أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرًا تقريرًا بعنوان "تقييم الوضع العالمي"، ذكرت فيه بأنها ستعزز بنيتها التحتية العسكرية في جزيرة غوام وأستراليا. وقد صيغ التقرير الأمريكي بعقلية الحرب الباردة، مجسدا عقلية الهيمنة الأمريكية، وموضحا رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على هيمنتها العالمية بالوسائل العسكرية.
في القاموس الأمريكي، اقترنت "الحرب" دائمًا بـ "الهيمنة". وعند النظر إلى التاريخ القصير للولايات المتحدة، نجد أنه منذ حركة التوسع غربا إلى الحرب الأمريكية المكسيكية ثم إلى الحرب الإسبانية الأمريكية، قد رافقت سلسلة من التوسع الأجنبي التطور المبكر للولايات المتحدة. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة أعظم قوة عالمية، وباتت الحرب أداة مهمة بالنسبة لها للحفاظ على هيمنتها.
ومن ثم، خاضت الولايات المتحدة سلسلة متعاقبة من الحروب، كالحرب الكورية، حرب فيتنام، حرب بنما، حرب كوسوفو، حرب أفغانستان، حرب العراق، حرب ليبيا، الحرب السورية وغيرها. وأدى طموح الولايات المتحدة في الحفاظ على الهيمنة إلى نشوب عدة حروب خارجية. وحتى التكلفة الهائلة لخسائر الحرب لم تحد من اندفاع مكنة الحرب الأمريكية.
وفي هذا السياق، نقلت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية عن داكوتا وود، الباحثة البارزة في مشروع الدفاع التابع لمؤسسة التراث الأمريكية، قولها إن الولايات المتحدة تخوض حربًا كل 15 عامًا في المتوسط. من آسيا إلى الأمريكتين، ومن أوروبا إلى إفريقيا، حيثما وصلت أيدي الولايات المتحدة السوداء، لن يكون هناك سلام.
من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية، تحتفظ الولايات المتحدة بآلة حرب ضخمة، ولا تتردد عن إنشاء شبكة من القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم. فمنذ عام 1945، أنشأت الولايات المتحدة ما يقرب من 800 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة وعززت وجودها العسكري باستمرار. وفي الشرق الأوسط وحده، هناك ما يزيد عن 70 ألف جندي أمريكي يتمركزون لفترة طويلة. كما تقوم بنشر معدات عسكرية متطورة مثل مجموعات حاملات الطائرات المقاتلة، والمقاتلات الشبحية والغواصات النووية الاستراتيجية للحفاظ على ما تسميه بـ"الردع الاستراتيجي" في كل الأوقات. وفي هذ الصدد، أشار الكاتب الأمريكي ديفيد واين في كتابه "القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج: كيف تعرض العالم للخطر" إلى أن القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج قد كثفت التوترات الجيوسياسية وجعلت العالم والولايات المتحدة أكثر انعدامًا للأمن.
يصادف هذا العام الذكرى الثلاثين لانتهاء الحرب الباردة، لكن السياسة الخارجية الأمريكية لم تفلت من تأثير عقلية هذه الحرب، ولم يتراجع اعتمادها على الوسائل العسكرية. وعلى مدى الثلاثين عامًا الماضية، حافظت الولايات المتحدة على انتشارها العسكري العالمي. ومن أجل السعي وراء أمنها المطلق، لم تتردد في الإضرار بالمصالح الأمنية المشروعة للدول الأخرى؛ وواصلت البحث عن "أعداء وهميين"، والمبالغة في الحديث عن التهديدات الخارجية. كما عملت الولايات المتحدة على إثارة مخاطر المواجهة بين القوى الكبرى؛ واعتمدت على قوتها العسكرية الفائقة في شن حروب مباشرة، وخوض حروب الوكالة، وايجاد مختلف الأعذار للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مما تسبب في أزمات أمنية وكوارث إنسانية في عدة أنحاء من العالم. وأظهر تقرير صادر عن منظمة "بينك كود" الأمريكية المناهضة للحرب أنه خلال العشرين عامًا الماضية، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بإلقاء ما يزيد عن 40 قنبلة وصاروخًا يوميًا، مما خلّف عددا لا يحصى من الضحايا. وفي هذا الجانب، علقت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" بأن الولايات المتحدة قد تخمّرت في قوتها العسكرية بعد الحرب الباردة وركزت بشكل أناني على سياساتها ومصالحها الخاصة.
يقف النظام العالمي اليوم على مفترق طرق جديد، ولا شك في أن إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية هو الاتجاه العام، وبناء عالم خال من الخوف والأمن العالمي يمثل تطلعات واسعة للمجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن ما فعلته الولايات المتحدة يتعارض مع الاتجاه العام الذي يسير نحوه العالم. حيث تعمل دون كلل أو ملل على دفع تحديث الترسانة النووية وخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية، وتشكيل القوة الجوية الخارجية، وإنشاء قيادة في الفضاء الخارجي، وتسريع تطوير تجارب أسلحة الفضاء الخارجي وتعزيز الانتشار العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وجذب الحلفاء للانخراط في التحالفات العسكرية.
ووفقًا لتقرير اتجاه الإنفاق العسكري العالمي لعام 2020، الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بالسويد، احتل الإنفاق العسكري الأمريكي المرتبة الأولى عالميا على مدار الأعوام. وحتى في مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية، استمر الإنفاق العسكري الأمريكي في عام 2020 في الزيادة بنسبة 4.4٪ مقارنة بالعام السابق له، وهو ما يمثل ما يقرب من 40٪ من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.
لقد باتت شعوب العالم تتطلّع بحماس إلى التنمية السلمية، وتطالب بالعدالة والإنصاف، والسعي الحازم للتعاون المربح للجانبين. لكن هوس الولايات المتحدة المستمر بـ "قوة القبضة" و"قانون الغابة" سيجعلها تقف وحيدة في الضفة الأخرى من تيار تقدم التاريخ والسماح للمزيد من الناس بالتعرّف على الوجه الحقيقي للهيمنة الأمريكية.