الدوحة 24 ديسمبر 2020 (شينخوا) يتحرك قطار المصالحة الخليجية من جديد على وقع دفع دبلوماسي وزخم كبير شهده الشهر الأخير من العام الحالي في انتظار أن تحمل بدايات العام المقبل خلال القمة الخليجية بالرياض نهاية للأزمة التي تعصف بدول مجلس التعاون منذ ثلاث سنوات ونصف.
وتلاحقت التطورات خلال ديسمبر الجاري مع زيارة مسؤولين أمريكيين للمنطقة بقيادة كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر للدفع نحو حل الأزمة، لتخرج تصريحات متفائلة من قطر والسعودية عن اتفاق "في المتناول" و "بين الجميع"، عززتها الكويت بالإعلان عن "مباحثات مثمرة"، ثم رسائل إيجابية من الإمارات ومصر دعما لمساعي الحل.
- الأزمة ومطالبها
ويرى خبراء أن الأزمة التي اندلعت في 5 يونيو عام 2017 بعد أن قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. وفرضت الدول الأربع على الدوحة مقاطعة اقتصادية وأغلقت جميع منافذها أمامها ضمن إجراءات عقابية أخرى، ثم تقدمت بـ13 مطلبا لعودة العلاقات ورفضتها قطر.
وقال نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية بالقاهرة الدكتور مختار غباشي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن المقاطعة لم تحقق الأهداف المرجوة منها، فالمطالب الـ13 وأهمها ما يتصل بقناة ((الجزيرة)) وعلاقات قطر مع إيران وتركيا وبعض المنظمات والميليشيات، لم يتحقق شيء منها حتى الآن.
وأضاف غباشي أن الدول الأربع قاطعت قطر التي استطاعت بثرواتها تعويض خسائر المقاطعة، ما أطال أمد الأزمة، كما أن القضايا التى رفعتها الدوحة في المحافل الدولية كلها أقرب للمكسب القطري، خصوصا قضايا حقوق الطيران وفتح المعابر ورعاية مواطنيها في الدول الخليجية الأخرى.
وتطالب قطر بـ5 مليارات دولار على الأقل كتعويض عن أضرار المقاطعة في دعاوى منازعات استثمارية كانت أعلنت في يوليو الماضي أنها رفعتها ضد الدول الأربع.
- تداعيات الأزمة
ويرى الكاتب الصحفي الكويتي عزيز القناعي في حديثه لـ((شينخوا)) أن تداعيات الأزمة كانت اقتصادية بالدرجة الأولى، إذ خسرت قطر الكثير من مواردها لا سيما أنها كانت تعتمد على منطقة الخليج، لكنها استعاضت بالمنتجات التركية والإيرانية.
وتكبدت قطر جراء المقاطعة خسائر كبيرة في العقارات والطيران والاستثمار وتكاليف السلع والمواد الأولية، لكن الخسائر طالت أيضا دول المقاطعة، وفقا لتقارير إعلامية.
وكان حجم التبادل التجاري بين قطر ودول المقاطعة 9.7 مليار دولار، منها 7.1 مليار دولار مع الإمارات، و1.9 مليار دولار مع السعودية، وقدر تقرير لمنتدى البحوث الاقتصادية أن تكلف الأزمة دول الخليج مليارات الدولارات جراء تباطؤ التجارة والاستثمار والنمو الاقتصادي، في وقت تكافح فيه مع انهيار أسعار النفط.
على الصعيد السياسي، ذكر القناعي أن الأزمة أضعفت منظومة مجلس التعاون الخليجي وعمقت الأزمة بين شعوب المنطقة وتأثرت دولها ودول عربية أخرى بهذا التنافر، كما عرضت المنطقة للانقسام مع استعانة كل جهة بدول خارجية لضمان أمنها وسلامتها.
وللرأي نفسه يميل غباشي، الذي أوضح أن دول المجلس تعرضت "لابتزاز" من قبل القوى الإقليمية والدولية، لتصبح الولايات المتحدة وتركيا وإيران ضمن الأطراف الرابحة من استمرار الأزمة بعد أن حلت بديلا عن الدول الأربع في العلاقات مع قطر وعلى حساب توسع الشرخ الخليجي.
وأشار إلى أن واشنطن استفادت من توسيع قاعدة (العديد) في قطر وزيادة الاستثمارات الأخيرة في أمريكا، وإيران زادت صادراتها للدوحة وفتحت أمامها مجالها الجوي مقابل رسوم بنحو 100 مليون دولار سنويا، أما تركيا ففعلت اتفاقية الدفاع المشترك مع قطر لتنشئ قاعدة عسكرية وتعززت علاقات البلدين اقتصاديا.
- أسباب المصالحة
في رأي القناعي فما يثار عن قرب الحل يعود لدعم الكويت لجهود المصالحة، والدور الغربي، وانعكاسات انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة ورغبته في السلام بالمنطقة وإعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران وإنهاء الأزمة الخليجية.
وبالإضافة الى العوامل المذكورة أعلاه، أبرز أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي في حديثه لـ((شينخوا)) التحركات الأمريكية بالمنطقة من زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو وكوشنر وآخرين، لافتا إلى وجود ضغوط أمريكية لإتمام المصالحة قبل رحيل إدارة الرئيس دونالد ترامب حتى تحسب إنجازا لصالحها.
ويذهب للاتجاه نفسه المحلل السياسي أنور الرشيد الذي قال لـ((شينخوا)) إن ضغط ترامب كان السبب الرئيسي ولم يكن خيار دول المقاطعة تجاه قطر، واتضح ذلك من خلال الإعلان عن انفراج بعد زيارة كوشنر، وهناك عوامل أخرى منها الموقف من حرب اليمن التي تورطت فيها دول التحالف واستنزفتها.
ويشير غباشي إلى سبب آخر، هو أن واشنطن، التي تريد تضييق الخناق على إيران، تضغط على السعودية تحديدا للتصالح مع قطر، حتى تخسر الخزينة الإيرانية الأموال التي تجنيها من وراء استمرار الأزمة.
- ملامح الحل وإشكالياته
وعن موعد المصالحة، قال مصدر دبلوماسي خليجي رفيع المستوى لـ((شينخوا)) إن القمة الخليجية التي من المقرر أن تعقد في 5 يناير المقبل، ستكون بداية انطلاقة جديدة للعلاقات الخليجية استنادا على حرص مشترك بين قادة دول مجلس التعاون على سد فجوة الخلافات ورأب الصدع الذي طرأ في البيت الخليجي.
وأضاف المصدر أن هناك قناعة لدى كل الأطراف أنه آن الآوان لإنهاء الأزمة والحد من تداعياتها، ولا يمكن اعتبار أن المصالحة فرضت من قبل الولايات المتحدة استنادا على زيارة كوشنر، وقد رأينا مؤشرات تقارب سابقة من قبيل استضافة قطر لمنافسات رياضية خليجية وإقليمية ودولية شاركت فيها دول المقاطعة.
وبينما لم يقدم المصدر تصورا للحل الذي ستخرج به القمة، يرى طارق فهمي أنه لا بد أن يكون شاملا لا جزئيا لتوافق عليه الدول الأربع وستكون هناك مراجعة وإضافات متعلقة بهذا الموقف.
وتحدث فهمي عن وجود عدة إشكاليات أمام المصالحة، منها أن الخلاف ليس سعوديا قطريا فقط، وموقف الإمارات ومصر من المصالحة يبدو متشددا، وهناك 13 مطلبا للحل لا يمكن التنصل عنها، كما أن التنفيذ سيأخذ وقتا.
وفي تصور القناعي فالحل الآن لن يكون شاملا، وقد تقدم قطر تنازلات فيما ستغض بقية الدول الطرف عن أمور أخرى، ليكون بيان المصالحة مهدئا للجميع ويشمل فتح الأجواء أمام قطر وإعادتها للمنظومة الاقتصادية مقابل إظهارها بعض حسن النية من خلال مؤسساتها الإعلامية.
وتوقع أن يأتي الحل الكامل لاحقا، على أن تعمل أطراف الأزمة حاليا على التهدئة وفتح الباب أمام القنوات الدبلوماسية لاستكمال النقاش حول النقاط الـ13 التي ستلعب لجان مجلس التعاون دورا كبيرا في حلحلتها.
في المقابل، اعتبر غباشي أن نمط المصالحة في حال تحققت من الصعب أن يبنى بشكل محدد، لكن في النهاية لن يكون هناك طرف فائز وآخر خاسر.
وعن الإشكالات، ذكر أن هناك شرخا في العلاقات بين دول الخليج وقطر وأزمة عدم ثقة، كما أنه بالنظر إلى المطالب الـ13 فالتصريحات التى خرجت من قطر تقول إن تركيا وإيران قدمتا الكثير للدوحة أثناء المقاطعة، ومن الصعب جدا أن تضحي قطر بالعلاقات معهما.
وإلى أبعد من هذا ذهب المحلل السياسي أنور الرشيد الذي قال إنه سيكون هناك تجميد للأزمة أكثر مما سيكون هناك حل، رغم تأكيده أن المصالحة قادمة كالعادة بالطريقة التقليدية كما حدث سابقا.
ولفت الرشيد إلى أن الأزمة تدخل فيها كثير من الأطراف المحسوبين على هذا أو ذاك، ناهيك عن الشرخ الذي حصل في المجتمع الخليجي والاصطفافات التي وقعت، لذا فتصحيح الأزمة ورأب الصدع سيحتاج وقتا طويلا جدا لأن ما ترسب في النفوس من تداعيات وشحن غير مسبوق وغير طبيعي.
وفي المجمل، فالآمال منعقدة على القمة المقبلة في السعودية وما يمكن أن تخرج به في انتظار أن يكون "الحل في الرياض"، وأن تنتهي الأزمة بتسوية عادلة ستتطلب لا محالة تنازلات من الجميع للحفاظ على وحدة الصف والمصالح المشتركة والأمن الجماعي، في واقع مليء بالمتغيرات ومنطقة تموج بالأزمات.