أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس السوري بشار الأسد يوم 22 سبتمبر الجاري بشكل مشترك عن إقامة شراكة استراتيجية بين الصين وسوريا خلال اللقاء الذي تم بين الرئيسين قبل حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية الـ 19 في مدينة هانغتشو شرقي الصين بمقاطعة تشجيانغ، الأمر الذي يشير إلى دخول العلاقات الصينية ـ السورية مرحلة تاريخية جديدة.
ويعتقد ليو تشونغ مين، أستاذ بمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، في مقال تحليلي نشر في صحيفة " غلوبال تايمز" الصينية يوم 25 سبتمبر الجاري، أن الارتقاء بالعلاقات الصينيةـ السورية إلى شراكة استراتيجية ذات أهمية كبيرة: أولاً، ستساعد الجانبين على تعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة و"دعم كل منهما للآخر بقوة في القضايا التي تتعلق بالمصالح الأساسية والاهتمامات الرئيسية لكل منهما". ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسوريا في عام 1956، ظلت الصين تدعم قضية الاستقلال الوطني لسوريا. وخاصة منذ "الربيع العربي" عام 2011، حيث شهد بقاء سوريا وتطورها اختبارات غير مسبوقة، وقدمت الصين لسوريا دعما سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا هائلا. كما استخدمت الصين وغيرها من الدول الأخرى حق النقض ضد المقترحات الغربية الرامية إلى الإطاحة بنظام الأسد في الأمم المتحدة، وهي التي مكنت سوريا من تجنب مأساة سياسية مماثلة لليبيا. ولأكثر من عشر سنوات، تلتزم الصين بمبدأ "الملكية والقيادة السورية" لتعزيز التسوية السياسية للقضية السورية، وتدعم سورية بقوة في حماية الاستقلال الوطني والسيادة والوحدة وسلامة الأراضي. كما قدمت الصين المساعدة الاقتصادية لسوريا في مناسبات عديدة لحل الصعوبات المعيشية للشعب وتنفيذ إعادة الإعمار بعد الحرب. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الصين بنشاط سوريا على العودة إلى العالم العربي وتحسين العلاقات مع دول المنطقة. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية قبل 67 عاما، تلقت الصين أيضا دعما طويل الأمد من سوريا. وكانت سوريا من أوائل الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين، وأحد رعاة استعادة الصين الجديدة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة في عام 1971. ولفترة طويلة، ظلت سوريا تدعم الصين بقوة في القضايا المتعلقة بالمصالح الأساسية للصين. باختصار، فإن إقامة شراكة استراتيجية من شأنها أن توفر ضمانة أكثر صلابة للدولتين لدعم المصالح الأساسية والاهتمامات الرئيسية لكل منهما.
ثانياً، يفضي إلى تعاون واسع النطاق بين الجانبين حول مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، ويعزز بشكل مشترك البناء المشترك عالي الجودة لـ "الحزام والطريق". تاريخياً، كانت حلب وتدمر في سوريا مدينتين مهمتين على طريق الحرير القديم. وفي يناير 2022، وقعت سوريا والصين رسميًا مذكرة تفاهم وانضمت رسميًا إلى عائلة "الحزام والطريق". ولقد أظهر التاريخ والممارسة أن مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية لهم أهمية كبيرة لمنطقة الشرق الأوسط، التي تعاني من التدخلات الخارجية والتنمية غير المتكافئة و"صراع الحضارات"، والعجز الخطير في تحقيق السلام والتنمية والأمن والحوكمة. وكان لترويج الصين للمبادرات المذكورة أعلاه في الشرق الأوسط آثار إيجابية على دول الشرق الأوسط، بما فيها سوريا، في تحقيق السلام والتنمية والأمن والاستقرار والتسامح والتعلم المتبادل. وأن ظهور تيار المصالحة في الشرق الأوسط وسعي دول المنطقة للتنمية والتحول الاقتصادي كلها مرتبطة بمبادرات الصين النشطة وتعزيز ارتباطا وثيقا. ومن المتوقع أن يساعد التنفيذ المستمر لمبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية في الشرق الأوسط سوريا على الانتقال من الصراع المضطرب إلى التنمية السلمية والاستقرار على المدى الطويل.
ثالثاً، يؤدي إلى تعميق التعاون بين الجانبين في مجالات شؤون الشرق الأوسط والشؤون الدولية. وفي البيان الصيني السوري حول إقامة شراكة استراتيجية، توصل الجانبان إلى توافق واسع النطاق حول أهمية توحيد وتقوية الدول العربية، وتقدير ودعم المصالحة الإقليمية، وتعزيز التعاون الجماعي الصيني العربي، وبناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك. ويؤكد الجانبان على تعزيز القيم المشتركة للبشرية جمعاء، واحترام مسارات التنمية والأنظمة الاجتماعية لجميع البلدان، ومعارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والالتزام بالتعددية الحقيقية. وبالنسبة لسوريا، التي ظلت خاضعة لعقوبات من قبل الدول الغربية والإقليمية لفترة طويلة، فقد استفادت قدرتها على الصمود في الاختبار والعودة إلى العالم العربي والمجتمع الدولي من إصرار الصين ودول أخرى على التمسك بالعدالة في القضية السورية، فضلاً عن موجة المصالحة الإقليمية التي أثارها سعي الصين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. لذلك، فإن تعميق التعاون بين الصين وسوريا في مجالات شؤون الشرق الأوسط والشؤون الدولية له بلا شك قيمة كبيرة بالنسبة لسوريا، كما أن له أهمية تنويرية ثمينة للشرق الأوسط والعالم.
ولا شك أنه نظراً للوضع الداخلي والخارجي المعقد الذي تعيشه سوريا، ولا سيما استمرار وجود التدخلات والعقوبات الغربية، فإن تطوير الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسوريا يواجه العديد من الضغوط والتحديات، التي تتطلب من الجانبين مواجهتها وتجاوزها. ومع ذلك، تبقى العوامل مثل تحقيق الاستقرار الأولي في سوريا، والتعميق المستمر للمصالحة الإقليمية، وتعزيز الحكم الذاتي الاستراتيجي لدول المنطقة، ودبلوماسية الصين الأكثر نشاطا في الشرق الأوسط، وآلية التعاون الجماعي الصينية العربية والمحسنة بشكل متزايد مهمة، ومن شأنها أن تساعد على تطوير الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسوريا.