خه قوي ماي: أستاذة الأدب الصيني بجامعة بكين
ترجمة وتعليق: د. وليد عبدالله
مع بداية القرن الجديد، أصبحت "موجة الثقافة التقليدية" ظاهرة إجتماعية وثقافية مثيرة للإنتباه في الصين. ونقصد بـ"الثقافة التقليدية" هنا الثقافة التي تراكمت على مرّ مراحل تاريخ الصين وأوضاعها. ولها جوانب شتى، مثل: "الحضارة الصينية"، "الثقافة الصينية"، "العلوم الصينية"، "الدراسات الكونفوشيوسية"، "التاريخ الوطني"، "الكلاسيكيات الصينية"، "الأعياد التقليدية"، "التعليم التقليدي"، "المراسم التقليدية"، وغيرها. هذا الجدل والإهتمام المثار حول الثقافة التقليدية الصينية يكتسي أبعادا إجتماعية، سياسية وإقتصادية في الصين المعاصرة.
"الثقافة التقليدية" أصبحت حقل ممارسة
مثّلت موجة "معارضة التراث القديم" و"التغريب" التيار الرئيسي داخل المجتمع الصيني خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. حيث اعتقد الكثير بأن "التراث الصيني" شيء مضرّ وهدّام. ويمكن القول إن هذا يعد الموقف الرئيسي الذي تبنته مسيرة التحديث في الصين من الثقافة التقليدية خلال القرن العشرين بأكمله.
لكن مع بداية القرن الواحد والعشرين، شهد الموقف من الثقافة التقليدية تغيرا جوهريا. حيث بدأت البوصلة تتحول من المعارضة والرفض والإقصاء، بإتجاه الدعم والاعتراف والممارسة. وجدير بالقول، أن هذا المنعرج مثّل ظاهرة عامة داخل المجتمع، شاركت فيها مختلف الديناميات الاجتماعية.
تجلّى هذا التغير في الموقف من التراث الصيني القديم على مستوى صورة الدولة، الأوساط المعرفية، الهوية الثقافية للمجتمع وإتجاه الصناعة الثقافية. أما على مستوى الجانب العملي، فلا يخفى علينا بأن "الثقافة التقليدية" قد باتت حقل ممارسة هاما في عملية بناء الهوية السياسية، وفي تغير النفسية الاجتماعية ونمط العمل الاقتصادي والبناء الفكري.
إحتفال تقليدي لطلاب المدرسة الابتدائية الجدد
من زاوية الممارسة، كثيرون يعتقدون بأن "التراث القديم" ظل دائما متواجدا داخل الصين المعاصرة، لكنه لم يحظَ بفرصة الإعتراف والارتقاء إلى مستوى التصور النظري، وقبع طويلا في وضع "الممارسة اللاوعية". وهذا ما يفسره رغبة الناس في إستعمال مصطلح "النهضة" في وصف تزامن ظاهرة "صعود" الصين وموجة الإهتمام بالثقافة التقليدية منذ بداية القرن الواحد والعشرين.
من الواضح أن مفهوم "النهضة" يُستعمل في سياق سرْدي، ويعبر عن قدرة الصين على إستعادة وضع سابق ما. ومجال هذا الوضع قد يكون شاسعا ومعقدا، كأن يمسح خمسة آلاف سنة من التاريخ الصيني. كما تشمل معانيه الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية ومختلف المدارس العقلية التي عرفتها الصين القديمة. يعبر المؤرخ البريطاني إريك هوبزباون عن رغبة المجتمع الحديث في إعادة بناء التراث القديم بمفهوم "اختراع التراث".
لكن مفهوم "النهضة" في الصين المعاصرة، ينطوي على معاني تختلف بعض الشيء عن المعنى العادي لمفهوم "اختراع التراث" لدى هوبزباون. مثل العلاقة الاستمرارية بين الماضي والحاضر، والتي تعني إستمرار "حياة" بعض العناصر التابعة إلى عصور قديمة وسط "جسد" عالمنا الراهن. ولأن الصين القديمة هي "حضارة" وفي ذات الوقت "إمبراطورية"، لذا فإن "النهضة" الصينية المقصودة، لا يمكن أن تكون بمعزل عن "الحضارة"(القديمة).
غير أن مركز مفهوم "النهضة" الصينية كما يُطرح حاليا، ليس "الحضارة" أو "الثقافة"، وإنما "الأمة"، هذا الكيان التاريخي الصيني. وهذه "الأمة"، يُقصد بها "أمة الدولة" التي تشكلت خلال مسيرة التحديث الصينية. والتي يُسميها عالم الاجتماع الصيني فاي شياوتونغ بـ "الكيان المتعدد".
تمتلك أمة "الكيان المتعدد" ثنائية تُعبر عن خصوصيتها. فمن جهة، ظهرت في خلفية "المواجهة الصينية مع القوى الاستعمارية الغربية خلال العصور الحديثة"؛ ومن جهة ثانية، تعتبر نتيجة لـ "تراكم تاريخي على إمتداد آلاف السنين". لذا، فإن بروز "تراث الأمة" في خلفية "النهضة" الصينية، يمثل ظاهرة طبيعية وملازمة لتطور الدولة الصينية الحديثة.
مسابقة شعبية في عيد قوارب التنين
بمراقبة الظاهرة من خلال هذا المنظور، نجد أن العادات والتقاليد والأعراف القديمة لم تعد تؤدّي نفس المعاني في الصين المعاصرة. ولو أخذنا "عيد قوارب التنين" على سبيل المثال، يمثل من منظور الدولة الحديثة مجرّد مناسبة إحتفالية، لكن من المنظور التقليدي، هو ممارسة ذات بعد روحي تختلط فيها الاسطورة بالخرافة فالطقوس، ويمثل مظهرا من تجليات "الحضارة".
إن "نهضة" الثقافة التي تربت في كنفها "الإمبراطورية" آلاف السنين، داخل "أمة الدولة" الحديثة، يجعل موجة الثقافة الصينية في الوقت الحالي لا تقف عند مفهوم "إختراع التراث" لدى إيريك هوبزباوم. بل تعبر كذلك عن إدراك وممارسة لـ "نظرية الحضارة". وهذه الممارسة تتم على مستويات مختلفة، بما في ذلك السياسة والمجتمع والاقتصاد والعقل الجمعي، كما تشمل مختلف المحرّكات الإجتماعية.
لذا فإن إعادة إنتاج تاريخ "الحضارة" من منظور الدولة الحديثة، يمكن أن يدفع نحو ظاهرة "الصقل المتبادل" بين "الحضارة" و"الدولة"، (حيث تقوم الدولة الحديثة بإعادة تشكيل الثقافة التقليدية، وتقوم الأخيرة بنحت ملامح الدولة). هنا، يعد مجال الممارسة، البعد الأكثر إثارة للإهتمام، فما هي القوى التي تشارك وتدفع بعملية إعادة إنتاج التراث، وماهي محرّكاتها التاريخية. بالنظر من هذه الزاوية، يمكننا تحليل "موجة عودة الثقافة التقليدية" في الصين المعاصرة من خلال التجلّيات التالية:
التغير الكبير في صورة الدولة
أولا، عملية بناء صورة "الصين". لا شك أن صورة الدولة الصينية في القرن الجديد، قد إختلفت عن صورة "الصين الإشتراكية" في عصر ماو، وأيضا صورة "صين التحديث" في عهد دنغ شياو بينغ، وبتنا أمام صورة "الصين المتجهة إلى طريق النهوض".
في عام 2009، ظهر برنامجين فنيين مهمّين، حملا نفس الاسم "طريق النهضة". أحدهما كان في شكل دراما ملحمية موسيقية راقصة، ومثّل أحد المشاريع الفنية الوطنية الضخمة. والثاني، سلسلة من الأفلام التي تتضمن تعاليق سياسية أنتجها التلفزيون المركزي الصيني. وقد تم بث هذين العمليْن بمناسبة مرور 60 عاما على تأسيس الصين الاشتراكية. لكن محتواهما لم يشمل الـ60 عاما من تاريخ جمهورية الصين الشعبية فحسب، بل إنطلقا من حرب الأفيون في عام 1840.
لاريْب أن الحزب الشيوعي الصيني يمثل المركز والجسد الرئيسي لتاريخ الصين المعاصرة. لكن المعنى الحقيقي للحزب الشيوعي لا يكمن في الثورة الإشتراكية أو حتى التحديث. وإنما في "نهضة الأمة"، ومساعدة الأمة الصينية على إستعادة مجْدها القديم. إذ أن شرعية الحزب السياسي تتأسس من خلال هوية "الأمة"، والدولة الصينية يمكن ترجمتها بشكل مباشر إلى مفهوم "الأمة الصينية"، الأمة الصينية التي بإستطاعتها إعادة إنجاز مجدها القديم. وهذا يعكس تغيرا كبيرا في صورة الدولة الصينية.
مشهد مستوحى من الثقافة الصينية التقليدية في حفل افتتاح أولمبياد بكين 2008
إذا نظرنا من زاوية "النهضة"، نجد أن التراث أو الحضارة القديمة، باتت تمثل الهوية والصورة الرئيسية لصين القرن الجديد. على سبيل المثال، كان حفل افتتاح أولمبياد بكين 2008 حدثا هاما، ورغم أن الألعاب كانت تخص مدينة بكين فحسب، لكن الصين نظرت إلى الأولمبياد على أنها مشروع وطني لعرض صورة الصين أمام العالم.
فالدولة الصينية اليوم لا تمثل التاريخ الصيني المعاصر فحسب، وإنما أيضا الحضارة الصينية القديمة بكل عناصرها واختراعاتها، من الموسيقى والرسم إلى الاختراعات الأربعة، إلى طريق الحرير... كما يُنظر لعملية عرض صورة الدولة الصينية أمام "العالم"، على أنها "مشروع صورة الدولة" و "القوة الناعمة"، وغيرها من المسميّات. وفي هذا الجانب، تمثل الدراسات الكونغفوشيوسية، العلوم الصينية، وكونفوشيوس جزءا لا يتجزأ من الصورة الجديدة.
من جهة ثانية يعد إنشاء "معاهد كونفوشيوس" في مختلف أنحاء العالم علامة بارزة. وفي الداخل، يتم إدخال التراث الصيني القديم، سيما الكونفوشيوسية وكونفوشيوس شيئا فشيئا إلى صورة الدولة، من خلال توجيه الرأي العام والسياسات. وأفضل مثال على هذا الإتجاه، هو إندماج "متحف الثورة الصينية" و"متحف التاريخ الصيني" في عام 2003، تحت مسمّى واحد: "المتحف الوطني". لكن هذه الصورة للدولة تحتوي أيضا على بعض التناقضات الداخلية.
خير مثال على هذا التناقض هو تمثال كونفوشيوس الذي وُضع ذات مرة أمام المتحف الوطني. حيث تم في البداية وضع تمثال لكونفوشيوس بإرتفاع 10 أمتار أمام المتحف الوطني، لكن بعد أكثر من مئة يوم تمّ نقله. ومن الواضح أن وجود تمثال كونفوشيوس في ساحة الثورة التي تحتوي على تماثيل أبطال الشعب، مازال يعدّ أمرا محرجا. من جهة ثانية، رغم وجود موجة هادرة من الدراسات الكونفوشيوسية والجدل حول كونفوشيس في الأوساط المثقفة والأوساط الإجتماعية، لكن مثل هذه المواد تلقى برودا في سوق الثقافة الاستهلاكية. مثلا، رغم الدعاية الضخمة والميزانية الكبيرة التي رصدت لفيلم "كونفوشيوس" في عام 2010، لكن الفيلم وجد إنتقادا في السوق الثقافية، وصنف على أنه أسوأ فيلم في العام.
بخلاصة، إن التأكيد على "الوطنية" والتشديد على خصوصية الصين داخل العلاقات الدولية، يجعلان من "إنهاض التراث الحضاري الصيني"، عاملا أيديولوجيا أكثر أهمية من "معارضة التراث" أو "الثورة الاشتراكية".
الإستهلاكية والممارسة
تعود "موجة عودة التراث الصيني" إلى التغيرات التي طرأت على العقلية الإجتماعية والهوية الثقافية في المجتمع الصيني، وما صاحب ذلك من إهتمام بالتراث الصيني القديم. بما في ذلك موجة الإهتمام بالمؤلفات الكلاسيكية، والولع بالأعياد التقليدية والملابس التقليدية وغيرها من المظاهر. إلى جانب الإهتمام بالأخلاق التقليدية التي تتمركز حول العائلة. وهذه الموجة هي في ذات الوقت إستهلاكية وممارسة أيضا.
برنامج "منبر الأفكار" حقق نسب مشاهدة عالية
نقصد بالمؤلفات الكلاسيكية، بما في ذلك "الكتب الأربعة والكلاسيكيات الخمس" وأشعار حقبتي تهانغ وسونغ، ومختلف مؤلفات التاريخ والثقافة الصينية. وقد لقيت هذه المؤلفات طباعة ونشرا وقراءة على نطاق واسع منذ مطلع القرن الجديد. وفي عام 2003، إنطلقت محطة التلفزيون المركزي الصيني في بث برنامج "منبر الأفكار"، الذي يشرح المؤلفات الصينية القديمة، وحقق نسب مشاهدة عالية.
يبحث الناس في داخل هذه المؤلفات القديمة عن تفسيرات عصرية حول المسائل الروحية والحياة والأخلاق. ومن مظاهر الرواج الكبير للمؤلفات القديمة داخل المجتمع الصيني المعاصر، أن العديد من المحلات التجارية الكبرى، باتت منذ عام 2009، تضع الكتيْبات الصغيرة عن الثقافة التقليدية الصينية للبيع في أبوابها بأسعار رخيصة. ويقبل الزبائن على شرائها مثل إقبالهم على شراء الخضار.
لوحة فنية تعرض مشهد مسح القبور ومراسم تحري الأصول العائلية في الصين
الأعياد والملابس التقليدية الصينية ومراسم تقديس الأسلاف، هي أيضا جوانب تعكس التغير النفسي داخل المجتمع الصيني. ويتجلى ذلك مثلا في إستعادة الصين في عام 2007 لعطل الأعياد التقليدية الثلاثة إضافة لعيد الربيع، (عيد مسح القبور، عيد قوارب التنين، عيد منتصف الخريف)، بـ 3 أيام. كما عادت موضة الأزياء التقليدية من جديد، حيث ظهرت "موجة بدلات أسرة تهانغ" في عام 2001، بعد أن إرتداها قادة الدول المشاركون في اجتماع الأبيك بشانغهاي. أما أزياء "أسرة هان" فتعد الأكثر أصالة، وترتدى عادة في الإحتفالات والملتقيات ومعاهد الدراسات الوطنية. كما ظهرت موجة تحري الأصول العائلية أثناء مراسم عيد كنس القبور، والمراسم التقليدية الضخمة لتقديس كونفوشيوس والإمبراطور هوانغ الذي يعد أصل الأمة الصينية. وفي الأرياف ظهرت موجة إعادة بناء شجرة العائلة وأضرحة الأسلاف.
هذه الظاهرة يمكن تفسيرها من خلال جانبين: أولا، تعبر عن تغير في نفسية المجتمع ومزاج الجماهير. وهو ما يمكن أن نعبر عنه بـ"الحنين" للعودة إلى تقاليد الأمة. ثانيا، تعمل الدولة ووسائل الإعلام على الدفع في هذا الإتجاه. وهذا يترجم نداء نفسي داخل المجتمع، كما يعبر عن إعادة بناء لمعنى الحياة بالنسبة للصينيين.
الثقافة "المعرضية"
نقصد بالثقافة "المعرضية" موجة التراث الصيني القديم المدفوعة بقوى إقتصادية. وخاصة صناعة السياحة وصناعة السينما والثقافة. فقد بدأت السياحة تزدهر في الصين مع أواخر التسعينات، وفي عام 2001، تحدثت القيادة الصينية عن ضرورة تحويل السياحة إلى إحدى أهم القطاعات الإقتصادية. وتماشيا مع هذا الإتجاه، عملت الحكومات المحلية على دفع الإستثمار والتطوير في قطاع السياحة. وقد تجسد ذلك في إهتمام الحكومات المحلية بالشخصيات التاريخية والحفريات الأثرية. حيث عملت الحكومات المحلية على دفع إقتصادياتها من خلال تحفيز الإمكانيات الكامنة للثقافة التقليدية.
حفل لاستعراض مراسم "عبادة السماء" التقليدي في معبد السماء ببكين
تتميز هذه الظاهرة بخاصيتين: أولا، هذه الظاهرة الثقافية هي بالأساس نشاط إقتصادي، يهدف إلى تحقيق الأرباح، وهذا الهدف يقوده إلى إبتكار العديد من الأنماط الثقافية؛ ثانيا، تمثل الحكومات المحلّية الفاعل الرئيسي في تكون هذه الظاهرة. وإذا نظرنا إلى مسألة صورة الدولة من هذا المنطلق، فإن السلوك الثقافي والإقتصادي للحكومات المحلية يمثل نسخة لسلوك الحكومة المركزية.
من جهة ثانية، عكست نسب المشاهدة العالية للمسلسلات والأفلام التاريخية التي بدأ عددها يتزايد منذ تسعينات القرن الماضي، تشوق المجتمع الصيني نحو معرفة التاريخ والثقافة الصينية التقليدية.
تعليق: د. وليد عبدالله
أعتقد أن الأستاذة خه قوي ماي قد نجحت إلى حدّ كبير في طرح ظاهرة آخذة شيئا فشيئا في التشكل والوضوح، وهي عودة "الروح الصينية القديمة " للدولة الصينية الحديثة. فالثقافة تعبر عن ترسبات قوية تتم على مدى مئات وآلاف السنين داخل الوعي الجمعي للمجتمع، لا يمكن للمجتمع الفكاك منها بسهولة. وحتى حينما يرغب الإنسان في الخروج عن الموروث القديم، سرعان ما يجد نفسه يشكل نمطا جديدا من الثقافة الأصلية، إذا ما جانب في ذلك التقليد.
رأينا من قبل في هذه السلسلة من المقالات المترجمة، خاصة مع مقال المفكر مامين، كيف باتت الثقافة الصينية تمثل البصمة التي تعطي النموذج الصيني خصوصيته، وكيف باتت تمثل بعدا فلسفيا في فهم إتجاه الصين الحديثة. فالصين اليوم لا يمكن أن تكون إلا إستمرارا لتاريخ آلاف السنين من الحضارة الصينية، لكن أيضا هي الصين المشحونة بروح العصر الجديد.
يمكن القول إن ما تعلمته الصين الحديثة من أفكار أجنبية، قد مرّ بمسيرة توطين وتأقلم مع الواقع الصيني والثقافة الصينية لأكثر من 60 عام. وفي الوقت الحالي باتت هذه الأفكار آليات علمية ومناهج عقلانية تعتمدها الصين في الحكم على الواقع وإعادة فهم وفرز ثقافتها الغنية وتاريخها الطويل. لتستخرج من التراث القديم "العناصر الحيّة" التي مازالت تنبض داخل الجسد الصيني، وتمثل قوة دفع نحو المستقبل وبعدا أساسيا في فهم شخصية الصين المعاصرة. في ذات الوقت، لفرز "العناصر الميّتة" في الثقافة الصينية أيضا، أي الأشياء التي إنتهت وظيفتها وصلاحيتها في مرحلة زمنية ما من التاريخ الصيني، وأحيلت إلى الذاكرة "المتحفية" للوعي الصيني. واستمرار وجودها في الحاضر لا يعني "العودة إلى الخلف"، بقدرما يعبر عن مقارنة ثقافية، تعكس الأشواط التي قطعتها الصين في عملية التحديث، وتعكس أيضا قدرة الثقافة الصينية على تجديد نفسها عبر العصور، مع الحفاظ على روحها "الأزلية".