人民网 2018:10:19.15:08:19
الأخبار الأخيرة

رحلة عبر الزمن إلى الثقافة الصينية من الشقة 3031

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/  2018:10:19.13:57

    اطبع
رحلة عبر الزمن إلى الثقافة الصينية من الشقة 3031

د. وليد عبدالله 

19 أكتوبر 2018/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ الشقة رقم 3031 في إحدى العمارات السكنية الواقعة بحي يانتها من مدينة شيآن، هي ليست شقّة مثل بقية الشقق. تركب المصعد الكهربائي إلى الطابق الثالث، ثم تضغط على ناقوس باب الشقة. تتوقع أن تجد شيئا مألوفا في الداخل، شيئا تراه في مختلف البيوت الصينية. لكن سرعان ماتفاجأ بحقيقة مغايرة، وهي أن الباب الذي فتح لك سيأخذك للعبور إلى زمن يختلف عن الذي قدمت منه قبل لحظات. شيء عادة مانشاهده في أفلام الخيال، لكنه شعور حقيقي يسكنك حينما تدخل الشقة 3031. فتتحول ضيافتك في هذه الشقة، ضيافة في حضرة الزمن الصيني القديم، ورحلة في عمق الثقافة الصينية الأصيلة. فهنا فتاة تعزف على آلة القوتشين(古琴)، وهناك معلّم يحرك فرشاة الخط الصيني. على اليمين مجموعة من النساء يقرأن المؤلفات القديمة، وعلى اليسار أمرأة تحيك الثياب، وفي الغرفة الداخلية معلّمة تقدم مراسم الشاي، وإلى جانبها معلّما يقود كورالا يغني الأهازيج القديمة. لا أدري هل عرفتم أين أنا الآن؟! انها مدرسة كونفوشيوسية، تدعى مدرسة شيوشيو للحياة الصينيية الرائقة.

شيوشيو، هي مديرة المدرسة. وتمثل الجيل الثالث من عائلة توارثت زراعة الشاي أبّا عن جد في مدينة ياآن (雅安)بمقاطعة سيتشوان. وقد ترك لها جدّها العديد من المؤلّفات الهامة عن ثقافة الشاي، والتي أثارت فيها فضول وحب التعمق في ثقافته، فدرست "مراسم الشاي" (التشاداو 茶道). وقررت أن تنذر بقية حياتها للشاي وثقافته والثقافة الصينية التقليدية.

تعرفت شيوشيو على شيوه بيشنغ، الذي كان رجلا ناجحا في إدارة الأعمال، وسبق له أن أسس أربعة شركات في مجالات مختلفة. لم يتوقع بيشنغ أن تصبح شيوشيو منعرجا في حياته، فقد أحبّها وأحب أفكارها أيضا. وبعد أن تزوجا، قرر بيشنغ ترك ادارة الأعمال، والتفرغ لرسالة زوجته في إحياء الثقافة التقليدية الصينية والتعمق في دراستها، فأسّسا في عام 2008 مدرسة شيوشيو.

أثناء مقارنته بين تجربته في مجال الأعمال ورحلته الروحية في أعماق الثقافة الصينية التقليدية، يقول بيشنغ أن الثقافة الصينية التقليدية قد مكّنته من إيجاد ذاته الحقيقية، بينما يرى بأنه كان قبل ذلك يتّبع التيار السائد ويقتفي أثرا لذاتٍ ليست ذاته.

تُقدم المدرسة دروسا في تعلم العزف على آلة القوتشين، ومراسم الشاي، ومراسم العطور، وفن الخط ورياضة التهايجي. ويقضي المعلّمون والطلبة أوقات الفراغ في دراسة أمّهات الكتب الصينية القديمة، مثل "كتاب الأغاني" (شيه جينغ 诗经)، وكتاب "قانون الطب" (هوانغ دي ناي جينغ 黄帝内经)".

تبدأ الحصص يوميا من الساعة الثامنة صباحا وتنتهي الساعة التاسعة ليلا، لا يختلطون خلالها كثيرا بالعالم الخارجي. حيث يقضون حياة شبيهة بالحياة داخل المخابر أو المعابد، يعكفون فيها على الدراسة والتأمل والتعلّم، بغية الوصول إلى عمق الأشياء ونقاء الروح، وإدراك حقيقة الوجود وكنّه الذات. يقول بيشنغ "في الماضي كنت أشعر أنني إنسانا جيدا، لكن الآن بت أشعر أنني لست كذلك، وأن هناك الكثير من الأشياء التي تستدعي إصلاحها في نفسي". وفي الحقيقة، هذا لايعني أن بيشنغ قد صار شخصا سيئا، بل على العكس، لقد أصبح أكثر صرامة مع نفسه. ولذلك يقضي كل يوم وقتا طويلا في التعلم والتدبر.

 

قد يظن البعض أن شيوشيو وبيشنغ يقضيان مع طلابهم حياة الناسكين داخل المدرسة. كما قد يتسائل البعض عن مصدر دخل المدرسة؟ وكيف يدبّر المعلمون أمور حياتهم؟ في الحقيقة، إن الأمر يختلف كثيرا عن طقوس العبادة التي يعرفها الناس. كما أن ماتقوم به المدرسة، ليس نشاطا دينيا أو وخيريا أو تطوعيا. إن المدرسة في حقيقة الأمر هي شركة ثقافية، تقدم دروسا ومحتويات تعليمية تفيد حياة وعمل الطلّاب. لكن هذه الدروس والمحتويات، لاتتيح للطالب تعلّم المهارات المتعلقة فحسب، بل تأخذه ليغوص في ثقافة وروح هذه المهارات وملامسة أعماقها، من خلال تعلم وتجريب الثقافة التي تكونت داخلها.

يعتقد بيشنغ أن الصينيين اليوم قد أضاعوا التراث القديم، ما ترك قلقا وفراغا روحيا لدى الناس. لذلك فإن العودة إلى إحياء الثقافة الصينية التقليدية، تعد ضرورة ملحّة بالنسبة للمجتمع الصيني الحديث. ورغم أن المعلّمين والطلبة، لا يتواصلون كثيرا مع العالم الخارجي، لكن المدرسة تتحرك بنشاط على وسائل التواصل الإجتماعي للترويج لدروسها، ويأتيها الطلاب من مختلف أنحاء الصين.

يقصد المدرسة ثلاثة أصناف من الطلاب. أولا، الأشخاص الذين يرغبون في التخلص من صخب وضغوط الحياة والمشاعر السلبية، والحصول على الراحة النفسية والطمأنينة. مثلا، روتْ لي شيوشيو، قصة امرأة كانت تعاني من مزاجها الإنفعالي، ما أثّر سلبا على علاقتها الزوجية لسنوات طويلة. وبعدما قصدت المدرسة للدراسة، تعلمت كيف تصبح أكثر هدوءا وحلما، وتتعامل مع الأشياء بروية وسعة صدر. "لقد ظل زوجها يردد عبارات الشكر حينما إلتقاني. وقال إن الرسوم الدراسية التي دفعتها زوجته لم تذهب هدرا. وقال" لقد تحسّنت علاقتنا الآن، وصارت زوجتي تعاملني بأكثر تسامح ورحابة صدر" ". تقول شيوشيو.

السيدة سون، هي مدرسة بمعهد ثانوي، جائت لنفس الهدف أيضا. وهي تقول بأنها كانت تعاني قلقا نفسيا واضطرابات مزاجية، فقررت أن تأتي إلى المدرسة لتعلم مراسم الشاي، وفن الخط وغيرها من دروس الثقافة الصينية التقليدية. "الآن تحسن مزاجي كثيرا، ولم أعد أشعر بالقلق. صرْت أكثر تقبلا للأشياء، وأكثر جرأة على التخلي وترك الأشياء التي تتعبني. بينما كنت سابقا أطارد الكثير من الرغبات".

هناك العديد من الأشخاص مثل السيدة سون. وهناك من أصحاب الياقات البيضاء وحتى الأساتذة الجامعيين، الذين يأتون إلى مدرسة شيوشيو بعد إنهاء العمل، لتعلم أحد دروس الثقافة الصينية التقليدية.

تقول شيوشيو، ان تعلم مراسم الشاي، يساعد على تحقيق السكينة النفسية، لأن حركات مراسم الشاي تراعي الإندماج بين حركة الجسم والقلب، وان تكرار هذه التمارين يمكن أن يساعد الإنسان على زيادة التركيز والدقة والتوازن النفسي. "الطلاب الذين يأتوننا من المدن الكبرى، يخبروننا بأنهم يجدون ذواتهم الحقيقية حينما يأتون إلى المدرسة. وما ان يعودوا إلى مدنهم، حتى تضيع هذه الذوات داخل متاهة الحياة والعمل. لكنهم قد تعلّموا من الدروس، أن يخصصوا أيام نهاية الأسبوع لمحاولة إستعادة هذه الذات والحصول على السكينة".

هناك صنف ثاني من الطلاب الذين يلتحقون بالمدرسة، مثل لوه لوه، التي تتردد على المدرسة منذ 3 سنوات لتعلم مراسم الشاي والعزف على القوتشين. فهي تعمل في مجال الشاي، ومثل هذه الدروس ستجعلها أكثر تأهيلا للنجاح المهني. لكن ليس هذا السبب الوحيد الذي دفع لوه لوه للمجيء إلى مدرسة شيوشيو، فقد عملت سابقا بقوانغ دونغ، لكنها سرعان ماعادت إلى شيآن." كنت أحب قراءة المؤلفات الصينية القديمة منذ طفولتي. ومثلا أنا لا أحب الذهاب الى الكاراوكي، أحب الحياة الهادئة، وهذا أجده في الثقافة الصينية التقليدية، كما أن الثقافة الصينية هي تراكمات من الحكمة والتجارب الحياتية الطويلة للصينيين. لذلك، يمكن أن تنفعني في حياتي وعملي."

أما شي شاي، فتمثل الصنف الثالث من الطلبة الذين يلتحقون بمدرسة شيوشيو للحياة الصينية الرائقة. وهي تمتلك شركة وحقول لزراعة الشاي وعلامة تجارية خاصة بمقاطعة يونان. وتقول شي شاي بأن الشاي يمثل رسالتها في الحياة، وأنها جائت إلى هذه المدرسة للتعمق في دراسة ثقافة الشاي. "أنا لا أرغب في بيع الشاي كسلعة جامدة. أريد أن يكون الشاي الذي أبيعه شيئا يمتلك روحا، يمكن أن يشعر بها كل من يتذوقه". وفي العام القادم، ستقوم شي شاي بإفتتاح فضاء للشاي بمدينة كونمين، تجسد فيه أفكارها وثقافة الشاي الصينية. "الشاي بالنسبة لي ليس عملا فقط، بل أريد أن أجد معنى لوجودي من خلال خدمة ثقافة الشاي." 

صور ساخنة

أخبار ساخنة

روابط ذات العلاقة

arabic.people.cn@facebook arabic.people.cn@twitter
×