وليد عبدالله
28 نوفمبر 2018/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/تحتفل الصين خلال العام الحالي، بمرور 40 عاما على انطلاق سياسة الإصلاح والإنفتاح، السياسة التي نقلت الصين من دولة فقيرة إلى ثاني إقتصاد عالمي. لذلك، فإن فهم الصين الراهنة، يمرّ عبر فهم سياسة الإصلاح والإنفتاح. وفهم سياسة الإصلاح والإنفتاح، يمرّ بالضرورة عبر فهم تجربة مدينة شنتشن، المدينة التي حملت بأولى التصورات والتجارب الصينية لإقتصاد السوق الإشتراكي والإنفتاح على الإقتصاد العالمي، ومثّلت نموذجا مصغرا، لتجربة تنموية كبيرة غيرت الصين والعالم في عقود معدودة.
على مدى الـ 40 عاما الماضية، عرفت مدينة شنتشن تغيرات سريعة وغير مسبوقة في تاريخها. فقد كانت قبل عام 1980 بلدة صغيرة، لايتجاوز عدد سكانها 300 ألف نسمة، يعيشون أساسا على صيد الأسماك والأنشطة الزراعية. وكان الكثير منهم، يروادهم حلم الهجرة السرية إلى هونغ كونغ، المتمركزة على الضفة المقابلة. لذا كانت عدة قوارب صيد تخرج من ميناء شنتشن التي كانت تسمى حينها بلدة باو آن دون عودة. كما كان الكثير من مهاجريها إلى هونغ كونغ يرحّلون إليها عنوة، فيعودون مكسورين إلى حياتهم البائسة.
مهاجرون من شنتشن تم ترحيلهم من هونغ كونغ في ستينات القرن الماضي
لم يخطر ببال السكان الأصليين لمدينة شنتشن يوما، وهم ينظرون إلى الأنوار الساطعة لمدينة هونغ كونغ على الضفة المقابلة. أن مدينتهم التي يحاولون الفرار منها، ستتحول في غضون سنوات معدودة إلى مركز جاذب للعمال المهاجرين الباحثين عن مستقبل أفضل من مختلف أنحاء الصين، وقبلة للمستثمرين المتصيدين للفرص من داخل الصين وخارجها، ومن هونغ كونغ أيضا. وخلال 4 عقود، تحولت البلدة التي لم يكن عدد سكانها يزيد عن 1\3 مليون، إلى حاضرة تعجّ بقرابة 12 مليون نسمة من مختلف أنحاء الصين ومختلف جنسيات العالم. وقفز ناتجها الإجمالي من 197 مليون يوان في عام 1979، إلى 2.24 تريليون يوان في عام 2017. ونما متوسط دخل سكانها من 606 يوان في عام 1979، إلى 183.1 ألف يوان في عام،2017. حيث خطّت شنتشن بنموذجها الإقتصادي الحديث، إحدى معجزات التنمية الإقتصادية في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الجديدة.
شارع شننان الكبير، أحد أهم الشوارع في مدينة شنتشن، قبل وبعد سياسة الإصلاح الانفتاح
بدأت قصة شنتشن مع إنعقاد الإجتماع الثالث من المؤتمر الـ 11 للحزب الشيوعي الصيني في عام 1978، والذي مثل انطلاقة فترة الإصلاح والإنفتاح. وفي يوليو من عام 1980، أقرت اللجنة الدائمة لنواب الشعب الصيني مشروع تأسيس منطقة اقتصادية خاصة في شنتشن، القرار الذي مثّل دخول المدينة إلى عصر جديد.
بدأت المدينة في الفترة مابين 1978 و1985 بإصلاحات جزئية، شملت ثلاثة جوانب أساسية. أولا، تحديث البنية التحتية؛ ثانيا تنفيذ مبدأ السوق في أنظمة الإدارة والأسعار، خاصة على مستوى نظام الرواتب والعمل والتأمين والأجهزة الحكومية وغيرها. ثالثا تعزيز الإنفتاح على الخارج، من خلال تأسيس منطقة شوكو (蛇口) الصناعية، تنمية منطقة شاتو جياو(沙头角)، وفتح نوافذ المدينة على الخارج.
منطقة شوكو قبل وبعد الإصلاح والإنفتاح
انطلاقا من عام 1986، بدأت شنتشن الإنتقال من بناء الأسس، نحو تطوير الإنتاج ورفع الكفاءة، والتركيز على قطاع الصناعة، والجمع بين التصنيع والتجارة. والعمل على بناء منطقة اقتصادية منفتحة على الخارج، تركز على الصناعات المرتبطة بالمعرفة والتقنية. وقد نجحت شنتشن خلال هذه الفترة في جذب رؤوس الأموال والتقنيات الأجنبية لتطوير الصناعات المحلية على نطاق واسع. وتمكنت من تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة، حيث بلغ متوسط نمو ناتجها المحلي 30%. وهو مادعا دنغ شياو بينغ أثناء زيارته إليها في عام 1992، للقول "إن النجاحات التي حققتها شنتشن، قد أجابت بوضوح على مخاوف البعض".
مع بداية الألفية الجديدة، وضعت شنتشن خطة للتحول إلى مركز عالمي للإبتكار، والحفاظ على قوة تنافسيتها المحلية والعالمية. وبعد جهود الإصلاح التي قامت بها المدينة في هذا الجانب، امتلكت شنتشن 3 قطاعات صناعية حيوية بالنسبة لإقتصادها: التكنولوجيا العالية، القطاع اللوجيستي والقطاع المالي. وهو ماساعد المدينة في الحفاظ على متوسط نمو في حدود 20%. وفي الوقت الذي تصنّع فيه الصين 70% من الهواتف في العالم، تصنّع شنتشن 80% من الهواتف المنتجة في الصين.
مقر شركة هواوي بشنتشن
استطاعت المدينة من خلال تجربتها الرائدة في الإصلاح والإنفتاح، أن تنجب عدّة شركات متفوقة عالميا في مجال التقنية العالية، مصنّفة ضمن أقوى 500 شركة عاليمة. مثل شركة زي تي اي التي تأسست في عام 1985، والرائدة عالميا في مجال منشآت الإتصال. وشركة هواوي التي تأسست في عام 1987، وهي احدى كبريات شركات الهواتف في العالم، وشركة تنست التي تأسست في عام 1998، وشركة بي واي دي للسيارات التي تأسست في عام 1995 وغيرها من العديد من الأمثلة الناجحة في مجال الأعمال.
ضمن الخطة المستقبلية للحكومة المركزية الصينية، ستكون مدينة شنتشن جزءا من التجمع الحضري الكبير لمنطقة خليج قوانغ دونغ- هونغ كونغ- ماكاو، لتواصل لعب دورها النموذجي في تجربة الإصلاح والإنفتاح الصينية. وتفعيل مميزاتها في خطط التنمية الصينية المستقبلية.