الصفحة الرئيسية >> العالم العربي

مقالة: الفلوجة العراقية.. معاناة مستمرة منذ 20 عاما نتيجة استخدام أمريكا لأسلحة محرمة دوليا

/مصدر: شينخوا/   2024:03:20.09:32
مقالة: الفلوجة العراقية.. معاناة مستمرة منذ 20 عاما نتيجة استخدام أمريكا لأسلحة محرمة دوليا
في الصورة الملتقطة يوم 12 مارس 2024، رقية، فتاة تعاني من تلف في الدماغ وضعف بالأطراف السفلى وتدهور بالقابلية الذهبية نتيجة للأسلحة المحظورة التي أسقطها الجيش الأمريكي على مدينة الفلوجة غرب العاصمة العراقية بغداد عام 2004. (شينخوا)

الفلوجة، العراق 19 مارس 2024 (شينخوا) رغم مرور نحو 20 عاما، لا تزال آثار العمليات العسكرية التي نفذتها القوات الأمريكية بمدينة الفلوجة غرب العاصمة العراقية بغداد مستمرة نتيجة استخدامها أسلحة محرمة دوليا.

وحاولت القوات الأمريكية اقتحام الفلوجة عام 2004 بعد عام من غزوها للعراق، إلا أنها جوبهت بمقاومة شديدة ولم تتمكن من دخولها، ما دفعها إلى ارتكاب جرائم بشعة بحق أهالي المدينة من خلال استخدام الأسلحة المحرمة دوليا.

-- جرائم أمريكية

ويؤكد أهالي الفلوجة ومختصون أن القوات الأمريكية استخدمت الفوسفور الأبيض وأسلحة إشعاعية وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليا في قصف المدينة عام 2004، ما زاد من حالات التشوهات الخلقية ونسبة الأمراض السرطانية.

وبجانب ذلك، لا تزال آثار الدمار المادي واضحة على البنايات والمساجد في الفلوجة بعد 20 عاما على المواجهات مع القوات الأمريكية.

وأجرى العديد من أطباء الفلوجة دراسة عام 2010 شملت أكثر من أربعة آلاف طفل، وسجلوا ظاهرة تزايد المصابين بتشوهات خلقية وأورام سرطانية، بعد المعارك التي دارت بين القوات الأمريكية ومجموعات المقاومة التي دعمها أهالي الفلوجة عام 2004، كما سجلوا ارتفاعا بمعدلات الإصابة بفقر الدم والوفيات.

وقال الخبير الطبي سعدي ذهيبة لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "ما حصل للفلوجة لم يحصل في أي بلد في العالم من غزو وحشي وانتقام، إذ استخدم الأمريكيون الأسلحة المحظورة، ما أدى إلى ارتفاع حالات العقم عند النساء والإصابة بالسرطان".

وأضاف بنبرة حزن وألم شديدين "شاهدت بعيني بعد أن ضربوا بالفوسفور الأبيض، الجثث في الشوارع خاصة في حي الجولان الذي يعد أكثر الأحياء تضررا".

وأكد أن آثار العمليات الأمريكية جراء استخدام الفوسفور الأبيض وكل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا، لا تزال موجودة بعد 20 عاما، لافتا إلى أن هناك ارتفاعا بعدد حالات الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية والأمراض الغامضة.

وأشارت دراسات أجريت بالفلوجة عام 2011 إلى أن كل ألف مولود جديد بينهم 147 يولدون بتشوهات خلقية، لافتة إلى أن نسبة تشوهات أطفال الفلوجة تزيد 14 مرة على مثيلتها في هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين.

كما وجد الباحثون زيادة 38 مرة بأعداد الإصابة بسرطان الدم بين سكان الفلوجة، مقارنة بسكان هيروشيما التي بلغت 17 مرة، فضلا عن ارتفاع إصابات سرطان الثدي لدى الإناث عشرة أضعاف، وزيادات كبيرة بأورام الدماغ لدى البالغين.

-- معاناة دائمة

خلقت الحماقة الأمريكية باستخدام الأسلحة المحظورة دوليا معاناة مزمنة للعديد من العائلات في الفلوجة، وقلبت حياتهم رأسا على عقب وجعلتها معاناة وآلاما مستمرة من الصباح حتى المساء.

ومثال على هذه المعاناة، خالد إبراهيم الأب لخمسة أطفال بينهم بنتان مصابتان بتشوهات خلقية ونقص بالنمو، ما قلب حياته وحياة أفراد عائلته وغيرها بشكل كبير.

واضطر إبراهيم الذي يسكن في حي الجولان، لصرف كل ما يملك على علاج ابنتيه، وفي النهاية نفد منه كل شيء وأصبح لا يملك سوى الصلاة والدعاء لهما.

وتبلغ ابنة إبراهيم الأولى نور 18 ربيعا لكنها تبدو وكأنها طفلة بعمر العاشرة بسبب التشوهات التي أصيبت بها في العمود الفقري والقفص الصدري، ما جعلها تسير بصعوبة واضطرت لترك المدرسة والجلوس في البيت لتصبح مصدر ألم وحزن لأهلها.

أما الابنة الثانية ميار، وهي طالبة في الصف الرابع الابتدائي، فلديها تشوه في العمود الفقري والقفص الصدري أيضا وتحتاج إلى رعاية خاصة، إذ أنها لا تستطيع حمل حقيبة كتبها عند ذهابها إلى المدرسة.

ووصف إبراهيم معاناته بأنها كبيرة وشديدة، وقال إن آخر طبيب عُرضت عليه ميار حذر من أن تحمل حتى حقيبة الكتب، ولذلك فهو يقوم بتوصيلها إلى المدرسة وإحضارها للبيت.

ولدى إبراهيم شقيقة، ابنتها رقية حقي طالبة في الصف الأول متوسط مصابة أيضا بتلف في الدماغ وضعف بالأطراف السفلى وتدهور بالقابلية الذهبية.

وقال إبراهيم بغضب "هذه كلها مخلفات القصف الأمريكي، الذي استخدموا فيه مختلفة الأسلحة وحتى الآن الآثار السلبية تظهر علينا مثل التشوهات والأمراض السرطانية وغيرها".

ومثال آخر الطفلة سارة طه (11 عاما) التي تعاني من مرض غامض، فهي لا تستطيع الكلام ولا تعرف لغة الإشارة ما يجعل التعامل معها صعبا جدا.

وقال والدها لـ ((شينخوا)) "معاناتي كبيرة.. نفسية ومادية.. والمعاناة مستمرة على مدار الساعة منذ استيقاظ ابنتي وحتى نومها، فضلا عن وضعي المادي الذي تدهور كثيرا لكثرة مراجعة الأطباء الذين عجزوا عن تشخيص مرض ابنتي".

وفي محاولة للتخفيف عن كاهل العوائل التي لديها إصابات بالسرطان، تقوم منظمة (بوابة الوطن) الخيرية بشراء جرعات مضادة للسرطان وتوزعها على المصابين بمعدل 70 الى 80 جرعة شهريا، وفقا لطارق الدليمي المسؤول الثاني بالمنظمة.

-- تأثير طويل الأمد وأمراض غامضة

ويؤكد الخبراء والمختصون في المجالات الطبية والعملية أن آثار الأسلحة المحظورة التي استخدمها الأمريكيون في الفلوجة ستبقى لفترات طويلة، وسيظل يعاني سكان المدينة من الأمراض السرطانية والغامضة وغير المعروفة سابقا.

وقال عبد القدوس حميد المختص بالتحليلات والتقنيات الطبية لـ ((شينخوا)) إن "أسباب انتشار التشوهات الخلقية والأمراض الغامضة خاصة الأطفال، والإسقاط لدى النساء، وارتفاع الإصابات بمرض السرطان، تعود لاستخدام القوات الأمريكية الفوسفور الأبيض وأسلحة إشعاعية وغيرها أثناء هجومها على الفلوجة عام 2004".

وأضاف أن "هذه الأمراض بدأت تنتشر بشكل ملفت للنظر منذ عام 2010، وكانت تسجل شهريا كمعدل خمس حالات عند الأطفال، وبعد عام 2018 بدأت الإصابات بمرض السرطان تتزايد وبلغ معدلها شهريا أكثر من عشر حالات".

وتابع "نتيجة لاستخدام هذه الأسلحة بدأت تظهر أمراض غامضة لم تكن معروفة في المدينة فضلا عن حصول ولادات ميتة، أي يولد الطفل متوفيا ولديه تشوهات خلقية".

ووفقا لحميد، فإن آثار استخدام هذه الأسلحة وخطرها على حياة الناس سيبقى لمئات السنين وسيبقى أهالي المدينة يتعرضون للإصابة بالأمراض السرطانية والنفسية والأمراض الغامضة نتيجة لضخامة وكثرة الأسلحة المستخدمة، داعيا المجتمع الدولي إلى التدخل لإنقاذ أطفال الفلوجة.

صور ساخنة