(بقلم تشانغ تشوان هونغ، مديرة المركز الدولي لبحوث المساعدة الإنمائية التابع لمعهد التعاون الزراعي جنوب-جنوب الصيني)
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحت قيادة الدول الغربية، تغيرت المساعدات الخارجية تدريجياً من حركة دولة واحدة إلى قضية عالمية ومعقدة. ومع ذلك، فإن ممارسات "الإيثار" و "المساعدة لأغراض اقتصادية" التي تقوم بها الدول الغربية جعلت المساعدات الخارجية محلّ شكوك دائمة.
خلال سبعينيات القرن العشرين، كان الحد من الفقر قضية أساسية في المساعدات الخارجية، بقيادة البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية. ومنذ ذلك الحين، أصبح الحد من الفقر في العالم وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء الأساس الأخلاقي للدول الغربية لتقديم المساعدات الخارجية، وقد تحول خطاب المساعدات الأجنبية تدريجياً من عمل خيري إلى مسؤولية أخلاقية من جانب البلدان المتقدمة لمساعدة البلدان الأقل نمواً. وخلال التسعينيات، حل التعاون الإنمائي تدريجياً محل المساعدات الخارجية وبات جزءًا مهمًا من العلاقات الدولية المعاصرة.
ومع ذلك، واجه الهيكل الثنائي القديم "للدول المانحة للمعونة والدول المستفيدة" تحديا كبيرا خلال العقد الماضي. فمن ناحية، يصعب التخلص من الخصائص المؤسسية للاستعمار والمركزية الغربية؛ ومن ناحية أخرى، أدّت مناقشة فعالية المساعدات من قبل المجتمع الدولي منذ منتصف التسعينيات إلى زيادة الشكوك والأفكار حول طرق المساعدات التقليدية. والأهم من ذلك أن التراجع الاقتصادي العالمي في السنوات الأخيرة أدى إلى تآكل التنمية المستدامة في مختلف الدول، مما أدى إلى انخفاض حاد في ميزانية المساعدة الإنمائية الرسمية، وعاد بالسلب على الدول المانحة والدول المستفيدة على حدّ السواء.
بالتوازي مع ذلك، بدأت دول الجنوب تشهد صعودا خلال العقود الاخيرة، وبات التعاون فيما بين بلدان الجنوب يتزايد باستمرار. كما زاد مقدار المساعدة الإنمائية الرسمية التي تقدمها الاقتصادات الناشئة بشكل كبير. والأهم من ذلك، أن مبدأ الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة الذي يدعو إليه التعاون فيما بين بلدان الجنوب، وأفضل الممارسات المتبادلة على أساس تجربتها الإنمائية الخاصة يؤثر باستمرار على هيكل التنمية الدولي الراسخ ويلعب دوراً في إعادة تشكيل نمط التنمية الدولي. وكلما كان دور التعاون الإنمائي فيما بين بلدان الجنوب أكثر وضوحا، تمكن من الانتقال من الحافة نحو المركز.
وفي الوقت الذي يتعلم فيه المجتمع الغربي باستمرار ممارسة التعاون بين الجنوب والجنوب، يقوم أيضًا بتحديث خطاب وآلية المساعدات التنموية الخاصة به، محاولًا دمج التعاون الإنمائي فيما بين بلدان الجنوب في نظام المساعدة الإنمائية الرائد وتعزيز معارفهم وهيمنتهم الأخلاقية في مجال التعاون الإنمائي الدولي. لكن الصحوة المعرفية في الجنوب جعلت هذا الجهد أكثر صعوبة. حيث خلقت البلدان الجنوبية ظروفًا مواتية لبناء نوع جديد من التعاون الإنمائي فيما بين بلدان الجنوب وبناء أخلاقيات تنمية دولية جديدة. كما بذل الجنوب جهودًا حثيثة لتحقيق هذه الغاية، على سبيل المثال، تعد فكرة الصين لبناء مجتمع المصير الإنساني المشترك بمثابة تجاوز لثنائية "الشمال والجنوب".
لذا تحتاج بلدان الجنوب إلى اغتنام الفرصة التاريخية لإسماع صوتها وتنمية المعرفة والخطاب المتعلق بالتعاون الإنمائي فيما بينها. وبذل المزيد من الجهود لخلق نمط جديد من التعاون الإنمائي واخلاقيات انمائية جديدة:
أولاً، يجب التأكيد على الاختلافات والتنوع بين الدول وإبراز المزايا النسبية للتعاون الإنمائي فيما بين بلدان الجنوب. كما من غير الضروري بالنسبة للبلدان النامية أن تصمم أهدافها وسياساتها الإنمائية الخاصة بها وفقًا لنماذج البلدان الأخرى، بل يجب أن تشدد على مزايها وخصائصها وخياراتها المستقلة لنماذج التنمية، على أساس المساواة الطبيعية بين شركاء التنمية فيما بين بلدان الجنوب والبلدان المتقدمة.
ثانيا، التأكيد على تشابه تجارب التنمية وأهميتها بين بلدان الجنوب. حيث حددت التجارب التاريخية ومراحل التطور المماثلة تشابه تجارب التطور في دول الجنوب، ما أتاح لبلدان الجنوب إمكانية تبادل تجاربها الناجحة بشكل انتقائي وفردي في مجال واحد. وعلى سبيل المثال، يمكن للبلدان التي عانت من الصراعات تبادل تجاربها الإنمائية مع البلدان التي لا تزال تعاني من الحرب أو تواجه قضايا إعادة الإعمار.
ثالثاً، على عكس المسؤولية الأخلاقية التي يدعو إليها التعاون بين الشمال والجنوب. ينبغي أن يستند التعاون الإنمائي بين الجنوب والجنوب إلى براغماتية جديدة، تختلف عن الممارسات التي اعتمدتها الدول الغربية المتقدمة في منح المساعدات الخارجية، والتي باتت العديد منها تواجه تحديات داخلية. تطالب الدول المتلقية للمساعدة بشكل متزايد بالاعتماد على الذات وتقليل الاعتماد على المساعدات. ولهذا السبب، يجب أن يعزز التعاون الإنمائي الجديد بين بلدان الجنوب التكامل المتبادل والتنمية المشتركة بين الجانبين، وهو أمر حيوي لتعزيز استدامة التعاون الإنمائي فيما بين بلدان الجنوب.
رابعاً، الدعوة إلى التعلم المتبادل بين دول الجنوب، والتعلم من السياسات والخبرة العملية، ووضع أسس لشرعية التعاون الإنمائي فيما بين بلدان الجنوب. وعلى عكس التعاون بين الشمال والجنوب، الذي يحتوي على سلسلة من الأنظمة المؤسسية الكاملة، بدأ التعاون الإنمائي بين بلدان الجنوب في وقت متأخر، وليس هناك ما يكفي من الخبرة والدعم المؤسسي لكل من المانح والمستفيد. ولفترة طويلة من الزمن، ستحتاج البلدان الشريكة إلى التعلم من بعضها البعض ومواصلة الاستكشاف من أجل إيجاد نقاط تعاون تتوافق مع مصالح كلا الطرفين وتحسين فعالية التعاون الإنمائ.
باختصار، ينبغي أن تكون الديناميات الذاتية لبلدان الجنوب وتعزيز التنمية المستدامة العالمية والتعددية أساسًا أخلاقيًا هامًا للتعاون الإنمائي فيما بين بلدان الجنوب. وسيسهم نظام خطاب المعرفة الجديد للتعاون فيما بين بلدان الجنوب في مجال التعاون الإنمائي على أساس هذا إسهاما كبيرا وذا معنى في إنشاء إطار إنمائي دولي جديد وتعزيز التنمية الإقليمية والعالمية على المستوى العملي.