أصبحت منطقة الشرق الأوسط على " حافة الهاوية" واسعة النطاق مرة أخرى، مع تشابك الكراهية الجديدة والقديمة. وفي محاولة لإطفاء التوترات وتهدئة الوضع، قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بزيارة الشرق الأوسط الواحد تلو الآخر.
أشار نيو شين تشون، الأستاذ في كلية الدراسات العربية بجامعة نينغشيا، في مقال تحليلي نشر في صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية يوم 9 يناير الجاري، إلى أن الصراع في غزة أدى إلى اندلاع صراعات قديمة وجديدة في منطقة الشرق الأوسط، رغم اعتقاد المجتمع الدولي في الأشهر الثلاثة الماضية من الصراع بأنه لن يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، حيث أن هذا أمر لا يريده أي من الطرفين. كما أن خطر الحرب تزايد إلى حد كبير مع سعي الأطراف المعنية إلى "سياسة حافة الهاوية"، وهو ما يشبه إلى حد ما الوضع في أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى.
ويعتقد نيو شين تشون، أن تحسن العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران منذ العام الماضي، وتفاقم الصراعات بين الولايات المتحدة وإسرائيل و"محور المقاومة" المتكون من إيران وسوريا وحزب الله اللبناني والقوات المسلحة الحوثية اليمنية و "كتائب حزب الله" العراقي وحركة حماس، وراء اندلاع الصراع في غزة.
وخلافاً للصراعات السابقة في غزة، تزعم إسرائيل هذه المرة أنها نجحت في القضاء على حماس بالكامل، وليس فقط إضعافها. واتخذت جميع القوى في "محور المقاومة" إجراءات نشطة لصرف انتباه الولايات المتحدة وإسرائيل، وزيادة تكلفة الحرب بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبذل قصارى جهدها لمنع القضاء على حماس. إلا أن "محور المقاومة" هو تحالف فضفاض، فالتنسيق ودعم حماس ليس هو الهدف الكامل لعمليات "محور المقاومة"، ولا هو حتى الهدف الأساسي. وكل الأطراف المعنية لها أهدافها النضالية المحلية والطويلة الأمد، لكن هذه المرة تريد جميع الأطراف استغلال فرصة "الكراهية الجديدة" لإخراج "الكراهية القديمة". ويريد الحوثيون تعزيز شرعيتهم داخل اليمن وخارجه، وتريد "كتائب حزب الله" العراقية طرد القوات الأمريكية من العراق، وتأمل إيران في استخدام ذلك لتوسيع نفوذها في المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن إسرائيل، التي كانت مترددة في وقف إطلاق النار، لا تريد أن تضيع أي أزمة وتحاول حل مشكلة حزب الله بضربة واحدة.
وفي سياق هذه اللعبة المعقدة المتعددة الأطراف، فإن احتمال خروج الوضع عن السيطرة ليس منخفضا، والصراع الحالي في غزة يتطور في هذا الاتجاه. وبينما يسعى كل طرف لتحقيق أقصى قدر من المصالح الخاصة، يعتقد أن احتمال تنازل الطرف الآخر كبير، لأنه لا يريد الحرب. على سبيل المثال، قال رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، يوم 8 يناير الجاري، إن الجيش الإسرائيلي يواصل زيادة الضغط العسكري على حزب الله، فإما أن تنجح هذه الاستراتيجية، أو ستكون هناك حرب أخرى. وهذا هو التفكير والمنطق النموذجيان لسياسة حافة الهاوية.
وفي ظل سياسة حافة الهاوية، أصبح لدى الأطراف المعنية مساحة أقل للتوصل إلى تسوية، كما أن احتمال تصعيد الحرب آخذ في التزايد. وقتلت إسرائيل على التوالي موسوي القائد العسكري البارز في حرس الثورة الإيراني، وصالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وطالبت حزب الله بالتراجع إلى مسافة 28 كيلومتراً شمال الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وإلا فإنه سيشن حرباً، وهو الأمر الذي أرادت إسرائيل القيام به لسنوات عديدة ولكنها لم تجرؤ على القيام به. وبنفس المنطق، علمت الولايات المتحدة أن الحوثيين لا يريدون الحرب، إلا أنها أطلقت النار في البحر الأحمر، وقتلت 10 أفراد مسلحين من الحوثيين، وأغرقت ثلاثة زوارق سريعة، وأصدرت إنذاراً نهائياً. وشن حزب الله غارات جوية على قاعدة مراقبة الحركة الجوية في شمال إسرائيل في يوم 6 يناير الجاري، وتعتقد إسرائيل أن هذا هو الهجوم الأكثر خطورة منذ عام 2006. وقال حزب الله إن هذا مجرد "رد فعل أولي".
ومع احتدام المواجهة بين الطرفين، تغتنم التنظيمات المتطرفة أيضًا الفرصة لإحداث الفوضى، مما يجعل الوضع أكثر إرباكًا. وقد تعرضت إيران مؤخرا لأسوأ هجوم إرهابي منذ الثورة الإسلامية عام 1979، والذي أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته لاحقاً.
"سياسة حافة الهاوية" تسعى لـ"الحافة"، وليس الحرب حقا، وهو ما يدل على أنه لا يزال هناك مجال لبذل الجهود الدبلوماسية لتجنب حروب واسعة النطاق. ومع ذلك، فهي خطوة أخيرة فقط من "الحافة" إلى الحرب، وهذا يكفي لدق أجراس الإنذار للجميع.