أصبحت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وإيران وإثيوبيا أعضاء رسميين في مجموعة البريكس يوم 1 يناير الجاري. وإن التطوير النشط لآلية البريكس هو توسيع لمنصة التعاون بين بلدان الجنوب، وتعزيز القدرة على الحفاظ على السلام، وتوسيع جبهة العدالة العالمية، ومعلم مهم آخر في وحدة وتعاون البلدان النامية.
ويظهر هذا التوسع التاريخي بشكل كامل الجاذبية القوية لتعاون البريكس. وقد نجحت دول البريكس على مدى السنوات الـ 18 الماضية، المحافظة على روح الانفتاح والشمول والتعاون المربح للجانبين، والتزمت بتعزيز عالم متعدد الأقطاب، ولعبت دورا أكثر بروزا في الشؤون الدولية بطريقة إيجابية ومستقرة وجيدة. وعلى هذه الخلفية، يطرق المزيد من الدول النامية "باب البريكس"، وتقدم طلبات للانضمام إلى آلية البريكس. وفي الاجتماع الخامس عشر لقادة البريكس الذي عقد في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا عام 2023، أعربت أكثر من 40 دولة عن رغبتها في الانضمام بدرجات متفاوتة بما في ذلك الدول الخمس التي أصبحت رسميا أعضاء في أسرة البريكس، وقدمت أكثر من 20 دولة طلبات رسمية، مما يسلط الضوء على الجاذبية القوية لدول البريكس. ويشكل توسيع عضوية البريكس ردودا قوية بالنسبة لأولئك الذين يحملون عقلية الحرب الباردة ويتشاءمون عن التعاون مع مجموعة البريكس.
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا جاء فيه أن توسع مجموعة البريكس "صدم" بعض الدول الغربية. مضيفاً، أن مجموعة البريكس يمكن أن تخلق فرصًا فريدة تسمح لمختلف البلدان بإجراء حوار مباشر ثنائي الاتجاه في بيئة متعددة الأطراف آمنة نسبيًا. وبالنظر على التاريخ، كانت واشنطن بارعة في استغلال الانقسامات لتحقيق أهدافها الخاصة، خاصة في الشرق الأوسط. ويمكن لمجموعة البريكس من خلال الحد من انعدام الثقة بين البلدان، أن تلعب دورا في "معالجة هذه الدورة المرضية".
ومن شأن هذا التوسع التاريخي أن يعزز ثقة دول "الجنوب العالمي" في توحيدها وتقوية نفسها. وتمثل دول البريكس قوة مهمة في تشكيل المشهد الدولي، كما يعمل الصعود الجماعي لدول الأسواق الناشئة والدول النامية التي تمثلها دول البريكس على تغيير خريطة العالم بشكل جذري. سيساعد التوسع التاريخي لعائلة البريكس في تعزيز النمو المستمر لآلية تعاون البريكس، وجعل "صوت البريكس" أعلى في القضايا الدولية والإقليمية، والمساعدة في تعزيز تحول الحوكمة العالمية، والتطور في اتجاه أكثر عدالة ومعقولة، وبالتالي تعزيز نفوذ وصوت البلدان في "الجنوب العالمي".وتعد القمة الخاصة لقادة البريكس حول القضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي عقدت عبر الفيديو في نوفمبر 2023 مثالا بارزا على ذلك، حيث يعد الاجتماع اجتماعا مهما لدول البريكس في لحظة حرجة تصاعد فيها الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وأصدرت بيانا عادلا بشأن القضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وإن إرسال صوت العدالة والسلام بشأن القضية الفلسطينية يمثل بداية جيدة لـ "تعاون البريكس الكبير." وذكرت بلومبرج إن هذه القمة كانت "غير مسبوقة" ووفرت منصة لآلية التعاون في هذه الدولة ذات السوق الناشئة للتعبير عن وجهات نظرها وتعزيز التواصل والتنسيق بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي ظل توسع عائلة البريكس لتشمل 10 دول أعضاء، سيصبح مجال التعاون أوسع وسيلعب دورا أكبر في حماية الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية.
كما سيساهم هذا التوسع التاريخي في تعزيز قوة البريكس في التنمية العالمية. وتظهر الإحصائيات الصادرة العام الماضي من قبل "أكورن ماكرو” للاستشارات، وهي منظمة الأبحاث الاقتصادية البريطانية، أنه في عام 2022، استنادا إلى تعادل القوة الشرائية، ستمثل دول البريكس أكثر من الإجمالي الاقتصادي العالمي مقارنة بمجموعة السبع الغربية. ووفقا لحسابات صندوق النقد الدولي، فإنه منذ انضمام جنوب أفريقيا في عام 2011، تجاوز معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي المجمع لدول البريكس الاقتصادات المتقدمة 11 مرة. وسيظل هذا التقدم قويا إلى غاية عام 2028. وذكرت وكالة فرانس برس نقلا عن بيانات البنك الدولي ومؤسسات أخرى، أنه وفقا لبيانات 2022، فإن دول البريكس تمثل 45.6% من سكان العالم و28.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقالت نجران أزهروني، باحثة أولى في مركز تريندز للبحوث والاستشارات الاماراتي، إن دول البريكس استفادت لفترة طويلة من مزاياها التكميلية لتعزيز التعاون العملي بشكل مستمر في مختلف المجالات، وخلقت بيئة مواتية للتنمية المستدامة والنمو الشامل، ولعبت دورا إيجابيا في تعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي. وفي الوقت الحاضر، فإن زخم الانتعاش الاقتصادي العالمي غير مستقر، وتواجه البلدان النامية تحديات أكثر خطورة، ولا يزال هناك طريق طويل يتعين قطعه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وباعتبارهم زملاء على طريق التنمية والتنشيط، ستركز دول البريكس الموسعة على التعاون العملي وضخ المزيد من الثقة والزخم في الاقتصاد العالمي الذي يواجه العديد من عدم اليقين.
يتمتع تعاون البريكس بإمكانيات كبيرة، ولدى دول البريكس مستقبل مشرق. وإن التوسع التاريخي لعضوية البريكس يتماشى مع التطلعات المشتركة للأسواق الناشئة والدول النامية، ويتوافق مع الاتجاه التاريخي للتعددية القطبية العالمية، وستتعاون الصين مع شركائها في مجموعة البريكس لتعزيز "تعاون البريكس الكبير" لتحقيق نتائج جديدة بشكل مستمر.