بقلم: رفعت بدوي
وصل الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته يوم 21 سبتمبر إلى مطار هانغتشو في أول زيارة رسمية لهما إلى الصين منذ ما يقرب من عقدين، على متن الطائرة الرئاسية التي أرسلتها الصين خصيصا إلى دمشق.
إن الدعوة الموجهة إلى الرئيس الأسد تتخطى افتتاح دورة الألعاب الآسيوية المنعقدة في الصين، إذ أن الزيارة تحمل أبعادا استراتيجية ومن المتوقع أن تحقق نتائج ملموسة في مختلف مجالات التعاون بين البلدين.
استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره السوري والوفد المرافق له. والتقى الرئيسان في مدينة هانغتشو، وأعلنا بشكل مشترك عن إقامة شراكة استراتيجية بين الصين وسوريا.
وخلال الاجتماع، أشار شي إلى أن إقامة الشراكة الاستراتيجية ستكون علامة فارقة في تاريخ العلاقات الثنائية، معربا عن استعداد الصين للعمل مع سوريا لإثراء علاقتهما ولدفع الشراكة الاستراتيجية بينهما باستمرار.
وأضاف شي أن سوريا كانت من أوائل الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وكانت واحدة من الدول التي شاركت في تأييد القرار الخاص باستعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة.
وأكد أنه على مدى 67 عاما منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، صمدت العلاقة بين الصين وسوريا أمام اختبار تغيرات الوضع الدولي، وأصبحت صداقتهما أقوى بمرور الوقت.
وأشار شي أيضا إلى أن الصين ستواصل العمل مع سوريا لدعم بعضهما البعض بقوة في القضايا المتعلقة بالمصالح الأساسية والشواغل الكبرى لكلا الجانبين، وحماية المصالح المشتركة للبلدين والدول النامية الأخرى، والتمسك بالنزاهة والعدالة على الصعيد الدولي.
تعتبر زيارة الرئيس الأسد إلى الصين تاريخية في ظروفها وتوقيتها ونتائجها، كما أنها ستؤدي حتما إلى مزيد من الانخراط من جانب الصين في سوريا، لا سيما في إعادة بناء الاقتصاد السوري المتعثر نتيجة العقوبات الأمريكية الظالمة التي فرضها "قانون قيصر"، والنهوض بهذا الاقتصاد.
ليس هناك شك في أن اختيار الصين لتعزيز العلاقات مع سوريا جاء عقب دراسات متعمقة للموقع الجيوسياسي المهم لسوريا، حيث تعتبر سوريا قلب العالم العربي وتشكل مصدرا لحلول أزمات المنطقة. كما صمدت سوريا أمام المؤامرة الأمريكية-الغربية برغم الفظائع والكوارث التي حلت بها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي زار دمشق عام 2021 في زيارة رسمية لتعزيز التعاون بين الصين وسوريا، حيث كانت هذه أول زيارة يقوم بها مسؤول صيني رفيع المستوى منذ بدء الحرب في سوريا.
ويعكس البيان المشترك، الذي صدر عقب الاجتماع الأخير في هانغتشو، الموقف السوري الثابت من حيث التزام سوريا بمبدأ صين واحدة وبأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل عموم الصين، وبأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين، إلى جانب دعم سوريا لجهود الصين في الحفاظ على سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها.
وفي بيان الشراكة الاستراتيجية بين سوريا والصين، أعلنت الصين صراحة رفضها المطلق لتدخل القوى الأجنبية في الشؤون الداخلية لسوريا والإضرار بأمنها واستقرارها. كما ترفض الصين الوجود العسكري غير القانوني في سوريا والعمليات العسكرية غير القانونية هناك ونهب مواردها الطبيعية.
كما أعلن الجانبان الصيني والسوري رفضهما للهيمنة ولأي شكل من أشكال سياسات القوة، بما في ذلك فرض عقوبات أحادية وإجراءات تقييدية غير قانونية على دول أخرى، مع الضغط من أجل إقامة نمط جديد من العلاقات الدولية وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.
وليس من قبيل المبالغة أن نقول إن المنطقة بعد زيارة الرئيس الأسد للصين لن تكون كما كانت من قبل وأن العالم على وشك تبني نهج استراتيجي جديد قائم على التعددية تسود فيه العدالة والمساواة لخدمة البشرية.
ومن خلال دعوة الرئيس السوري الأسد، نرى أن الصين تناصر عالما جديدا متنوعا اقتصاديا وسياسيا وأن العالم اليوم يرى سوريا بعيون صينية.
ملحوظة المحرر: رفعت بدوي، محلل سياسي ومستشار رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).