، وأن القوات الكردية نصحتنا بأن نغادر المنازل ، حرصنا على أروحنا من العمليات العسكرية العنيفة التي تجري بينهم وبين تنظيم (داعش) " ، مؤكدا أن الموت كان يحوم في رؤوسنا ورؤوس أطفالنا ، وعندما نسمع تحليقا للطيران كنا نرتجف من الخوف .
وأشار أبو نواف إلى أنه دفع مبلغ 9 الاف ليرة سوريا كعقوبة لتنظيم (داعش) لأن إبنته كانت تغسل الحصيرة ويداها مكشوفة ، مشيرا إلى أن "الحسبة " هددت بقطع يدها اذا لم يدفع الغرامة بسرعة ، لافتا إلى أن تنظيم (داعش ) يتقهقر بشكل سريع بسبب العمليات العسكرية القوية .
وقال الفتى أحمد الذي يبلغ من العمر 15 عاما لوكالة ( شينخوا) إنه " وصل مع عائلته إلى حلب اليوم ، عبر رحلة طويلة استغرقت بضعة أيام ، سلكوا خلالها طرق ترابية وعرة ، وبسيارات " بيك ــ أب " ، وتحت أشعة الشمس الحارقة التي وصلت إلى اكثر من 42 درجة مئوية " .
وأضاف أحمد أنه " دفع أكثر من 25 الف ليرة سورية أي ما يعادل 50 دولارا أمريكا ، مقابل نقلهم من مخيم الكرامة الى بلدة سلوك بريف الرقة ، هربا من تنظيم (داعش) الذي قلب حياتهم رأسا على عقب " .
وتابع يقول إنه " لقد تابعت مسلسل غرابيب سود الذي عرض في رمضان الفائت ويتكلم عن تنظيم (داعش) ، بالسر ، ما عرضه المسلسل يجسد إلى حد كبير ما كان تنظيم (داعش ) يمارسه علينا حقيقة في الرقة والمناطق التي يسيطر عليها تنظيم (داعش) من قتل وسب النساء ، وذبح بطريقة بشعة تخيف الأطفال والرجال الكبار " .
تتشابه الروايات والقصص التي سمعناها من أهالي الرقة الذين نجوا من الموت ، وبعضهم قال على سبيل الطرفة إنه " ربما كتب لنا عمر جديد منذ وصلنا الى حلب " ، وأخرون شبه تنظيم (داعش) بـ(عزائيل) ملك الموت الذي يريد أن يخنق الناس وهم أحياء .
وقال ضابط سوري في كراج الراموسة لوكالة (شينخوا) بدمشق إن الحكومة السورية تسهل أمر هؤلاء المواطنين الفارين من الموت ، وتقدم لهم ما يلزم من مسلتزمات كي يصلوا إلى مقاصدهم .
وكان مصدر عسكري تحدث عن قيام الجيش السوري بفتح أربعة معابر إنسانية لخروج المدنيين من مدينة الرقة باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية.
وأضاف المصدر أنه " من الضروري فتح المعابر، ولاسيما أن مسلحي داعش أخذوا يهددون السكان العزل مع اقتراب وحدات الجيش من مناطقهم".
ونشر ناشطون يقطنون في مدينة الرقة عبر صفحاتهم في موقع التوصل االجتماعي " تويتر" تغريدات تفيد أن تنظيم ( داعش) يعيق خروج المدنيين وسط تفخيخه للطرقات والتقاطعات المؤدية لمناطق سيرة الجيش السوري.
يذكر أن عشرات النساء خرجن الشهر الفائت من مناطق سيطرة تنظيم ( داعش ) هرباً نحو مناطق أكثر أمناً، وسط تأمين السلطات السورية لكافة مسلتزماتهم وتوفير مراكز إقامة مؤقتة لهم.
ويشار إلى أن قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف يضم مقاتلي ( أكراد وعرب ) تمكنوا خلال الأسابيع القليلة الماضية من السيطرة على عدة أحياء من مدينة الرقة، وقلصوا المساحة التي يسيطر تنظيم داعش عليها في المدينة الى بضعة كيلومترات، إضافة إلى أن الجيش السوري تمكن من السيطرة على أغلب قرى ريفي الرقة الجنوبي والجنوبي الغربي ، وسيطر على آبار نفطية وحقول غاز ومنشآت نفطية تمهيدا للقضاء على تنظيم (داعش) في الرقة .