مقالة خاصة: هايكو: سياحة العين واللسان

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/  2017:12:06.16:09

بقلم/ أبو هارون

 بينما يقضي الناس في شمال الصين شتاء باردا، يعيش سكان هاينان طقسا صيفيا. فحينما أقلعت بنا الطائرة من مطار بكين كان جميع الراكبين يرتدون ملابس ثقيلة، لكن حينما وصلنا مطار هايكو، سارع الجميع إلى نزع الملابس الصوفية والإكتفاء بملابس خفيفة.

طقس المدينة حار نسبيا، وهنا تجد السماء الأكثر زرقة في الصين. ونسمات الهواء الخفيفة القادمة من المحيط تحرك أشجار الجوز المتراصفة على جانبي طرقات المدينة.

خلافا لأغلب المقاطعات الصينية، يبدو جليا في هايكو وغيرها من مدن هاينان التي زرتها، أن عمل الطبيعة أكثر بروزا من عمل الإنسان. فرغم الثورة العمرانية التي شهدتها عاصمة المقاطعة خلال الأعوام الأخيرة، إلا أن المساحات الخضراء تمثل المشهد الرئيسي من لوحة المدينة.

تبدو هايكو مدينة فتية تمتلك قدرات كامنة كبيرة، يمكن أن تجعلها إحدى أكثر المدن الصينية تطورا في المستقبل. لذا فإن لدى هايكو وسائر مدن هاينان جاذبية كبيرة لسكان الشمال الصيني، الذين يهاجرون إليها بأعداد غفيرة، بشكل نهائي أو فصلي، هربا من شتاء الشمال الجليدي الطويل.

قضيْنا ليلتنا الأولى في فندق بضاحية هايكو، فندق فخم يتبع إحدى أشهر سلسلات الفنادق العالمية، يطل على شاطئ نظيف، فسيح وجميل، وعلى جانب الشاطئ يمتد حزاما أخضرا من أشجار الجوز الباسقة. وفي الليل تسمع من غرفتك هدير أمواج المحيط القوية. مئة دولار، قد تكون كافية لقضاء ليلة وسط هذا الجو الإستوائي البديع بالفنادق الفخمة بهذه الضاحية.

السمة البارزة التي تميز السياحة في هايكو والمدن التي زرتها، هي عدم تغلغل النزعة الإستهلاكية في السياحة. فعادة، تكون المنتجات والأنماط السياحية إستهلاكية وتجارية في مثل هذه الجزر الإستوائية الساحرة. لكن في هاينان، يمكننا الحديث عن "التجربة السياحية النقية"، حيث يحضر البعد الطبيعي والثقافي والمحلي بشكل أكثر بروزا داخل المشهد السياحي.

وهو ما يجعل السياحة في هاينان تجربة يصعب تكرارها في باقي الجزر السياحية الشهيرة.

هناك سبب موضوعي وراء هذه الظاهرة، فهاينان هي جزيرة زراعية بالأساس. والمجتمعات الزراعية غالبا ماتتميز بتركز كبير للعادات والتقاليد المحلية، وعفوية وطيبة الطباع، كما أن هاينان تضم أكبر عدد من الأقليات القومية. وحينما تتقاطع الزراعة مع السياحة، من الطبيعي أن تصبح الأطعمة والثقافة المحلية، سمة بارزة في سياحة الجزيرة.

لذا حينما تدخل مطاعم هايكو ستجد أغلب الأطباق محلية، ولها جذور متشعبة داخل النسيج الثقافي والتاريخ للمدينة. من أكثر الأطباق شهرة في هايكو، نجد طبق "تشاي تساي باو"斋菜煲، وهو طبق لايغيب عن مائدة العائلة في رأس السنة الصينية (عيد الربيع)، حيث يرمز للصحة والسلام. و"معكرونة هاينان"海南粉، وهو طبق معكرونة مخلوطة بالخضار واللحم، وعمره أكثر من 500 سنة. إلى جانب "شاي أبي العزيز"老爸茶، الذي يشربه الناس أثناء حلقات الحديث والتسلية، وكعكة الفجل الأبيض اللذيذة 海南萝卜糕 .

في أغلب المطاعم الكبيرة، هناك ركوح للعروض الفنية. حيث يتناول الزبائن أطباق هاينان المحلية، ويشاهدون عروض رقصة أعمدة الخيزران، وهي لعبة ورقصة في ذات الوقت، يتشارك فيها الصبيان والفتيان، وعادة مايرتدون ملابس الأقليات القومية في الجزيرة.

من المعالم المهمة في هايكو، التي يجب على كل زائر لهذه المدينة زيارتها هو "شارع تشيلو القديم" 海口骑楼老街. يعود هذا الشارع أساسا إلى حقبة سونغ الجنوبية ماقبل 700 سنة. وفيه تجد مزيجا من الأطعمة والتقاليد المحلية، حيث تتجمع فيه عشرات المحلّات الصغيرة التي تبيع الوجبات الخفيفة بمختلف مذاقاتها. مالفت إنتباهي في هذا الشارع، هو فرن الدجاج المشوي، وهو فرن كبيرا نسبيا من الطين في شكل مكعب، وبه فتحة مربعة من الأعلى تفرن فيها فراخ الدجاج بعد لفّها في أوراق الألمنيوم، في حرارة عالية، يغمر وهجها الساخن وجوه الزائريين الفضوليين، وتثير روائح الأطعمة الذكية المتأتية من هناك وهناك الأنوف فتشعرك بالجوع. أما البخار الكثيف المتصاعد من طناجر طهي الباوزي (خبز يطهى على البخار)، فيجعل المكان شبيها بجو صوفي.

في الطابق السفلي للمبنى الرئيسي بشارع تشيلو القديم يوجد متحف طريق الحرير، يعرض معلومات ومعروضات عن طريق الحرير البحري القديم. فهاينان هي أقصى اليابسة الصينية جنوبا، وقد كانت محطة مهمة في التجارة البحرية لطريق الحرير الغابر.

إذا قدمت إلى عاصمة الجزيرة، لا يمكنك أن تغادر دون أن تتذوق أطباقها البحرية. والخيار الأفضل هو أن تتجه إلى سوق المأكولات البحرية بهايكو، وهي سوق كبيرة فيها عشرات باعة الفواكه البحرية المتنوعة وعشرات المطاعم. وكل ماعليك هو أن تختر ماتريده من البحريات الطازجة أولا، ثم تقصد جهة المطاعم فتختر المطعم المناسب والطريقة المناسبة لإعداد طبقك المفضل.

في هايكو تجد الكثير من الفواكه التي لم ترها من قبل، التي لاتعرف إسمها، وإن عرفته فمن الصعب أن تجد له ترجمة إلى لغتك الأم. لأنه بكل بساطة، الكثير من هذه الفواكه لا تنبت إلا في هاينان، وتذوقها يعطيك شعور " التجربة" غير المسبوقة.